بعد أن استعرضنا في الجزء الأول أهم الأفكار والأطروحات التي تأسست عليها مواقف منظمة « إلى الأمام» و « منظمة 23 مارس» و» ولنخدم الشعب»، نستعرض في هذا الجزء أهم الأطروحات النظرية والسياسية للفقيد عبد السلام المودن، وللأستاذ علال الأزهر المنبهي بوصفهما قياديين بارزين من مؤسسي اليسار المغربي الجديد، ومن الكوادر التاريخية لمنظمة 23 مارس. وتلتقي كتابات الفقيد عبد السلام المودن، وكتابات الأستاذ علال الأزهر في دحض الأطروحات الانفصالية، في أبعادها السياسية، والوطنية، والقومية، والاشتراكية في مرحلة دقيقة من الصراع الداخلي الذي كان يتجاذب مواقف التنظيمات الثلاثة، سواء من داخل تجربة السجن ، أو خارجه. ولتيسير مقروئية هذه المواضيع سنعمل على استعراض أهم مضامينها، وخلاصاتها حسب التسلسل الوارد في المصدرين اللذين اعتمدناهما في انجاز هذا الملف.
في كتاب « الصحراء المغربية، جدل الوحدة والتجزئة» (منشورات دار التوحيدي، 2020) يشير علال الأزهر الى أنه «بعد التوصل إلى التوقيع على اتفاقية مدريد الثلاثية التي بموجبها تم استرجاع إقليم الصحراء (الأمر الذي لم تكن تتوقع الجزائر أن يتم بهذه «السهولة») لم يتمالك الرئيس بومدين نفسه من القول يوم 21 نوفمبر 1975 بأن «هناك دولتان في العالم لا حدود ترابية مضبوطة لهما، المغرب وإسرائيل هل تستطيعون أن تفسروا هذا الأمر؟.( استجواب أجرته معه جريدة «لمانيتي» الفرنسية، 21 نوفمبر 1975 نقلا عن جريدة العلم، عدد 12886) كانت اتفاقية مدريد الثلاثية التي تم بموجبها الانسحاب النهائي من الصحراء في 28 فبراير من سنة 1976، قد تضمنت بندا يتعلق بالسكان يقول، «3. احترام رأي سكان الصحراء المعبر عنه من خلال (الجماعة) ،كما أن الجمعية العامة قد صادقت على اتفاقية مدريد ضمن القرار 3458 الذي ينقسم إلى «أ» و «ب». ففي البنود 1و2و3 من قسم «أ» تكرر الجمعية العامة نفس المضامين الواردة في القرارات السابقة…، بينما يتناول القسم «ب» الجانب المتعلق باتفاقية مدريد. ففي هذا القسم يعلن القرار في البند الأول عن أخد علم الجمعية العامة بهذه الاتفاقية، وفي البند الثاني عن تمسك الجمعية العامة بحق تقرير المصير لجميع الصحراويين الأصليين وفقا للقرار1514، وفي البند الثالث عن تمني الجمعية العامة احترام تطلعات السكان الصحراويين من قبل الأطراف الموقعة على اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975 ، وفي البند الرابع تتمنى الجمعية العامة من الإدارة المعنية إجراء اللازم بشكل يسمح لسكان الصحراء الأصليين بممارسة حقهم في تقرير المصير عن طريق المشاورات الحرة والمنظمة وبحضور مراقب من منظمة الأممالمتحدة يختاره الأمين العام. وحسب علال الأزهر،فبعد اتفاقية مدريد وإنهاء الوجود الاسباني أصبحت المسألة تطرح بشكل مغاير عن السابق، فلم يعد هناك استعمار أجنبي كالسابق يسمح باستعمال ورقة تقرير المصير وفق ما تمليه الظروف والمواقف المصلحية .فقد عادت الصحراء إلى المغرب فعلا، والاستمرار في الدعوة إلى تقرير المصير في الصحراء في ظل الشروط الجديدة معناه معارضة انضمامها إلى المغرب وموريتانيا، والدعوة إلى الانفصال وإقامة كيان مستقل شبيه بما كانت تدعو إليه إسبانيا. إن اتفاقية مدريد حسب الكاتب حققت جزءا هاما من التوصيات التي كانت تدعو إليها قرارات الأممالمتحدة منذ سنة 1966، على الأقل حيث كانت تدعو اسبانيا الى فتح مفاوضات مع الأطراف المعنية (المغرب وموريتانيا)، الأمر الذي كان بمثابة تصفية للنزاع في المنطقة وفق منطق القانون الدولي. غير أن القيادة الجزائرية التي كانت تعتبر نفسها هي الأخرى معنية بحل النزاعات وفق صيغة الأممالمتحدة (وأي أطراف أخرى معنية) إلى «كورت فالدهايم» بمذكرة تضمنت عدم اعتراف الحكومة الجزائرية بالاتفاق الذي أبرم في مدريد بين إسبانيا والمغرب وموريطانيا. ومع أن الجزائر لم تكن قادرة على تأمين تأييد كاف لموقفها في الأممالمتحدة بحيث استطاع المغرب أن يكسب الرهان بفضل اتفاقية مدريد الثلاثية. إلا أن موقف الأممالمتحدة أو بعض الأجهزة التابعة لها تضمنت عناصر معادية لموقف المغرب إذا وجدت من ينهض لاستغلالها في المستقبل. فمحكمة العدل الدولية رغم إقرارها بوجود روابط قانونية بين كل من المغرب وموريتانيا وقبائل الصحراء الا أن ذلك ليس معناه « تعديل في تطبيق حق تقرير المصير وتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية ،ووفقا للقرار رقم 1514 المعتمد من الجمعية العامة في دورتها الخامسة عشر». كما أن البعثة الأممية التي زارت الصحراء انتهت الى نتائج تعتبر أن هناك تأييدا واسعا للبوليساريو في المنطقة. و»ذكرت البعثة في تقريرها أن الناس الذين التقت بهم في الإقليم يريدون الإستقلال بشكل قاطع وهم ضد المطالب الإقليمية لكل من المغرب وموريتانيا. وأخيرا أوصى التقرير (الذي نشر في 14 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1975) بضرورة تمكين الناس من تقرير مستقبلهم بحرية تامة وفي جو من السلام والأمن» ( أنظر، تناقضات الدولة العربية القطرية، بهجت قرني، مجلة المستقبل العربي، عدد105 ،1987). ويحيل علال الأزهر على صحيفة « المجاهد» الجزائرية التي بسطت الخطوط العريضة لموقف الجزائر من قضية الصحراء (5 فبراير 1976). 1. الهدف الوحيد من تحركها ينطلق من سياستها في مساندة حركات التحرير، 2. النضال الجاري في الصحراء وهو نضال بين التقدمية والإقطاع. بين نظام ملكي استبدادي وحليف للإستعمار، وشعب عربي يناضل من أجل إبقائه، 3. إن أي مفاوضات يجب أن تكون بين جبهة «البوليساريو» الممثلة للشعب الصحراوي، وكل من المغرب وموريتانيا، 4. إن أية وساطة في قضية الصحراء لا يكون لها أي معنى، ما لم يكن هدفها التوصل الى إنقاذ الشعب الصحراوي وصيانة وجوده» ( عن مجلة السياسة الدولية،عدد64)» وفي غمرة هذا التحول الذي طرأ على موقف القيادة الجزائرية بعد عودة الصحراء إلى المغرب من تطبيق تقرير المصير باعتباره يعني الاستقلال وتشكيل دولة، بدأت تسوق أسبابا أخرى لتبرير تدخلها المباشر، فلم يعد الأمر يتعلق بالدفاع عن «شعب» يريد تقرير مصيره، بل تعداه إلى الحديث عن تهديد الثورة الجزائرية نفسها. فللعملية أبعاد أشمل وأكثر من هذا، بالإضافة إلى ما تهدف إليه من ضرب الشعب الصحراوي، فهي تهدف كذلك إلى ضرب الثورة الجزائرية، ونحن نعتقد جازمين بأن هذه المحاولة تعتبر أكثر غلطة ترتكبها الإمبريالية في منطقتنا هذه… «على حد تعبير الرئيس بومدين بتاريخ 24 شباط 1976.( علي الشامي،الصحراء الغربية، عقدة التجزئة في المغرب العربي،بيروت، دار الكلمة، ط1،19801) وقد يعود هذا الارتباك الذي يكتنف الموقف الجزائري بعد عودة الصحراء إلى المغرب إلى أنه من الصعب البرهنة على وجود شعب متميز في الصحراء عن الشعب المغربي بامتداداته في الجنوب .وبالتالي بسهولة الإقتناع بإن القوات المغربية هي قوات استعمارية غازية مثلها مثل القوات الإسبانية… ، مما سيجعل سيجعل النظام الجزائري يسوق، إلى جانب الدفاع «المبدئي» عن حق «الشعب» الصحراوي في تقرير مصيره، الدفاع عن الثورة الجزائرية نفسها لان الصراع الدائر هو بين «التقدمية» والإقطاع، بين نظام ملكي استبدادي وحليف للإستعمار وشعب عربي… إلخ .