السياق التاريخي والسياسي لقرار المسيرة الخضراء لكل نزاع مرجعية وإحالة تاريخية تشكل هويته، ونزاع الصحراء الذي ناهز ستة عقود وليس أربعة كما يروج له يجد إحالته التاريخية في الزمن الممتد من يناير 1972 إلى فبراير 1976، مع فترة مفصلية أنتجت كل الهياكل الحالية لنزاع الصحراء، يتعلق الأمر بالفترة الممتدة من يونيو 1975 إلى فبراير 1976. في الفترة الفاصلة ما بين 1969 - 1972 عرفت المنطقة توافق المغرب والجزائروموريتانيا على حل المشاكل الترابية، وموازاة مع المخططات الإسبانية في الصحراء المرتبطة بالتحولات الداخلية التي عرفتها إسبانيا أواخر عهد مرحلة فرانكو بدأ الحضور المغربي مشعا على الساحة الإفريقية، لقطع الطريق أمام المؤامرات الاستعمارية الإسبانية في الصحراء الغربية، بخلق دولة في هذه المنطقة، تكون تابعة لإسبانيا شكلا ومضمونا. وفي هذا السياق، كتبت مقالات حينها تشبه ما يتم الإعداد له في الصحراء الغربية بما تم في فلسطين سنة 1947، كمقال الولي مصطفى (مؤسس البوليزاريو) في مجلة أنفاس، (عدد مزدوج يناير 1972)، بعنوان "فلسطين جديدة في الصحراء"، وهو تلخيص للدراسة التي ستنشر في دورية الاختيار الثوري. أعلنت إسبانيا في بداية السبعينيات أن الصحراء الغربية كانت في الأصل أرض خلاء لا تخضع لأي سيادة أو إدارة، للتهرب من تطبيق قرار تصفية الاستعمار، وشنت حملة دبلوماسية بأن أمر الصحراء الغربية لا يهم المغرب فقط، بل الدول المجاورة أيضا، وعند فشل هذه الخطة جهرت إسبانيا بموقف جديد، وهو أن المسألة لاتهم إلا طرفين، الإسبان والصحراويين، وهو أمر ظل قائما في خطاب عدد من الأحزاب اليمينية، إلى يومنا هذا، والتي تعد امتدادا للمرحلة الفرنكوية. في سنة 1974 لجأت إسبانيا إلى تنظيم إحصاء أسقطت منه القبائل الصحراوية المهجرة إلى الشمال أواخر عقد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وكان الهدف من ذلك خلق "دويلة صحراوية" تابعة لإسبانيا، هذا الإحصاء سيصبح مرجعية أساسية في الثمانينيات والتسعينيات بالنسبة إلى الأممالمتحدة وأطراف النزاع. وفي 20 غشت 1974 أعلنت إسبانيا عن نيتها في إجراء استفتاء لتقرير المصير. أمام التحركات الإسبانية في الصحراء الغربية تجندت الدول الإفريقية ومنظمة الوحدة الإفريقية للدفع بالمغرب وموريتانيا إلى توحيد جهودهما من أجل قطع الطريق على إسبانيا. وفي هذا الصدد، أعطى وليام مبوموا، الكاتب العام لمنظمة الوحدة الإفريقية، تصريحا بتاريخ 29 أكتوبر 1974، رفض فيه قيام إسبانيا باستفتاء في الصحراء الغربية، واعتبر الأمر استعمارا جديدا، وابتهج لانضمام موريتانيا إلى المبادرة المغربية. "تقرير اللجنة الأممية للتقصي في الصحراء الإسبانية" ماي/ يونيو 1975 في سياق هذا الصراع بين المغرب وإسبانيا، قررت الأممالمتحدة إرسال بعثة استطلاع وتقصي إلى "الصحراء الإسبانية"، وهو تقرير تم تغييبه في إحالات قرارات مجلس الأمن في السنوات الأخيرة، بل إن المغرب لا يتذكره ولا يستعمله بالرغم من أهميته بالنسبة إلى الطرح المغربي. يتعلق الأمر بتقرير أعدته لجنة أممية زارت "الصحراء الإسبانية" في ماي ويونيو من العام 1975، وتقرر إرسالها إلى الصحراء بموجب قرار أممي رقم 3292 صادر عن الجمعية العامة بتاريخ 13 دجنبر 1974. طالبت الجمعية العامة في القرار نفسه ب" إصدار فتوى من محكمة العدل الدولية، وطلبت من اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة أن تبقي الحالة في الإقليم قيد النظر، بما في ذلك إيفاد بعثة زائرة إلى الإقليم". (ينظر قرار الجمعية العامة الصحراء الإسبانية، رقم 3458. د- 30). وحثت الجمعية العامة في قرار 3292 "الدولة القائمة بالإدارة (إسبانيا) على تأجيل الاستفتاء الذي تعتزم إجراؤه في الصحراء الإسبانية إلى أن تبت الجمعية العامة في أمر السياسة التي يتعين اتباعها للإسراع بإنهاء استعمار الإقليم وفقا للقرار 1514 (د- 15) في أحسن الأحوال الممكنة، في ضوء الفتوى التي ستصدرها محكمة العدل الدولية" (المصدر نفسه). انتهى التقرير إلى صعوبة إجراء استفتاء في المنطقة لتشتت التركزات السكانية وإلى نمط العيش المرتبط بالترحال، وأن نسبة المستقرين لا تتعدى بضعة آلاف في العيون والداخلة والسمارة، وخلص التقرير إلى توصيات تطالب باتخاذ كافة الإجراءات لتمكين كل الصحراويين لهم ارتباط بالإقليم للتقرير في مصيرهم وإرادتهم في مناخ الأمن والسلم. وحمل القرار رقم 3458، الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 10 دجنبر 1975، إحالات إلى تقرير اللجنة التي زارت الصحراء في ماي ويونيو 1975، وإلى فتوى محكمة العدل الدولية التي أصدرت في 16 أكتوبر رأيا يقضي بوجود علاقات تاريخية بين الصحراء الغربية/الإسبانية والمغرب. وأصدر مجلس الأمن في 1975 قرارات متعلقة بالصحراء (377 و379 و380). في هذه اللحظة التاريخية وقطعا لمناورات إسبانيا المعلنة، وتحركات ليبيا والجزائر من وراء الستار، قرر الملك الراحل إنجاز مسيرة خضراء نحو الصحراء لقطع الطريق أمام مناورات حكومات إسبانيا والجزائر وليبيا، فكانت اتفاقية مدريد بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا، وهي الاتفاقية التي تبنتها الأممالمتحدة في القرار نفسه المذكور أعلاه في اللائحة ب، الفقرة الأولى، من أنها أخذت علما بالاتفاق الثلاثي، الموقع بتاريخ 14 نوفمبر 1975، وسلم للأمين العام بتاريخ 18 نوفمبر 1975، والذي يعد ثمرة أولى لقرار المسيرة. ويقضي الاتفاق انسحاب إسبانيا من الإقليم يوم 28 فبراير 1976. وفي الفقرة الثانية يتحدث القرار عن السكان الصحراويين، وليس الشعب الصحراوي، بالرغم من الإشارة إلى قرار 1514 المرتبط بتقرير مصير الشعوب، والذي كان لازمة لكل قرارات الأممالمتحدة، وهو لا يعني الاستقلال خاصة الفقرة السابعة منه. في شهر نوفمبر تغير الموقف الجزائري إلى الجهر بالعداء للاتفاق الثلاثي؛ فالدولة الجزائرية كانت ترى في اتفاقية مدريد خلخلة للتوازنات الإقليمية، وتقوية المغرب من خلال استرجاعه للصحراء، والتوافق مع موريتانيا سيجعل منه بلدا قويا، وهذا يتناقض مع السياسة الجزائرية العاملة على إضعاف المغرب بهدف الهيمنة الإقليمية. في هذا السياق، خلق احتضان الجمهورية العربية الليبية لجبهة البوليساريو شعورا لدى الدولة الجزائرية بتمدد ليبيا نحو الغرب، في منطقة اعتبرتها الجزائر مجالا حيويا لها، فتبنت الحكومة الجزائرية بشكل علني جبهة البوليساريو، ودفعت بها إلى تأسيس حكومة، وإعلان قيام "الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية" يوم 27 فبراير 1976، ومنحت لها تندوف، المنطقة المتنازع حولها في ذلك الوقت مع المغرب. وهدفت الحكومة الجزائرية إلى أن إضعاف المغرب وإسقاط النظام السياسي سيؤدي خدمة إستراتيجية لحلف الاتحاد السوفياتي آنذاك على اعتبار الموقع الإستراتيجي للمغرب، وعمل رباعي مكون من بوتفليقة وبلعيد على تأطير الجانب السياسي "لجمهورية تندوف"، في حين تكلف الكولونيل هوفمان والزركيني بالجانب العسكري، جرت هذه الأمور تحت رعاية مدير الكاجبي، أندروبوف، الذي سيصبح فيما بعد رئيسا للاتحاد السوفياتي. ولم يقف تغير الموقف السياسي للدولة الجزائرية فجأة بين أكتوبر 1975 و27 فبراير 1976، بل حاول بومدين تغيير الواقع على الأرض من خلال تدخل عسكري، إذ تسربت فرق من الجيش الجزائري نحو الصحراء، واصطدمت بقوات مسلحة ملكية في ما سيعرف في ما بعد بأمغالا، قتل فيها 200 عسكري جزائري، وتم أسر 106، أطلق سراحهم بعد وساطة سعودية؛ لكن القوات الجزائرية عاودت الهجوم على الموقع المغربي في أمغالا، فاستشاط الحسن الثاني غضبا وأرسل يوم 15 فبراير 1975 رسالة قوية إلى الرئيس الجزائري، رسمت ملامح النظام الجزائري وعلاقاته بنزاع الصحراء (مجلة الجيش الملكي عدد 129، فبراير 1975). الرسالة موقعة بتاريخ الأحد 15 فبراير 1975، ويذكر فيها الملك الرئيس بومدين بمواقفه السابقة بشأن الصحراء خاصة خلال صيف 1975، أي مباشرة بعد زيارة البعثة الأممية للصحراء، يقول الحسن الثاني في رسالته: "لقد أخبرتموني رسميا ثلاث مرات خلال صيف 1975، بقولكم الذي أعيده عليكم بالحرف الواحد: "قولوا لملك المغرب، ثم قولوا له بالتأكيد أنه مهما كانت خلافتنا حول مشكل الصحراء، وكيف كانت نهاية النزاع بينه وبين إسبانيا، فإني أتعهد له بأنه سوف لا يرى أبدا جنديا جزائريا أو عتادا عسكريا جزائري فوق تراب الصحراء لمحاربة الشقيق المغربي". وذكر الحسن الثاني بأسماء الرسل الذين حملوا رسالة بومدين وهم بورقيبة وسنغور وولد دادة، وأضاف الحسن الثاني أن التعهد نفسه أكده عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية، وتابع الملك رسالته بالقول: "فمن أجل شرف بلادكم وشعبكم الذين تطبعهما كثير من النعوت التاريخية، أناشدكم أن تجنبوا المغرب والجزائر مأساة أخرى. وأطلب منكم كذلك إما أن تعملوا بحرب مكشوفة ومعلنة جهارا، وإما بسلام مضمون دوليا".