ماذا لو تكون الجزائر هي جنوب إفريقيا؟: يبدو السؤال تمرينا متعمدا في الخيال السياسي. لكنه مع ذلك يجد مبرراته النظرية المادية عند مؤرخ كبير مثل عبد الله العروي، حتى إنه يفسر به التقارب بينهما، من حيث الماهية والوجود، سببا في التقارب الحالي! ولعلنا معنيون بهذه الاستنتاجات التي تقوم عليها مقارنات عبد الله العروي في كتابه الأخير. لاسيما وأننا كنا من المتابعين لما يجري فيها، كما أن الدولة الأكثر ديموقراطية في إفريقيا والإرث السياسي لمانديلا لا تني تتدخل في ما يشغل المغاربة. ومن جانبنا نحن تابعنا جميعا توترات الوضع جراء الانتخابات الأخيرة، وما أفرزته من اندحار هيمنة فرحنا لها في المغرب بقدر ما كنا في ما قبل نرفع راية نيلسون مانديلا .. يقول العروي في الصفحة 27، «إن الجزائر التي يتحدث عنها أصحاب النظام اليوم، ولدت بالضبط في 1962، مع معاهدات إيفيان. وفي الواقع، لو كان المستعمِر غير المستعمِر، لكانت الجزائر على صورة جنوب إفريقيا ، وهو وما يفسرالتواطؤات بينهما» . وفي موضوع آخر، ورد في تدوينة للمفكر والمؤرخ العروي يوم 27 غشت من سنة 2021، يقول« .. كتبت منذ خمسين سنة أو يزيد مقالا حول السياسة الخارجية للجزائر، وفيه أرى أنه لو كان الاستعمار الفرنسي شبيها بالاستعمار الإنجليزي، وكانت الجزائر اتبعت نهج وطريق جنوب إفريقيا، ما كان لها أن تتبع سياسة خارجية أخرى» غير التي اتبعتها .مع المغرب طبعا. ويكتب. العروي إن من الوهم أن نعول« على تضامن ما من وحي العروبة أو الإسلام».. ومن ثوابت التحليل عند العروي أنه حتى ولو كانت الجزائر غير الجزائر، والمغرب غير المغرب، و لكانت الدولتين المفترضتين، المختلفتين في كل شيء عن المغرب والجزائر، نفس الخلافات التي نلاحظها اليوم!!! و له في ذلك تعليل هو تشابه الوضع بين فرنسا وألمانيا في تاريخ أوروبا، الواحدة في وسط أوروبا والأخرى مفتوحة على العالم. ولعل الجزائر هي التي توجد في قلب المنطقة. بدون منافذ لا في المتوسط ولا في المحيط، عكس المغرب. المفتوح على بحرين! وهو ما يفيد عند العروي بأن «الخلافات مكتوبة عندنا في الجغرافيا»!! وفي تقدير التشابه دوما يقول العروي «إن الجزائر تحررت بفعل السلاح، وهي تحتل موقعا مركزيا، وتملك المساحة الأكثر شساعة وكان يمكن أن تصبح البلد الأكثر كثافة سكانية. وهي تملك الثروات من المحروقات كوسيلة ابتزاز لا يعلى عليها في وجه الدول المصنعة، فلماذا لا تتطلع إلى الريادة في الإقليمية في المنطقة؟… ويمكن أن نكون متيقنين بأن هذا ما وسوس لهم أثناء مفاوضات "إيفيان"« ويضيف العروي أن نفس الوضع سنجده بعد سنوات في أقصى القارة، مع فارق أن ريادة جنوب إفريقيا كانت موضوع توافق».. ولو أن «الجزائر كانت محاط بدول صغيرة نسبيا بناء على المقارنة بها، فما كان هناك مبرر للقلق كما كان الحال في جنوب إفريقيا». والحال أن المغرب في تلك الفترة« كان أكثر كثافة سكانية من الجزائر، وكان كل شيء يدل على أنه سيظل كذلك في المستقبل، وكان كذلك أقل غنى، بالكاد من الجزائر، ولا أحد كان يتوقع تغير وانقلاب موازين القوة بين منتجي ومستهلكي البترول في السبعينات .. بمقدورنا إذن أن نفكر أن الجزائر كان الممكن أن تسلك سياسة أكثر رهافة وذكاء، وذلك بأن تظهر المزيد من المهادنة أو التصالح، مع المغرب».. عنصر آخر من الشبه عند العروي بين البلدين، وهوما أعقب الاستقلال، وعن خروج "الأقدام السوداء" من البلاد، وهو اللقب الذي أطلق على الجاليات الأوروبية في الجزائر طوال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وكان الجزائريون بعد التحرير خائفين من تواجدهم بقوة حيث يجدون أنفسهم أمام ساكنة قوية من المقيمين تجعل منهم جنوب. إفريقيا أخرى »..! ولعل العنصر الذي يمكننا إضافته هو أن المغرب احتضن الثورة المانديلية فوق ترابه في شخص قادتها،نيلسون مانديلا واحتضن الثورة الجزائرية أيضا، وكلاهما طور أزاءه مواقف عدائية.. (يتبع)