أعادت كلمة عمر هلال، أمام اللجنة 24 الأممية، التاريخ إلى حلبة الصراع في قضية الصحراء المغربية. وذكرت بالحقائق التي ارتبطت ببداية القضية الوطنية الأولى للمغرب.، في تصفية الاستعمار وفي تقرير المصير، ثم في النهاية، في اعتماد الجزائر لهذه القضية كجبهة لمحاربة المغرب. والعديد من هذا الأمر معروف، ولربما قد حان التذكير بالمعنى الذي يكتسيه من زاوية معنى التاريخ. الجزائر والتاريخ عقدة مؤلمة وحادة، لا يخفيها كل التمجيد الذاتي الإعلامي والسياسي، الذي تتبناه الطغمة العسكرية الحاكمة اليوم: بالرجوع إلى أصل الأشياء، نجد بأن الجزائر بنت أطروحاتها، لاسيما في المحافل الدولية، على أساس: = التاريخ ليس أساسيا في بناء الهوية الوطنية للدول التي أعقبت سقوط الاستعمار (من نهاية الأربعينيات إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي)، بل إن مؤرخا مثل عبد لله العروي، الذي عايش المرحلة من زاوية الفعل الديبلوماسي كما الفعل الوطني، يقول عن الثنائي بن بلة ومحمد الحربي مؤرخ المرحلة، إنهما «كانا يعتبران نفسيهما أبناء وأطفال ثورة لا تدين بأي شيء للماضي، عكس المغرب الذي يسبح حسبهما في «الماضوية العتيقة». = الدولة الجزائرية بَنَتْ أسطورتها التأسيسية على كونها الناطقة المتزعمة للدول التي ولدت من نهاية الإمبراطوريات الكولونيالية في إفريقيا وفي آسيا، وعليه نجد في هذا الانتماء المعلن من طرف واحد التفسير لما وجدته الجزائر من آذان صاغية من طرف الدول الشبيهة بها، لاسيما في القارتين معا، والتي شكلت دولها الأغلبية الساحقة في اللجنة 24 الأممية. = الجزائر في مرافعاتها منذ وضع القضية الوطنية المغربية أمام العدل الدولية وإلى الآن، تعتبر نفسها، وبوضوح «فكري وإيديولوجي،» وريثة القوة الاستعمارية، وهي المخولة لتحديد وتقرير مصائر الدول، لاسيما في شمال إفريقيا.. ومن عناصر الجدة في اللجنة التي تنعقد حاليا، هو الإنصات الذي بدأ يحظى به المغرب في العقدين الأخيرين، والتجاوب مع ما يدافع عنه وتغير الموقف الذي بدأت تتبناه دول جديدة، بفعل تغير النخب وتغير معطيات الواقع، وكذا انتصار الحقيقة في ملف أرادت الجزائر التضليل فيه لربحه والتوجه نحو التأويل الاستفتائي لتقرير المصير، وكان أهم مظهر في هذا الانتصار هو إنهاء أسطورة الاستفتاء). من جانب آخر، هذه التغيرات كشفت انتصارا جديدا لأطروحة المغرب في وسط اللجنة، بحيث أصبحت عناصر التحليل وقيادة التاريخ تأخذ حيزا في النقاش الدولي العام والخاص. واتضح أن التاريخ الذي تريد أن تمسحه طغمة العسكر انقلب ضدها في مرافعات المغرب على لسان هلال. ولعل الكثيرين يدركون، اليوم، رهانات الجزائر من خلال الإرادة المعلنة في محاربة المغرب وليس فقط مناورته: واتضح: أنه لا يمكن إجبار المغاربة على نسيان تاريخهم… لأن التاريخ الحديث عنصر مرتب عضوي في بناء الوعي الوطني، الذي مازال مستمرا عبر قضية تحرير. الصحراء واسترجاعها.. أن التاريخ الذي أرادت الجزائر أن تلغيه أدركها وصار يطاردها بعد نصف قرن من القضية، وكل الترسانة الإيديولوجية لم تعد كما كانت تريد (تصفية الاستعمار، الشعوب، حق تقرير المصير …)، وحدث أن صارت معضلة لديها هي بالذات.. أن القانون الدولي والشرعية الدولية لا يمكن أن يتم تجزيئهما، باعتبارهما الحد الأدنى للدول التي ولدت بعد الاستعمار، وهي منها، وأنها مطالبة بمواجهة نفس المعضلات التي «تصدرها» إلى المغرب! وفي سياق القانون لا بد من التذكير بأن محكمة لاهاي اعترفت بحق المغرب السيادي المبنى على البيعة، والمغرب بنى عليه الحق في تنظيم المسيرة الخضراء. وتم تحريف الحكم الاستشاري للمحكمة ومال ، بفعل حركة الجزائر ومن يسير في ركابها، إلى تقرير المصير البعيد عن منطق البيعة المعترف به من المحكمة، كما شرح ذلك الأستاذ العروي في كتابه الأخير بدقة وأستاذية عالية وحس دبلوماسي دقيق. ولعل من المفيد للمغرب ولنا جميعا أن نعود إلى هذا النقاش، كما يجب فهمه في آليته ودرجة تحريف المفهوم الذي شرعته محكمة العدل الدولية، لسببين على الأقل: = هذه المحكمة لم تقل لنا الإطار الذي فهمت به مفهوم البيعة. = الفرق الكامن وراء الاستفتاء بين سؤالين: بين سؤال :هل تقبلون تأكيد بيعتكم للعرش العلوي أم لا؟ والسؤال الآخر: هل تريدون الانضمام إلى المغرب أم إلى الانفصال؟ وهما السؤالان اللذان يبرران في تقدير العروي استحالة تنظيم الاستفتاء أكثر من الاختلاف حول الناخبين ولائحة المينورسو.. العنصر الآخر، والذي يغيب عن الأذهان في أحيان كثيرة، وهو ما يعنيه الهجوم المحموم واللاأخلاقي على النظام الملكي في الحرب في الصحراء. لقد تأكد لدى النخبة الجارة أن العرش هو ضمانة وجود البيعة أي السند القوي في القانون الدولي، بمقتضي الرأي الصادر عن محكمة العدل الدولية في 1975. وهذا الارتباط بين الوحدة الترابية والعرش، يجعل الحكام الشرقيين يعملون على »قلب النظام« من أجل فك البيعة بين الصحراء والمغرب، ولهذا شكل قلب النظام زاوية ثابتة بقوة في الأطروحة الجزائرية، وهي التي تفسر العديد من الإصدارات والتصريحات والأعداد المغرقة في التبشير بسقوط النظام حاليا. كما أنها تفسر اللجوء إلى الخيانة والارتزاق والعمالة، من باب استهداف الملكية في المغرب.. تحت مسمى مهاجمة المخزن.. يتبع