«بلد لا يطيب فيه العيش»، هو تصريح كان كافيا لتتخذ السلطات التونسية قرار اقتحام مقر هيئة المحامين بتونس، يوم السبت الماضي، لاعتقال المحامية والحقوقية التونسية سنية الدهماني بسبب انتقاداتها لخطاب قيس السعيد بمناسبة حديثه العنصري والتمييزي والتحريضي ضد المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، بحيث انتقدت هذه المحامية والناشطة التونسية في برنامج تلفزيوني هذه التصريحات وسياسة قيس السعيد تجاه المهاجرين، الذين يعتبرون تونس أرض عبور نحو أوروبا، ليجدوا أنفسهم عرضة لممارسات سبق أن انتقدتها الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي ومختلف المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية، وتوبعت للآن بتهمة « نشر شائعات والمساس بالأمن العام»، وهي تهمة فضفاضة تعكس الاتجاه الذي اتخذته تونس التي كانت توصف بأنها نقطة ضوء حقوقية في شمال إفريقيا إلى جانب المغرب، حتى أنها كانت تريد استنساخ تجربة العدالة الانتقالية التي شهدها المغرب، خاصة هيئة الإنصاف والمصالحة، لينتهي كل هذا المسار بإنتاج الشعبوية، وإعادة تدوير وإنتاج الدولة البوليسية متأثرة بالتجربة العسكرية الجزائرية التي استلهمتها من أجل تنفيذ سياسة الحكم الفردي المحمي والمستتر تحت السلطة الأمنية والعسكرية. ولا شك أن ما تعرضت له هذه المحامية والناشطة الحقوقية ليس سوى نقطة في عتمة مظلمة أصبحت تعيشها تونس تتميز باعتقال صحفيين وإعلاميين تونسيين وإغلاق قنوات إذاعية بدون وجود قرار قضائي بذلك، واعتقال النشطاء بتهم غريبة، وبانطباق قوانين تحمل في طياتها كل أدوات التضييق يتم استعمالها من أجل التضييق على المجتمع المدني والحقوقي في هذا البلد الذي يشهد وشهد عودة نحو مرحلة ما قبل ثورة الياسمين، وهو في ذلك يبدو أنه يستنسخ بنجاح التجربة الجزائرية التي تعتبر «نموذجا» في إنتاج الاستبداد، وما قانون العقوبات الجزائري الجديد الذي تم تمريره قبل أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسية التي يتجه فيها النظام العسكري إلى التمديد لتبون، إلا أداة من الأدوات التي سيتم استعمالها من أجل خنق الحريات والأصوات المعارضة والحراك الجزائري الذي يُنتظر أن يعود إلى الشارع مع قرب الانتخابات وعودة المطالب بالتغيير السلمي، حتى باتت مجرد الدعوة إلى الاحتجاج في الشارع العام هي دعوة للإرهاب، وقد يجد صاحبها نفسه متابعاً بتهمة الإرهاب في أغرب القوانين التي يشهدها العالم، والتي يبدو أنها تجاوزت كوريا الشمالية في قمع كل الأصوات. يبدو أن المقولة التي رددتها المحامية التونسية «بلد لا يطيب العيش فيه»، هي مقدمة لمرحلة سوداء ستعيشها بعض دول شمال إفريقيا، وما التحالف الثلاثي الذي أراد العسكر إعلانه إلا تجليا لهذه البلدان التي لم يعد يطيب العيش فيها، الجزائر بعسكرها، تونس ببوليسها، وليبيا التي يُنتظر أن تستجيب لدعوة العقل لتعود إلى مسار المصالحة. وفي كل هذا المشهد الذي توجد عليه هذه البلدان، يمكن القول إنها: بلدان لا يطيب العيش فيها!!!