يأتي 8 مارس اليوم ويحمل معه، ككل سنة، آمالا عريضة بتحسين وضع المرأة، حقوقيا واجتماعيا وقانونيا. ولعل امتياز 8 من مارس هذه السنة يتمثل في فتح ورش إصلاح مدونة الأسرة بعد 20 سنة عن آخر مراجعة لها (2004)، والتي شهدت بدورها مقاومات قادتها التيارات الدينية المحافظة، وكذا السياسية المتلبسة برداء الدين. اليوم وبعد دستور 2011 ، خاصة في فصله 19 ، دخلت القضية النسائية بالمغرب منعطفا جديدا قائما على مبدأ المناصفة والمساواة، مبدأ أخد بعين الاعتبار العديد من المرتكزات الأساسية، منها التحولات التي طرأت على البنية السوسيو اقتصادية للمجتمع المغربي، ووجود النساء في جميع المجالات وبالتالي وضع مفهوم «القوامة» التقليدي موضع مساءلة ونقاش، ومعه مجموعة من التمثلات الثقافية حول المرأة والتي تنتج خطابا معاديا ومناقضا للمجتمع الحداثي الذي نصبو إلى ترسيخ قواعده. وهي التمثلات التي حاول الإبداع، خاصة النسائي منه، دحضها والقطع معها والتأسيس لخطاب ثقافي جديد، وهو ما تحقق في المشهد الثقافي الذي يشهد تراكما مهما من حيث كتابات المرأة المغربية، وارتفاع عدد النساء اللواتي يبدعن في مختلف الأشكال الرمزية، وبكل اللغات ليس فقط العربية، وهذا أمر جدير بالانتباه، والدراسة. هذا التراكم يخلق تصورا ثقافيا حول المرأة بوصفها منتجة للتعبير الرمزي، كما أننا نقرأ من هذا التراكم طبيعة المناخ الثقافي من جهة، ورغبة المرأة في الانخراط في الكتابة. وبالرغم مما راكمته المرأة الكاتبة والكتابة النسائية بالمغرب من منجز إبداعي لافت في مختلف أصناف الإبداع (رواية، شعر، قصة، نقد)، فإنه لم يحظ في جزء كبير منه بالمواكبة النقدية للاقتراب من خصوصية هذا المنجز، وتفكيك خطاباته، وتقديم نظرة فاحصة تسعى إلى قراءته بهدف التطوير والتجويد والإقرار بأدبيته. إن الكتابة النسائية الواعية بشروط إنتاجها والمفككة لهذه الشروط، مكنت من إنتاج وعي بالحضور النوعي للمرأة ، سواء من خلال طبيعة الخطاب الذي أنتجته المرأة في زمن لم يكن يسمح بحقوق المرأة، وبدورها في صناعة المفاهيم وبناء المتخيل ، أو من خلال الإصرار على كتابة الإبداع والتسلل إلى الإبداع عبر المقالة والمساهمة في بث التمثلات الجديدة حول المرأة في المقالات والقصة القصيرة والأعمدة ، وهو وعي يجعلنا نقف احتراما لكل امرأة انتصرت للكتابة في زمن صعب، وكسرت تلك الصورة النمطية التي رسمها المجتمع حولها ويحاول من خلالها تقزيم حضورها في المجتمع وتطويقها بقوانين مجحفة تحد من امتداد عطائها. لذا فإنه إن لم نستحضر هذا التاريخ من النضالات والمقاومات، قد لا نستوعب أفقنا. وعندما لا نقف تقديرا لكل الأصوات النسائية المُبادِرة لصناعة المتخيل الرمزي، فلن يستقيم حضورنا وتوجهنا نحو المستقبل. إن ما نعيشه اليوم من تراكم كمي ونوعي لكتابات المرأة المغربية، وما تعرفه هذه الكتابات من تجارب متعددة ، تعود بذرة خصوبته للكتابة النسائية التي قاومت كل أشكال اجتثاثها منذ ما قبل الاستقلال، وهي أشكال تنوعت ما بين المحظور الديني والقيمي والاجتماعي الشيء الذي أفرز مقاومة شرسة ،سواء من السلطة الذكورية أو من التأويل الديني، ما يعني أن المشكل لم يكن في النص وإنما في استقبال النص، خاصة في النص السير الذاتي الذي تكتبه المرأة، عكس نص الرجل وهو ما يفسَر بالتمثل الذهني والاجتماعي والثقافي حول المرأة باعتبارها منظورا إليها، ويكشف في نفس الوقت طبيعة ذاكرة المتلقي لكتابة المرأة وقارئها. وهنا نتحدث،تحديدا، عن الرقابة الاجتماعية والذهنية والثقافية بما هي بميثاق تعاقدي متوارث، يحتاج من المرأة الكاتبة تملك وعي للتحرر من تركيبة هذا الميثاق غير المرئي. إن تفكيك هذا الميثاق اللامرئي، دفع العديد من النقاد إلى الاشتغال على تفكيك آليات هذا الخطاب وخصوصا على مستوى اللغة التي تلجأ إليها الكاتبة لتحرير خطاب تقدمي فتُواجه بحقيقة هيمنة الذكوري عليها أيضا، أي على اللغة. ويقودنا الحديث هنا الى إثارة مسألة الكتابة والجندر، والتي لا يمكن تناولها خارج خطاب الجسد وتوظيفه أثناء عملية الكتابة بما يحرره ويعيد له الاعتبار، الاعتبار الذي لا يتم من زاوية الجندر فقط، رغم أساسيتها وميزاتها، ولكن في إطار رؤية للعالم تشتغل على الجسد وتفجر اللغة في سياق الحديث عنه. باحثات، كاتبات، شاعرات استطعن صناعة متخيلنا الرمزي، واستعدن دفة الحكي ليكتبن تاريخا جديدا، يقفن اليوم في خندق واحد مع نساء حقوقيات، سياسيات، جمعويات… ليقلن: حان وقت التغيير.