في تقديمه لترجمة كتاب «لِمَ يصلح الأدب؟» ل»أنطوان كامبنيون»، يشير المترجم حسن الطالب، إلى الأسئلة التي يطرحها الكتاب. وهو في الأصل محاضرة «كامبنيون» في الكوليج دو فرانس2006.من أهمها ما دور الأدب في التاريخ؟ وما المناهج والأدوات التي يمكن اعتمادها في مقاربته؟ وما دوره في مقتبل الألفية الثالثة؟ الخ. في سياق ساد الفكر المعاصر في عدد من ميادين العلوم الإنسانية، بدءا من فكرة «موت الإنسان» و»موت المؤلف» ثم مع «نهاية الإنسان» و»نهاية التاريخ» و»نهاية الأخلاق» و»نهاية الأدب» و»نهاية الكتاب»؛ – ما الذي يجعل كاتبا، شاعرا كان أو ناثرا، يتخلى عن أسلوب ما أو نمطا في الكتابة، ويتحول إلى شكل آخر؟ ما هي الشروط المعرفية والنظرية والجمالية لهذا التخلي أو هذا التحول في الممارسة الكتابية، رديف تحول في الرؤيا وفي الشكل؟ أليس الشكل محتوى أيضا؟ أم لتأثر بكاتب آخر، مثل ما وقع ل»بول كلوديل»، الذي تخلى عن الرمزية بعد اكتشافه لكل من «رامبو» و»لوتريامون»، و»مالارميه»؛ – في هذا المنحى قدم لنا كيليطو وجهة نظره في قراءة الأدب وفي كتابته، استنادا إلى مقروئه العميق في المتن الأدبي العربي القديم، ليؤسس لرؤية نقدية وفلسفية لمفهوم الكتابة، بِنظر العالِم ورؤية الشاعر المُجدد. حيث يقترن التخلي عن الأدب، بالانتقال من شكل إلى آخر. وهو ما يعني في مجمله خلق ممارسة جديدة، تتأسس على القديم، وتمارس نفيا إيجابيا له. تتمثل فيما يلي: -التخلي عن تقاليد الشعر القديمة: أي الابتعاد عن الأغراض التقليدية، عما يسميه المَين، عن ما مارسه وما وصفه السابقون. وهو ما جاء في رؤية أبي العلاء المعري للشعر، أي رفض البعد «الدون كيخوطي» للشعراء، والتشديد على ممارسة كتابة جديدة، دون التخلي عما يمكن نعته بثقافة الشعر. وبالحرص على الانفصال عن الأغراض التي دأب الشعراء الأخذ بها، مثل التخلي عن الكذب وتوخي الصدق..(ص69 )؛ -التخلي عن الأدب كمصدر للإغواء والإثارة: مثل ما وقع لأبي زيد السروجي، كما يتجلى في المقامات، إذ أنه تخلى عن الأدب، الأدب الذي صور في المقامات كمصدر للإغواء والإثارة. إذ اكتفى أبو زيد السروجي: بلزوم بيته ما يعني ان التخلي عن الأدب ابتعاد عن الحياة الاجتماعية عن لقاء الناس عن الحديث إليهم، واللجوء الى الوحدة والابتعاد عن العالم والعلاقات الإنسانية. وتنتهي المقامات بالتخلي عن الأدب باعتباره باطل الأباطيل وظاهريا بالاشمئزاز منه لكن التخلي عن الأدب داخلٌ في مجال الأدب يندس فيه، ويشكل أحد مواضيعه ضمنيا أو صراحة كما قال كيليطو(ص80 )؛ -النفي الإيجابي أو نشيد البجعة: ما أكثر الذين حاولوا دون جدوى أن يخلفوا الحريري فباؤوا بالفشل حسب كيليطو، ورغم إقرار الزمخشري أن لا أحد بإمكانه تجاوز الحريري، يشير كيليطو أن الزمخشري ألف خمسين مقامة، موضوعها الانقطاع عن الأدب، أو التوقف التام عنه. لكن الزمخشري سيعلن عدم الخوض فيه لكنه لم ينقطع عن الكتابة، بل جعل من نبذ الأدب موضوعا له، كل قوله وداع للأدب، وبابتعاده عن الأدب ظل في إطاره(ص82 )؛ توقف الأدب العربي بعد الحريري، بمعنى أنه بتألقه جنى عليه، ووصل إلى أقصى مداه. صار الحريري حاجزا أمام كل محاولة لإنشاء أدب جديد. كتابه آخر الكُتب. ومجاراة لصورة تقليدية، فإنه نشيد البجعة، مع أن هذا الطائر يُلقي نشيده الأمثل حين يكون على وشك الموت. صار كتاب الحريري، الكتاب الأدبي الوحيد الذي لا بد أن يقرأ ويستظهر (ص82 )؛ ماذا بعد الحريري؟ يتساءل كيليطو، أي كتاب آخر لا يُعوضه. حي بن يقظان لابن طفيل، رحلة ابن بطوطة، ثم ماذا؟ الفتوحات المكية لابن عربي؟ مؤرخو الأدب لا يكادون يتطرقون الى ما بعد الحريري. لم ينتبه الأدب بطبيعة الحال، لكن الدينامية التي كانت في القرون السابقة والمرفقة بموجة الترجمة خفتتْ، وانطفأتْ الحيوية والطاقة الإبداعية؟! والكثير من الذين قلدوا الحريري لا أحد التف إليهم، وآخرهم ناصيف اليازجي، لكنه لم يقدم شيئا ذا بال، إلى أن صدر كتاب الساق على الساق للشدياق الذي حقق بحسب كيليطو، الانفصال النهائي عن الحريري، لإنتاج أدب جديد. وكان من اللازم التخلي عن أديب البصرة(ص83).