سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التقرير السياسي للكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر : دورة المجلس الوطني ليوم السبت 27 يناير 2024 .. نخشى على وطننا من التغول وتوظيف المؤسسات لضرب التوازن المؤسساتي وتكريس منطق الحزب الوحيد
– نؤكد أهمية العمل مع اليسار المؤمن بالدفاع عن الديمقراطية والحقوق والحريات، وتحديث المجتمع -ورش الماء ورش كبير يتعلق بالحق في الحياة واستمرار توفير المورد المائي يعد أساس الاستقرار والأمن المجتمعي
الأخ رئيس المجلس الوطني، الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني، نعقد الدورة الحالية لمجلسنا الوطني في ظل سياق تميزه التطورات والتحولات المتلاحقة التي تطبع المشهد السياسي العام وطنيا وعالميا. لقد تفاعلت بلادنا بقيادة جلالة الملك مع هذه التطورات بكثير من التبصر والحكمة، ممّا مكّنها من تعزيز المكتسبات وتنويع الشراكات وترصيد الدعم الدولي لصالح قضية وحدتنا الترابية. ولذلك، لا يسعنا إلاّ أن نثمّن عاليا النجاحات الديبلوماسية التي حقّقتها بلادنا لصالح تحصين وحدتنا الترابية، من خلال انحصار الأطروحة الوهمية للخصوم، واستمرار توسيع دائرة التعبئة الدولية المؤيدة لجدية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به بلادنا. كما أنّه لا بد من الإشادة بالتطورات التنموية والاستثمارية التي تشهدها مناطقنا الجنوبية. ولا يسعنا، في هذا الصدد، إلاّ أن نجدد تحيتنا العالية للحكمة الملكية والأسلوب العقلاني في تدبير مختلف المستجدات ذات الصلة بالقضية الوطنية الأولى، وفي مواجهة استفزازات الخصوم. ونخص بالذكر، حادثة الشباب المغاربة بالقرب من منطقة السعيدية وحادثة السمارة الإرهابية التي لم تكن معزولة بالنظر إلى المعطيات الواردة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي تحدث عن حالات تجاوزت 500 حالة، مما يجعل الأممالمتحدة شاهدة على السلوك الاستفزازي والعدواني المتمادي للخصوم. وقد كنّا دائماً في مختلف الأحداث المؤسفة مرتاحين لمنطق الحكمة والتعقل الذي تنتصر له الدولة المغربية في مواجهة المحاولات اليائسة لخلق جوّ التوتر بالمنطقة وصرف بلادنا عن المُضيِّ في طريق التنمية الشاملة والريَّادة الإقليمية. هي المواقف نفسها التي جدّدنا التأكيد عليها في المهرجان الخطابي الحاشد الذي نظَّمه حزبنا بمدينة العيون يوم السبت 4 فبراير 2023 تحت شعار: «القضية الوطنية ورهان التنمية»، والذي توّجناهُ بإصدار «نداء العيون» الذي ترجم الوفاء الدائم للاتحاد الاشتراكي، باعتباره تاريخيا ووظيفيًّا استمرارا لحركة التحرير الوطني الشعبية، لإجماع المغاربة حول تحصين الوحدة الترابية والانخراط في عملية الإقلاع التنموي التي أطلقتها بلادنا. إنه الإجماع الوطني الذي جُبِل عليه المغاربةُ على مرّ السنين، خاصّة في اللحظات الصعبة، والذي ترجمهُ التضامنُ المنقطعُ النظير بين كلِّ عناصر الأمة المغربية في تدبيرها الجماعي لتداعيات فاجعة زلزال الحوز. وقد قدمت بلادنا على إثر هذا الحدث الأليم صورةً أخرى من صور التلاحم بين العرش والشعب في مواجهة الصّعاب ورفع التحدّيات، بفضل التدبير الاستعجالي الحكيم لجلالة الملك والسلوك التضامني التلقائي لجميع المغاربة. وقد لاحظنا، في الميدان، المستوى الراقي للتعبئة الجماعية والشاملة للسلطات العسكرية والمدنية ومختلف فئات الشعب المغربي، مما جعل تلك اللحظة، رغم قساوتها، تجسيدا ملموسا للمفهوم الذي نريده للدولة الاجتماعية: «الدولة القوية العادلة والمجتمع الحداثي المتضامن». وهو ما وقف عليه الوفد الاتحادي (الفريقان الاشتراكيان بالبرلمان والمسؤولون الحزبيون بالجهة) في زيارته الميدانية التفقدية للمناطق المتضررة، ومعاينته لحجم المجهود المبذول على مستوى تقديم المساعدة للأسر المتضررة، أو على مستوى مباشرة تفعيل برنامج إعادة البناء والتأهيل العام لهذه المناطق. ولنا اليقين أن مختلف التحديات التي رفعتها بلادنا نابعة عبر التاريخ من قناعة راسخة تتمثل في أن الديمقراطية والتنمية خياران متلازمان لا محيد عنهما، وبالتالي فلا تنمية بدون ديمقراطية، وأن الإقلاع التنموي الشامل قرار لا رجعة فيه في ظل الاختيارات الدستورية الكبرى المتعلقة بتطوير البناء الديمقراطي على الأساس البرلماني والاجتماعي. ضمن هذا التوجه الاستراتيجي لبلادنا، جاءت المبادرة القوية التي أعلن عنها جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء من أجل تنمية الواجهة الإفريقية الأطلسية، والتي أعربنا حينها عن ارتياحنا الكبير لها إلى إحداث إطار مؤسسي للدول المعنية، بدءا من الجارة موريتانيا، وإطلاق مبادرة دولية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي. وسجلنا باعتزاز الموقف الملكي الذي يضع البنيات التحتية لبلادنا رهن إشارة الدول المعنية، وحرص جلالته على تأهيل المجال الساحلي الأطلسي، وإقامة اقتصاد بحري متكامل من خلال تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في البحر والاستثمار في الصيد البحري وتحلية مياه البحر لتشجيع الأنشطة الفلاحية ودعم الطاقات المتجددة. كما سجّلنا ارتياحنَا لدعوته إلى التفكير في تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي، خاصة أننا في المعارضة الاتحادية، لحظات قبل ذلك، لم نستسغ تفاعل الحكومة مع عملنا الرقابي إذ أنها كانت بعيدة كل البعد عن الاستجابة لتدخلاتنا بخصوص الحاجة الماسّة إلى أسطول بحري تجاري يشكل جسرا بحريا دائما للمغرب في علاقاته الدولية المتنوعة والمتجددة. فعملنا الرقابي تحكمه أولا وأخير المصلحة العليا للوطن، خاصة وأن الاتحاد الاشتراكي شاهد وشريك في الدعوة إلى تأهيل واجهاتنا البحرية، من خلال مشاركته في حكومة التناوب التي تولت تشييد البنيات والتجهيزات الطرقية والاستراتيجية في شمال المغرب، والعمل على تأهيل الفضاء الأورومتوسطي. وأمام حجم التحديات ومستوى التطلعات التي تنتظر بلادنا، نستحضر أهمية الدعوة الملكية إلى الجدية كمنظومة متكاملة من القيم الكفيلة باستكمال الإصلاحات الكبرى، وعلى رأسها الإصلاح المجتمعي المرتبط بمراجعة وتعديل مدونة الأسرة. في هذا الصدد، عبرنا في الاتحاد الاشتراكي منذ البداية عن تثْميننا للمقاربة التشاركية الموسعة التي دعا إليها جلالة الملك بخصوص مراجعة مدونة الأسرة ووضع مقترحات تعديلات بشأنها لتفضي، بعد رفعها إلى النظر السامي لجلالته، إلى بلورة مشروع قانون متكامل يُعرض للمصادقة على البرلمان. وفي اللّقاء الذي جمعنا مع اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة وتعديل مدونة الأسرة، استعرضنا تصوّرنا السياسي الذي لطالما ترافعنا عنه لسنوات طوال من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة، وإنصاف الأسرة والمرأة والطفل على حد سواء. وأكدنا على أن حزبنا، الذي ظل في طليعة المدافعين على حقوق النساء، والذي اعتبر على الدوام قضية المرأة قضية مركزية، يقف إلى جانب كل القوى الحية المنخرطة في الدينامية الوطنية التي تهدف إلى تعزيز المكتسبات والتراكمات التي حققتها بلادنا للنهوض بحقوق المرأة بفضل التوجيهات الملكية ونضالات الأحزاب الوطنية والحركات النسائية التقدمية، وعلى رأسها المنظمة النسائية الاتحادية. كما أكدنا على ضرورة اعتماد منطق البناء المتراكم الذي يضع حدّا للقطائع غير المنتجة وهدر الزمن الإصلاحي، والتقدم بكل جرأة وشجاعة وثبات على مسار تعزيز حضور المرأة في مختلف المواقع. بالإضافة إلى هذا الورش الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك والذي أشرنا إليه آنفًا، لا بد من الإشارة كذلك إلى ورش كبير يتعلق بالحق في الحياة، وهو ورش الماء الذي خصص له جلالة الملك مؤخرا جلسة عمل لتتبع مدى التقدم في هذه المسألة الاستراتيجية في ظل العجز الملحوظ للتساقطات المطرية والإجهاد الذي تعرفه الموارد المائية. ولا يسعنا إلا أن نعبر عن ارتياحنا للتوجيهات الملكية ذات البعد الاستباقي في ما يتعلق بتوفير الماء الشروب لكافة المغاربة، واعتماد الربط بين الأحواض المائية، وإنشاء محطات تحلية المياه، وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة. لكن في نفس الوقت، سنواجه الحكومة، من موقعنا في المعارضة، على كل تلكُّؤ في تنفيذ التوجيهات الملكية السامية والإسراع في إنجاز العمليات المبرمجة في إطار السياسة العامة المائية. وسنكون حريصين على ممارسة كافة أدوارنا الرقابية المتاحة للدفاع عن حق المواطن في الماء لأن الأمر يتعلق بمرفق عمومي حيوي، وهو استمرار توفير المورد المائي الذي يعد أساس الاستقرار والأمن المجتمعي. وفي نفس الاتجاه، نستحضر التوجيهات الملكية في ما يتعلق بالورش الاستراتيجي للطاقة، وطموح بلادنا لرفع حصة الطاقات المتجددة إلى أزيد من 52 بالمائة من المزيج الكهربائي الوطني في أفق 2030، من أجل تعزيز السيادة الطاقية، وتقليص كلفة الطاقة، والتموقع في الاقتصاد الخالي من الكربون في العقود القادمة. وإذ نثمن هذه التوجيهات الاستراتيجية، فإننا نسجل قلقنا إزاء إمساك الحكومة عن القيام بأي إجراء يمكن من انعكاس انخفاض أسعار الطاقة على حياة المغاربة وقدرتهم الشرائية في ما يتعلق باستهلاك هذه المادة الحيوية. الأخوات والإخوة، وتأكيدا لما سبق أن عبرنا عنه في بداية كلمتنا هذه حول الإشعاع الذي تحظى به بلادنا والأدوار التي أصبحت تلعبها تحت قيادة جلالة الملك، فإننا نسجل باعتزاز كبير نيل بلادنا شرف احتضان الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، والذي وفرت لها كل شروط النجاح بشهادة البلدان المشاركة ومسؤولي المؤسسات الدولية المعنية. وحظيت بلادنا أيضا بشرف احتضان كأس إفريقيا لكرة القدم لسنة 2025، وحملت البشرى التي زفها جلالة الملك إلى الشعب المغربي خبر تنظيم كأس العالم لسنة 2030 بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال. كما تمكنت بلادنا، بالمصداقية التي راكمتها دوليا، من الفوز برئاسة مجلس حقوق الإنسان بفضل انضمام عدد كبير من الدول من كافة مناطق العالم، رغم التعبئة المضادة للجزائر وجنوب أفريقيا، وهي إشارة قوية من المجتمع الدولي للإشادة باختيارات المملكة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، وترسيخ قيم التعايش والتسامح والانفتاح على الثقافات والحضارات المختلفة. إن هذا التموقع الدولي الجيد هو ما جعل بلادنا لا تكتفي فقط بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، بل تبادر إلى الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية لبحث تدهور الأوضاع في قطاع غزة وبحث سبل إيقاف التصعيد، وتدعم الحقوق المشروعة للدولة والشعب الفلسطينيين، وقد سجلنا باعتزاز كبير مجهودات بلادنا تحت قيادة جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، لدعم مساعدة الشعب الفلسطيني، ومبادراته الحكيمة في قمة السلام بالقاهرة والقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بالرياض من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتوفير الأجواء المناسبة لاستئناف الحوار والتفاوض السلمي. وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبكل المحاولات العمياء لتقويض الحل السلمي وتعطيل تفعيل القرارات الأممية ذات الصلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، عبرنا في الاتحاد الاشتراكي، بمناسبة مشاركتنا في لقاء إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي نظمته سفارة دولة فلسطين بشراكة مع الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني يوم 29 نونبر 2023، عن مواقفها الثابتة الداعمة للحقوق التاريخية والمشروعة للشعب الفلسطيني طبقا للقرارات الأممية التي لم تجد بعد طريقها إلى التنفيذ أمام الصمت المريع للمنتظم الدولي. الأخوات والإخوة، إن الوضع السياسي الوطني الذي طبعه التغول في بداية تشكل الحكومة، ويطبعه الغموض والهشاشة في تدبير الملفات الكبرى، كما تسمه الإرادة المضمرة حينا والمعلنة أحيانا كثيرة في إضعاف العمل المؤسساتي، وتفاقم الوضع الاجتماعي، بات يشي باستهداف المسار الديموقراطي، مدعوما بالكثير من الكيانات الانتهازية المتغولة مما يفرض بلورة الجواب الجدير بأن يعيد التوازن إلى العمل المؤسساتي بين البرلمان وبين الحكومة ومؤسسات الحكامة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى، وهو وضع نستشعر في الاتحاد أنه ملازم عادة لثقافة التردد والارتعاش، قد يزيد من تقويض المؤسسات الدستورية وفي تعميق الفجوة وعدم الثقة بينها وبين المواطن، ويعطل الأداء المؤسساتي الدستوري والعمل بأدوات المراقبة من قبيل ملتمس الرقابة ولجن تقصي الحقائق، كآليات اشتغال لدى البرلمان والمعارضة خصوصا. لقد سعت المكونات المشكلة للتحالف الحكومي على المستوى المركزي، وفي الجهات والأقاليم والعمالات والجماعات إلى تكريس منطق الهيمنة والتحكم، رغم انعدام التجانس بين هذه المكونات وتعارض مصالحها في العديد من الأحيان. وقد أدى هذا الوضع المختل، على المستوى الجهوي والمحلي، إلى بروز تناقضات وصراعات عرقلت السير العادي في المؤسسات المنتخبة، مما أدى في الكثير من الأحيان إلى تعطيل العملية التنموية وعرقلة الأداء العمومي لخدمة مصالح المواطنات والمواطنين. وأصبحنا نلاحظ إثقال كاهل الإدارة الترابية من خلال توليها تدبير تناقضات الأغلبية في الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، بدل التفرغ لاختصاصاتها ومهامها المنصوص عليها قانونا. إن شدة التغول الذي وصلت إليه الحكومة جعلها تتغول حتى على مؤسسات الدولة، فعندما يتعلق الأمر بمستشار جماعي لا مسؤولية له تتوجه للقضاء الاستعجالي من أجل عزله كما حدث في فاس، وعندما يتعلق الأمر بملفات كبرى ومؤسسات كبرى كرئاسة جهة أو رئاسة مجلس عمالة أو جماعة في مركز أو قطب اقتصادي كبير، لا تحرك ساكنا. لقد سجلنا أنه ولأول مرة توجهت الحكومة للقضاء الاستعجالي من أجل عزل مستشار جماعي من مهامه، في حين أنه في نفس المدينة هنالك من يتحمل مسؤولية رئاسة جماعة ومتابع في الملف نفسه، ولم يتخذ في حقه نفس الإجراء. الأكثر من ذلك يتم التحايل على القانون، لنكون أمام حالتين: البرلماني الذي ينتمي للمعارضة يتم عزله وإعلان المقعد شاغرا لإعادة الانتخابات، والبرلماني الثاني رغم أنه في السجن، يتقرر أنه فقط غاب مدة تزيد عن السنة في البرلمان، مما يتعين معه اعتبار مقعده شاغرا، وبالتالي تعويضه بوصيف لائحته. وكل ذلك من أجل الحفاظ على نفس القوة العددية لأحزاب الأغلبية وإضعاف المعارضة. لذلك، نخشى على وطننا من هذا التغول خوفا من توظيف المؤسسات لضرب التوازن المؤسساتي وتكريس منطق الحزب الوحيد بنظام شمولي يتضمن ثلاثة أحزاب ضدا على المقتضيات الدستورية والديمقراطية والتي أسس لها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني منذ الدستور الأول للبلاد، والتي ناضل من أجلها المغاربة، وعلى رأسهم مناضلاتنا ومناضلينا. إن الاختلال المؤسساتي انعكس بصورة واضحة في البطء والتعثر الذي عرفه الأداء الحكومي في تفعيل الأوراش الكبرى التي دعا إليها جلالة الملك، سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي. ورغم انخراطنا كمعارضة مسؤولة وبناءة في هذه الأوراش، وتيسير عملها في اعتماد التشريعات المؤطرة لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للاستثمار أو تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة جميع المغاربة، فإن الحكومة، بتجاذباتها السياسية بين مكوناتها الداخلية وبحثها عن الخلاص الفردي، وبافتقادها للكفاءة السياسية والتشريعية والأخلاقية، لم تستطع التخلص من الهيمنة التقنية، والرفع من إيقاع أدائها لمسايرة الثورة الاجتماعية الهادئة التي أطلقها جلالة الملك. إنها الاختلالات التي فرضت علينا بلورة الجواب الجدير بأن يعيد التوازن إلى العمل المؤسساتي بين البرلمان وبين الحكومة، وبينهما وبين مؤسسات الحكامة من جهة، وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى. وهو ما جعلنا، في نهاية التحليل، نقتنع بضرورة بناء جبهة للمعارضة من أجل حماية التوازن المؤسساتي، وصيانة الخيار الديموقراطي. وإيمانا منا بعمق القضايا والقيم المشتركة بين مكوناته، نؤكد أهمية العمل مع اليسار المؤمن بالدفاع عن الديمقراطية والحقوق والحريات، وتحديث المجتمع، بالعقلانية اللازمة وبعيدا عن العدمية التي لا جدوى منها. فاليسار المؤمن بالمصلحة العامة وخدمة الوطن والمتشبع بمبادئ العدالة الاجتماعية وإنصاف الطبقات الفقيرة والمتوسطة، يظل قوة جذب حقيقية نحو التغيير البناء القائم على التراكمات السياسية والمؤسساتية والمجتمعية، وليس على المزايدة والركوب على الأوضاع المتأزمة. فهذا اليسار هو من سيظل يناضل من أجل تطوير البناء الديمقراطي وتأهيل المؤسسات المنتخبة بما يمكن من إفراز نخب تمثيلية كفؤة ونزيهة. ولذلك، كانت الانطلاقة بمبادرة التنسيق الذي تمت بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، حيث قمنا بإعلان وتوقيع وثيقة التصريح السياسي المشترك بيننا، كخطوة في اتجاه تقوية العمل الهادف والبناء مع كل الفرقاء السياسيين والنقابيين والمدنيين المتطلعين إلى إعطاء نفس أقوى لمسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحتاجها بلادنا. وسنعمل معا من أجل جبهة منفتحة على كل القوى الحية في البناء السياسي الوطني، من قوى اليسار والديموقراطيين وكل من له مصلحة في تعزيز البناء الديموقراطي وتقوية الجبهة الداخلية التي تفرضها التحديات السياسية والتنموية التي تواجهها البلاد، داخليا وخارجيا. الأخوات والإخوة، إن التراكمات الإيجابية التي حققتها بلادنا على كافة المستويات تتطلب تقوية الجبهة الداخلية التي لا يمكن أن تكون إلا بتطوير الممارسة الديمقراطية وتأهيل الحياة السياسية وتخليقها. وهو ما يستدعي توفير الشروط المناسبة لتعزيز الثقة في العمل السياسي، وإعادة الاعتبار للفاعل السياسي، وتوسيع مساحات المشاركة السياسية، خاصة بالنسبة للشباب والنساء. وهو ما يستلزم الإقدام على مبادرات جريئة لمحاربة الفساد وكل تمظهراته في الحياة السياسية والاقتصادية وداخل مختلف القطاعات، مع التقيد بالتوجيهات الملكية السامية في هذا المجال من أجل تحصين الخيارات الكبرى للمملكة المغربية في ما يتعلق بترسيخ دولة الحق والقانون وتفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة. ولنا اليقين أن الارتقاء بالمشهد السياسي الوطني وتخليق الحياة العامة رهين بالجدية التي دعا إليها جلالة الملك في خطاب العرش الأخير، كمذهب في الحياة والعمل العمومي من أجل خدمة المواطن، ودعم القدرات الاجتماعية والاستثمارية للمجتمع، ورعاية المصالح العليا للوطن، وكمنهج متكامل يقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والاستحقاق وتكافؤ الفرص. غير أنه على الرغم من المبادرات والتوجيهات الملكية الحكيمة في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية، سواء في ما يتعلق بالحماية الاجتماعية والدعم الفلاحي والدعم الاجتماعي المباشر ودعم السكن ومعالجة ندرة المياه ومحاربة الفساد، نلاحظ افتقار الحكومة للجدية المطلوبة في مواكبة وتفعيل الأوراش الكبرى وتعثرا واضحا في تدبير الملفات المطروحة وإيجاد الحلول المناسبة لها. فالحكومة عجزت، خلال ما يقارب نصف ولايتها، من مواجهة تداعيات التضخم والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، مما أدى إلى تضرر فئات اجتماعية عريضة من موجة الغلاء غير المسبوق والتي مست المواد الغذائية والطاقية، وما زلنا لا نرى على أرض الواقع أي إجراءات حكومية ملموسة في هذا الشأن رغم اقتراب شهر رمضان الأبرك. ومرة أخرى، ننبه الحكومة إلى الارتدادات الخطيرة المحتملة للأوضاع الاجتماعية الحالية، على القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وما قد ينجم عن ذلك من احتقان اجتماعي تدعو مقدماته إلى ضرورة التحرك الحكومي العاجل والجدي والمسؤول لوقف تداعياته. كما عجزت الحكومة عن معالجة احتجاجات هيئة التدريس، إذ كان تدبيرها لملف التعليم ارتجاليا، سواء من حيث عدم قدرتها على احتواء الأزمة في بدايتها تجنبا لهدر الزمن التربوي، أو من حيث طريقتها المتذبذبة في تدبير الحوار مع النقابات. ولذلك، تحفظنا على منهجية تدبير الأزمة وما تسببت فيه من أخطاء كادت تؤدي بنا إلى سنة بيضاء أو على الأقل إلى منتوج تربوي ضعيف يخل بمصلحة التلميذات والتلاميذ. وقد استغربنا منذ بداية الأزمة كيف عجزت الحكومة على الالتقاط المبكر للحلول التي تقدمنا بها كمعارضة اتحادية بناءة ومسؤولة، والتي تجد نفسها مضطرة للأخذ بها في نهاية المطاف وبعد ضياع الوقت. وإذ نثمن في هذا الصدد منهجية الحوار الاجتماعي مع قطاع التعليم العالي والمخرجات التي أدت إليه، فإننا ندعو الحكومة إلى تعميمها على باقي القطاعات العمومية والقطاع الخاص من أجل تحسين دخل مختلف فئات الموظفين والأجراء في ظل الوضعية الاجتماعية المتأثرة بتداعيات التضخم وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات. فلم يعد مقبولا أن نرى حجم الأوراش الاجتماعية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك في مختلف المجالات، ولا نرى أي أثر لذلك على حياة الشعب المغربي بسبب سوء التدبير الحكومي الذي أدى، عكس ما كنا ننتظره، إلى خلق أجواء التوتر والاحتقان والمساهمة في تأجيجه. ونود أن نؤكد على أن الدولة الاجتماعية ليست شعارا مجزأ، بل هي كيان موحد متكامل وتلتقي حوله كل السياسات الاجتماعية والحكامة العمومية والتفاوض الاجتماعي، مما يفرض على الحكومة تأهيل أدائها للتقدم على هذه المستويات دون تخبط أو ارتجالية كما وقع مع المدرسة العمومية. ونعتبر أن التفاوض المؤسساتي الناجع هو الكفيل بتحرير المدرسة الوطنية من كل إكراهات أو اشتراطات التعامل المالي الضيق مع الملف، وهو الكفيل بالحوار المسؤول الذي يستحضر المصلحة العليا للتلميذ، بوصفه الهدف الرئيسي من العملية التربوية. وللأسف، ظلت الحكومة ذات التوجهات الليبرالية حبيسة منطقها المدافع عن التوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية، وهو ما تأكد مع ثالث قانون للمالية لم يستطع تفعيل التوجيهات الملكية السامية، ولا تقديم الأجوبة عن انتظارات المغاربة. إننا لم نجد أثرا في القانون المالي لإجراءات تمكن من تنفيذ التوجيهات الملكية السامية في ما يتعلق بإحداث منظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية: المائية والغذائية والصحية والطاقية، ولا في ما يرتبط تفعيل الإصلاح الجبائي الشامل، وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، ولا في ما يتصل بالإصلاح العميق للمندوبية السامية للتخطيط لجعلها آلية للمساعدة على التنسيق الاستراتيجي لسياسات التنمية، ومواكبة تنفيذ النموذج التنموي. ثم إن الحكومة لم تستطع إلى اليوم تحقيق نسب نمو تمكن من استيعاب الوافدين سنويا على سوق الشغل، بعد فقدان الآلاف إن لم نقل عشرات الآلاف من مناصب الشغل، خاصة بالوسط القروي. إنها معطيات تتناقض كليا مع الأرقام الوردية التي لوحت بها مكونات الأغلبية الحكومية إبان الحملة الانتخابية، وكنا وقتها ننبه من مغبة رفع الشعارات والوعود الحالمة التي تتأكد تداعياته السلبية اليوم على أرض الواقع. أضف إلى ذلك أن الحكومة تنكرت في قانون المالية لالتزاماتها في البرنامج الحكومي: الرفع من الحد الأدنى للأجرة الصافية الشهرية للمدرس إلى 7.500 درهم، الشروع في صرف «مدخول الكرامة» لفائدة المسنين (فوق 65 سنة) في الربع الأخير من 2022، صرف الدعم المخصص للأشخاص في وضعية إعاقة ابتداء من 2022 بمنح ميزانية سنوية قدرها 500 مليون درهم للجمعيات العاملة في المجال. لا أثر أيضا للالتزامات الحكومية: المراقبة الطبية الإجبارية المجانية لجميع النساء الحوامل، طبيب الأسرة، البطاقة الطبية الذكية، دور الحضانة، الجواز التعليمي الرقمي، شهادة المدرس الرقمي، فضاءات تشغيل الشباب، شبابيك «دار الأسرة»، تأهيل وتطوير 200 مركز قروي، وغيرها. لكل هذه، الاعتبارات، ترافع الفريقان الاشتراكيان بالبرلمان ضد الاختيارات الحكومية الليبرالية، وتقدما بأكبر التعديلات البرلمانية وأجودها بهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، ودعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتعزيز الحكامة العمومية في المنظومة الجبائية وتبسيط المساطر وصيانة حقوق المرتفقين، والحفاظ على الصحة العمومية وحماية المستهلك، ودعم الشغل، وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاول الذاتي، ودعم المجتمع المدني وتعزيز التنمية الثقافية والرياضية. ومع كامل الأسف، لم تتفاعل الحكومة إيجابا مع تعديلات المعارضة الاتحادية، كما هو سلوكها المتجاهل لمقترحات القوانين والمبادرات الرقابية التي نتقدم بها، وذلك في خرق سافر للمقتضيات الدستورية. ولذلك، صوتنا ضد مشروع خجول يكرس استمرار السياسات الليبرالية ولا يوازي الطموح التنموي لبلادنا، وضد مشروع خارج الزمن السياسي ومفتقد للجرأة والإبداع والنفس الإصلاحي القوي التي تتطلبه المرحلة. الأخوات والإخوة، إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والاختلالات السياسية للتغول الأغلبي والذي يتحين كل الفرص ليلجأ إلى كل الأساليب، بما فيها التحايل على القانون من أجل المس بالتوازن المؤسساتي الضامن لتطور المسلسل الديمقراطي. وأمام ضعف مبادرات المعارضة المؤسساتية في مجلسي البرلمان، خاصة مجلس المستشارين حيث النقابات والفاعلون الاجتماعيون التي اختفت أية مبادرات تنسيقية بين أطرافها، ونفس الشيء بالنسبة لأطراف المعارضة في مجلس النواب والذي أضعفت تصريحات أحد أطرافها ومواقفه من التنسيق بين أطرافها مما أدى إلى تعطيل عملها خلال هذه السنة تفاديا لكل رد فعل سلبي لدى متتبعي الحياة السياسية والذين لا يمكنهم نسيان الاتهامات التي كالها حزب معين لكافة مكوناتها. وبالتالي، فقد حرصنا على تعويض هذا التنسيق المباشر بتنسيق حول المبادرات التي يقع بشأنها التوافق. ومن هذا المنطلق، وفي إطار المبادرات التي نقترح العمل عليها مستقبلا هي المتعلقة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب المغربي، خاصة الفئات المسحوقة والمتوسطة والتي تضررت كثيرا من سياسة هذه الحكومة، هذا إلى جانب المبادرات السياسية التي نقترح أن يتم الاشتغال عليها والتي تهم الإصلاح المؤسساتي والسياسي. ففي ما يتعلق بالدعم المباشر، ورغم الدعوة الملكية السامية إلى الحكومة بضرورة تفعيله بشكل منصف وشفاف ومتضامن، وفق تصور شامل وفي إطار مبادئ القانون، فإن الحكومة الحالية فشلت في تنزيله منذ البداية، حيث لا وقع له في الحياة المعيشية للأسر المغربية، وخصوصا وأن هذا الدعم المباشر بدأ يتبخر بفعل اشتعال لهيب الأسعار، الذي يحرق ويدمر القدرة الشرائية للأسر المغربية. وإذا كان هذا الفشل الحكومي يشكل المخاطر الفورية في تنزيلها السيء للدعم المباشر، فإن له مخاطر كبرى على المديين القريب والمتوسط، حيث سيقوض كل التوجهات السياسية والدستورية التي اختارتها بلادنا على مستوى حماية الديمقراطية وصيانة التعددية السياسية؛ إذ أبانت الأغلبية الحالية عن استغلالها لكل آليات تدبير الشأن العام من أجل تكريس وفرض سياسة التغول، خاصة وأن هناك معالم على استغلال الدعم المباشر للتحضير للاستحقاقات المقبلة، بل واستعماله كوسيلة للتأثير منذ اليوم في نزاهة هذه الأخيرة؛ وهو الأمر الذي تؤكده عدة قرائن منها أن الحزب الذي يقود الحكومة الحالية كان يعترض كل الاعتراض على تدبير هذا الدعم الاجتماعي من طرف الحكومة السابقة، فأصبح ما كان عندها ممنوعا في الماضي، مباحا عندما تولت هذه الأغلبية تدبير الشأن العام. ويزيد الاقتناع بمخاطر التدبير الحكومي للدعم المباشر على التعددية والديمقراطية ببلادنا، مع استحضار التغول الذي مارسته هذه الأغلبية عند إعدادها للقوانين المنظمة للدعم الاجتماعي، خاصة القانون رقم 59.23 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي؛ إذ أحدثت هذه الوكالة، كمؤسسة عمومية، في إطار الفصل 71 من دستور المملكة المغربية الذي يعطي صلاحية إحداث المؤسسات العمومية للسلطة التشريعية، سواء من جانب مهامها أو من جانب تأليفها. لكن، عند رجوعنا إلى المادتين 15 و17 من هذا القانون، يتضح لنا جميعا حجم التغول الذي تمارسه الأغلبية الحالية، ليس فقط على المعارضة، وإنما أيضا على البرلمان كسلطة تشريعية، حيث سيحد دور هذه السلطة في ممارسة وظائفها على مستوى تأليف أجهزة هذه الوكالة خاصة فيما يتعلق بممثلي الإدارة ورئاسة مجلسها الإداري، إذ قامت بتهريب هذه الصلاحية لفائدتها؛ وهو الأمر الذي يتجلى من خلال المرسوم 2.23.1069 المتعلق بتطبيق القانون رقم 59.23، حيث أسندت رئاسة المجلس الإداري للوكالة لرئيس الحكومة؛ والحال أنه كان عليها، تنزيها للدعم المباشر من كل استغلال يقوض الديمقراطية والتعددية السياسية ببلادنا، إحداث هذه الوكالة، ليس في إطار الفصل 71 من الدستور، وإنما في إطار الفصل 159 من الدستور الذي ينص في بنده الثاني: «ويمكن للقانون أن يحدث عند الضرورة، علاوة على المؤسسات والهيئات المذكورة بعده، هيئات أخرى للضبط والحكامة الجيدة». وتبعا لذلك، كان عليها عوض أن تحدث وكالة تخضع لوصايتها، إحداث هيئة مستقلة لضبط الدعم المباشر، على غرار إحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء؛ وهو الأمر الذي يدل على أن الحكومة الحالية تحاول إخضاع كل ما له تأثير اجتماعي لوصايتها وسلطتها، مما يهدد الديمقراطية ببلادنا. كما أننا نطرح للتفكير على مختلف الفرق والمجموعة البرلمانية وعلى كافة البرلمانيين الديمقراطيين، أيا كان موقعهم، مبادرات للتحرك ونحن على مشارف منتصف الولاية التشريعية، عوض انتظار مبادرة الحكومة وأغلبيتها خاصة وأنها تخلت عن حضور جلسات المساءلة الأسبوعية بغياب الوزراء إذ تقلصت المساءلة من مساءلة الحكومة إلى مساءلة الأقطاب، ثم من مساءلة القطب إلى غياب أغلبية وزراء القطب أسبوعيا مما يجعل الجلسة بعيدة عن قضايا وهموم المواطنات والمواطنين. أما بالنسبة لرئيس الحكومة، فإذا كان من المفروض حضوره لأربع جلسات في كل دورة، فإن البرلمان، وهو على أبواب إنهاء الدورة بعد أيام قليلة، لم يسائل رئيس الحكومة إلا مرة واحدة، وفي قضايا تحدد الحكومة موضوعها والذي يكون دائما بعيدا عن القضايا الآنية للمواطن. بناء عليه، وانطلاقا من مقتضيات الفصلين 105 و106 من الدستور، فإننا ندعو إلى التفكير في تقديم ملتمس رقابة بالنسبة لمجلس النواب، وكذا تقديم ملتمس مساءلة الحكومة بمجلس المستشارين. إننا واعون بأن المعارضة لا يمكنها الإطاحة بالحكومة لأن أغلبيتها تجعل الأمر شبه مستحيل، ولكن المعارضة عبر التاريخ كانت دائما تقدم هذا الطلب وهي واعية أنها لا تملك الإطاحة بالحكومة (ملتمس 1964 وملتمس 1990)، وهي مناسبة لدعوة الحكومة للدفاع عن نفسها، بل الهجوم على المعارضة وإقصائها وحرمانها من ممارسة أدوارها الدستورية. الأخوات والإخوة، على المستوى التنظيمي، وقبل استعراض المحطات التي قطعها حزبنا، وبعد أن ترحمنا على روح فقيدنا الكبير السي عبد الواحد الراضي، نستحضر ما أسداه لوطنه وحزبه من خدمات جليلة. وقد عبرنا كقيادة حزبية، أصالة عن نفسها ونيابة عن المناضلات والمناضلين وأفراد أسرة الفقيد، إثر وفاة الفقيد، عن عميق الشكر والامتنان لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على ما أحاطه به جلالته من سابغ العناية ووافر الرعاية، إبان فترة مرضه. وأعربنا عن تقديرنا البليغ للمشاعر المولوية النبيلة إزاء الفقيد والواردة في رسالة تعزيته، ولتمثيلية جلالته في جنازة الراحل من خلال ولي العهد سمو الأمير مولاي الحسن وسمو الأمير مولاي رشيد وقد قمنا على إثر هذا المصاب الجلل بإحياء أربعينية رحيله في التاسع من ماي الماضي، في لقاء مؤثر يليق بما قدمه الفقيد لوطنه وحزبه. ولا بد كذلك من الترحم على كل أخواتنا وإخواننا ، وهو ما قمنا به في بداية هذا الاجتماع بتلاوة الفاتحة على أرواحهم جميعا. وبخصوص الحياة الحزبية الداخلية، فإننا نسجل باعتزاز وافتخار الحضور الإشعاعي الميداني الكبير، في الساحات الدولية القارية منها والإقليمية. فقد كانت 2023 سنة العلاقات الخارجية للحزب بامتياز حيث تم إنجاز العديد من الأنشطة التي تعد ثمرة للعمل الدؤوب لفريق العمل بكل مكوناته الحزبية: الشبيبة والنسائية والبرلمانية. فقد شارك الحزب في تسع تظاهرات عبر العالم من مصر إلى أمريكا اللاتينية مرورا بأوروبا وأفريقيا. واستضاف الحزب الدورة الأولى للمنتدى العالمي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين، ووفودا وشخصيات من أحزاب ومنظمات صديقة. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى المجهود الذي تم بذله في الواجهة اللاتينية الأمريكية حيث تمكن ممثلو الحزب من أن يصبحوا مخاطبين لقيادات يسارية بارزة في هذه القارة. وكان لهذا العمل نتيجة مباشرة على أخواتكم وإخوانكم بالشبيبة الاتحادية التي تمكنت من إزاحة الكيان الوهمي من رئاسة «اليوزي» واسترجاع مقعدنا بلجنة الرقابة لهذه المنظمة. كما عمل الحزب على تقوية موقعه الإفريقي سواء من خلال مجلس إفريقيا للأممية الاشتراكية أو من خلال تطوير علاقات ثنائية مع بعض الأحزاب الصديقة. وتجدر الإشارة إلى أن فريق العمل سيولي أهمية خاصة للواجهة الإفريقية هذه السنة. و تظل للأسف الواجهة الهشة في التنظيمات الإقليمية هي الأحزاب العربية التي لم تتمكن إلى الآن من التوافق على أي برنامج عمل لعقد مؤتمرها. لذلك، فاستراتيجية الحزب يجب أن تتوجه مستقبلا إلى خلق وتقوية العلاقات الثنائية مع القوى السياسية اليسارية بالعالم العربي. ولذلك حرصنا على تقوية علاقاتنا مع أصدقائنا وشركائنا من مختلف بقاع العالم، إذ استقبلنا العديد من الشخصيات السياسية: السيد يوسف أحمد عضو المكتب السياسي للجهة الشعبية لتحرير فلسطين، السيد بوتان دزه القائم بأعمال سفارة العراق بالمغرب، السيد روبرت دوولغر سفير ألمانيا بالمغرب، السيد هارالد طورش عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الديمقراطي المساوي، السيد سعدي أحمد بيرة عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، السيد أحمد مجدلاني وزير التنمية الاجتماعية بالحكومة الفلسطينية والأمين العام لجبهة النضال الشعبي، السيد جايم كينطانا رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بجمهورية الشيلي. كما شارك حزبنا في العديد من المؤتمرات واللقاءات الحزبية الخارجية، نذكر من بينها: مشاركة الكاتب الأول في مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات بمقر جامعة الدول العربية (مصر، فبراير 2023). زيارة وفد عن المكتب السياسي الاتحادي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (ألمانيا، مارس 2023)، جولة وفد عن الحزب إلى أمريكا اللاتينية (الإكوادور وكولومبيا والدومينيكان، فبراير ومارس 2023)، المشاركة في فعالية الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب الاشتراكي البرتغالي (البرتغال، أبريل 2023)، المشاركة في الجمع العام لمنظمة التحالف التقدمي (بلجيكا، يونيو 2023)، المشاركة في لجنة إفريقيا للأممية الاشتراكية بالنيجر (النيجر، يونيو 2023) المشاركة في المؤتمر الدائم للأحزاب السياسية في أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي (المكسيك، يونيو 2023)، المشاركة في مؤتمر الحزب الاشتراكي الأوروبي (إسبانيا، نونبر 2023). من جهة أخرى، لا يخفى عليكم أن المكتسبات في المجال الديبلوماسي تحتاج المواكبة المستمرة من أجل تحصينها. لذلك، فأنتم مدعوون لتكثيف الجهود لإنجاح برنامج عملكم للسنة الجارية، والذي بدأت تتضح ملامحه: استقبال الحزب لتظاهرة إفريقية لاتينية للشباب، فبراير المقبل. مجلس الأممية الاشتراكية للنساء، فبراير المقبل. مجلس الأممية الاشتراكية، فبراير المقبل. استقبال الحزب للمجالس الإقليمية للأممية الاشتراكية للنساء (غرب وشرق المتوسط والقوقاز)، أبريل المقبل. تنظيم الدورة الثانية لمنتدى البرلمانيين الشباب بأمريكا اللاتينية، أبريل المقبل. استقبال الحزب لاجتماعات رئاسة اليوزي، شتنبر المقبل. تنظيم لقاءات جهوية للبرلمانيين الاشتراكيين. تنظيم شبكة البرلمانيين الاشتراكيين للواجهة الأطلسية. تقوية العلاقات الثنائية مع الأحزاب الصديقة. وعلى الصعيد التنظيمي الداخلي، من الأكيد أن نجاح المؤتمر الوطني الحادي عشر مكن من إعطاء نفس جديد في الحياة التنظيمية لحزبنا، تجلى في الحضور المؤسساتي البرلماني القوي، والتأطير الفاعل لقطاعات المجتمع، والمساهمة البارزة في الديبلوماسية الموازية، ونجاح مؤتمر منظمة النساء الاتحاديات والشبيبة الاتحادية وتواصل أنشطتهما الإشعاعية والتأطيرية في مختلف مناطق المملكة. وقد تعززت الدينامية التنظيمية بهيكلة العديد من القطاعات الحزبية الموازية من قبيل قطاعات المحاميات والمحامين، والتعليم العالي، والصحة، والمهندسين، والطلبة. كما تعززت بعقد المؤتمرات الإقليمية في أقاليم عين السبع الحي المحمدي، النواصر، ميدلت، مكناس، انزكان آيت ملول، قلعة السراغنة، أنفا. وقد كانت هذه المحطات التنظيمية فرصة لتكريس خيار حزبنا في ما يتعلق بالانفتاح والتجديد والتشبيب، حسب الإمكانيات والسياقات المحلية، وإفراز بنيات حزبية قادرة على الفعل في المجتمع وفي الفئات الاجتماعية. ومواصلة لهذه الدينامية، سيعمل حزبنا على عقد العديد من المؤتمرات واللقاءات التي نخص من بينها : المؤتمر الوطني لقطاع التجار والمهنيين الاتحاديين في فبراير المقبل، المؤتمر الوطني للمنتخبات والمنتخبين الاتحاديين في أبريل المقبل، المؤتمر الوطني لقطاع التعليم الاتحادي في ماي المقبل، المؤتمر الوطني لقطاع أطر وموظفي الجماعات الترابية الاتحادي في يونيو المقبل، الجامعة الربيعية للحزب في أبريل المقبل.