رفض الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، أمس الخميس، قانون المالية لسنة 2024 الذي مررته الأغلبية، وكان خاليا من أي تعديل من تعديلات المعارضة التي رفضته بجميع مكوناتها حين تم عرضه في قراءة ثانية بعد مصادقة مجلس المستشارين عليه. إلى ذلك، لم يتضمن القانون أي تعديل يضمن كلفة الحوار مع أسرة التعليم بخصوص الزيادات التي وعدت بها الحكومة برسم سنة 2024، وذلك في حالة نجاح الحوار الجاري منذ أسابيع في ظل شلل تام للمؤسسات التعليمية، واحتقان وسط الأسر المغربية بسبب اضطرار أزيد من سبعة ملايين تلميذ إلى الإقامة خارج العملية التعليمية . ويفترض في حالة إقرار أي زيادة لأسرة التعليم أن يتم اللجوء إلى فصول من الدستور ليبقى البرلمان خارج عملية كلفة الحوار الجاري، ينتظر الأخبار فقط من طرف الحكومة. وهذا يعني أيضا أن بنيان قانون المالية سيتغير بفعل الاعتماد على القانون التنظيمي للمالية . في هذا المستوى، أكد يوسف ايذي، رئيس الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية في المناقشة العامة، أنه من خلال موقعنا البرلماني المعارض كنا يقظين ومتأهبين لمراقبة مدى استجابة العمل الحكومي وتجاوبه، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، مع حاجيات الأقاليم الست المتضررة والمقبلة على فصل شتاء غالبا ما يكون قاسيا في هذه المناطق الجبلية. وقال ايذي أيضا «لقد كان أملنا كبيرا في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية في أن تلتقط الحكومة كل الإشارات المضيئة، وهي تعد مشروع القانون المالي لسنة 2024 من أجل تقديم صيغة متطورة لهذا المشروع تقطع مع الاستمرارية التي ميزت السنتين الأولتين من عمر الحكومة الموقرة، لكن مع الأسف الشديد خاب ظننا ونحن نعاين مشروعا جديدا قديما فيه الكثير من الوعود والتعهدات أكثر من الإجراءات والبرامج الواقعية القابلة للتطبيق والاستدامة، مشروع يتسم بمحدودية الأفق الزمني وكأن الحكومة لا يهمها سوى إنجاح ولايتها التي تنتهي سنة 2026». وأضاف: «إننا أمام مشروع قانون مالي مهم لأنه يتزامن مع مرور سنتين من الولاية الحكومية الحالية، وهي مدة كافية مكنت الحكومة باعتراف صريح من أغلبيتها البرلمانية من مساحة كافية لمقاربة واقع مؤسسات الدولة، وإكراهات التدبير العمومي، وحقيقة المالية العمومية…وهذا يعني في تقديرنا أيضا أن الحكومة متملكة بما يكفي لحقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية للمغرب، وبالتالي كان عليها أن تبدي مزيدا من الجرأة المالية والسياسية في مشروع القانون المالي الذي نناقشه اليوم، وهو الشيء الذي نتأسف لغيابه». وكشف يوسف ايذي أنه «في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون المالي لا نريد الوقوف عند تفاصيل المشروع والأرقام التي جاء بها ومقارنتها بما قبلها وما هو وارد في تقارير وطنية ودولية، وإنما نكتفي هنا بإيراد بعض الملاحظات الأساسية التي نود لفت انتباه الحكومة إليها.» أولى هذه الملاحظات، يقول رئيس الفريق الااشتراكي، ترتبط بكون الفرضيات الأساسية التي بني عليها المشروع تبدو وكأنها تقفز على الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي، إن لم نقل تغرق في تفاؤل مفرط يخلق حالة زائفة من الأمل سرعان ما يتحول إلى يأس قاتل،إنها فرضيات تحمل في طياتها أسئلة كبيرة حول صدقيتها وإمكان تحققها بالنظر إلى الظرفية الدولية والوطنية الصعبة كما أشرنا إلى ذلك سابقا. الملاحظة الثانية تتعلق بالتحدي الذي يواجه الحكومة في استدامة وسائل تمويل البرامج الاجتماعية بدون التغول على الطبقة الوسطى التي تجد نفسها أمام خطر الانزلاق الى أوضاع اجتماعيه صعبة، علما بأنها الفئة التي تحقق توازن المجتمع في كل المستويات، وهي التي تحرك الاقتصاد الوطني، وتعزز التماسك الاجتماعي، من خلال تقوية آليات التضامن التقليدي التي يبدو أن الحكومة ليست على علم بها. وتابع ايذي: «انطلاقا من مرجعيتنا وخلفيتنا الاجتماعية المعروفة نلح على الحكومة أن تضع في نصب عينيها مسألة الاستقرار الاجتماعي إذ بدونه لن تكون هناك تنمية أو استثمار. إننا نتطلع فعلا إلى أن تتحلى الحكومة بقدر أكبر من الإبداع في إيجاد حلول بديلة وهوامش مالية جديدة». الملاحظة الثالثة تتعلق بغياب إصلاح ضريبي حقيقي في ظل استمرار الحكومة في تجاهل مراجعة أسعار الضريبة على الدخل خاصة بالنسبة للفئات التي تخضع لعملية الحجز من المنبع، بالإضافة إلى توالي المحاولات الحكومية لتخفيف أعبائها والبحث عن مصادر تمويل جديدة من الرفع من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك على مواد أساسية تنحصر تأثيراتها السلبية على الفئات المحتاجة والبسطاء من المواطنين ذوي الدخل المحدود. وسجل ايذي أن «الحكومة في الوقت الذي تتقدم فيه بمشاريع إصلاحية في عدد من القطاعات الحساسة التي تمس أوضاع قطاعات واسعة من المجتمع المغربي، لم تنجح في مصاحبة هذه المبادرات بما يكفي من التدابير والإجراءات الكفيلة بخلق الأجواء الاجتماعية المناسبة لضمان شروط نجاح هذه المشاريع.» وأضاف: «بدون الإطالة في سرد العديد من الحالات التي تجسد هذا الإخفاق الحكومي، فإننا نكتفي بالإشارة إلى ما يعتمل داخل أسرة التعليم من مشاكل لا تكاد تنتهي، وآخرها وأكثرها خطرا على مستقبل البلاد في مجال حساس هو ما رافق المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية من احتجاجات واسعة شلت القطاع وأدت إلى حرمان ملايين التلاميذ من المتابعة المنتظمة للدراسة. إننا ننبه إلى أن قطاع التعليم في كل مستوياته قطاع استراتيجي لحاضر ومستقبل البلاد وهو القاطرة نحو بناء مجتمع متماسك ومتقدم اقتصاديا وصناعيا وحضاريا، وبالتالي فإنه لا يستحمل الإقدام على مغامرات أو مبادرات ترقيعية غير مدروسة بالعناية اللازمة وغير محاطة بالالتزام والجدية المطلوبة». وختم رئيس الفريق الاشتراكي تدخله قائلا: «إن الحرص على الإعمال الفعلي للمقاربة التشاركية مع كافة الفاعلين المعنيين بالإصلاح هو السبيل الأنجع والطريق المختصر لمباشرة الإصلاحات الضرورية في جميع القطاعات، هو النهج الأسلم لبلوغ النتائج المرجوة وتجنيب بلادنا التوتر وحالة الاحتقان ذات المفعول السلبي على الاستقرار والسلم الاجتماعي الذي بدونه لا يمكن لنا المضي بثبات على درب الإصلاح والتغيير المنشود.»