لا يمكننا الحديث عن تطوان اليوم دون الإشارة إلى تاريخية هذه المدينة العريقة على الصعيد الثقافي، التي عرفت حركة ثقافية عظيمة، وما أنتجته من متون وتراث ومعالم وآثار كان روادها أسماء تعتبر علامات، نذكر من بينها علماء ومفكرون ومؤرخون وأدباء مثل عبد السلام بنونة ومحمد داود والتهامي الوزاني وأحمد الرهوني وعبد الخالق الطريس وغيرهم، هؤلاء العباقرة الذين استطاعوا أن يقدموا لنا عطاءات ثقافية وأدبية ومجتمعية ثرية في مختلف المجالات، وتحملوا مسؤوليات ثقافية وتربوية وعلمية وجماعاتية، وهذا ما لم نعد نراه اليوم في مؤسساتنا بالمدينة، الأمر الذي يدل على أن المدينة في حاجة إلى مسؤولين مشاركين في العمل الثقافي وليسوا موظفين. إن مدينة تطوان اليوم تعيش تراجعا ثقافيا، بهذا القدر أو ذاك، على الرغم من بعض التحركات هنا وهناك، إلا أنها لا ترقى إلى البحث الفكري والعلمي المطلوب، والدراسات الجوهرية التي تعطي صورة ثقافية لتطوان المتميزة والمتعددة الجوانب. وبناء على هذا التراجع جاءت فكرة جماعة تطوان لتأسيس الهيئة الاستشارية الثقافية لجماعة تطوان التي تهدف إلى إثراء المشهد الثقافي لمدينة تطوان العريقة ورد الاعتبار ثقافيا لها، وذلك من خلال مكتبها وسكرتاريتها ولجانها التي ستقوم بعمل بحثي هام للغاية، ويتعلق الأمر بإنجاز محفظة تطوان كمشروع ثقافي( هي عبارة عن كتاب ضخم نموذجي) سيولي الاهتمام لجوانب تاريخية وأثرية ومعمارية وفنية وأدبية وغيرها، لأجل التعريف بالمدينة على الصعيد الدولي، وكذلك التفكير في آليات ترميم المحطة الطرقية القديمة التي تتفرد برسومات نادرة يجب المحافظة عليها من الاندثار على اعتبار أنها إرث فني إنساني سيكون له الأثر، بعد ترميمه، لاستقطاب مسؤولين وفنانين ومهتمين من شتى بقاع العالم. في هذا الصدد، لابد من الإشارة إلى أن تطوان هي مدينة التسامح والسلام وقيم التعايش المشترك، وكان أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك محمد السادس والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، في زياراته للمدينة العريقة، قد أشاد بالمجهودات المبذولة من قبل سلطات عمالة تطوان وجماعة تطوان وجامعة عبد المالك السعدي وبحسن تنظيم فعاليات «مؤتمر تطوان للتسامح والسلام وقيم التعايش المشترك»، واعتبر أن مدينة تطوان تجسد روح الكونية والتسامح والتعايش التي تستمد جذورها من التاريخ العريق للمغرب، والقيم التليدة للمغاربة، مبرزا أن كل المغاربة يحملون هذه الثقافة، ثقافة التنوع والتعايش التي تجسدت في تطوان، المدينة التي حافظت على قيم التبادل والعيش المشترك المنبثق عن تعايش روافدها العربية والأمازيغية واليهودية، بالإضافة إلى احتفاظ الجماعة بوثائق هامة وتواريخ خاصة بازدياد اليهود المغاربة بتطوان. ومن المعلوم أن الهيئة الاستشارية الثقافية لجماعة تطوان قامت منذ تأسيسها بدورات تم الموافقة فيها على تشكيل المكتب واستكمال سكرتارية الهيئة واللجان من أجل الشروع في العمل الذي لن يكون سهلا، ولكنه سينجح بتظافر جهود جميع الأعضاء الذين لا يسعون إلا إلى هدف واحد وهو رد الاعتبار لمدينة تطوان العريقة ثقافيا، والإسراع في تنزيل البرنامج الثقافي لجماعة تطوان وتفعيله، بالإضافة إلى القيام بالبحث عن الجوانب التي مازلت خفية والتي تختزنها بعض مكتبات البيوتات الخاصة. إن خصوصية الهيئة الاستشارية الثقافية لجماعة تطوان اليوم هي في فكرة جديدة لم يسبق أن أسست خلال المراحل السابقة، حيث لم يكن تعطى الأهمية اللازمة والمستحقة للدور الثقافي المؤثر في الحياة العامة بالمدينة سياحيا واقتصاديا، ذلك أنه لا يمكن فصل الثقافة عن التنمية، لأن الثقافة متجذرة في المجتمع تاريخيا، ولا يمكن فصل الثقافة عن المجتمع وعن سكان المدينة، وهذا من أهم الأدوار التي ستقوم بها الهيئة الاستشارية الثقافية. إن أهمية الهيئة ليس فقط في رد الاعتبار لمدينة تطوان ثقافيا، وإنما أيضا إعطاء قيمة لفكرة المسؤولية الثقافية وعمل المؤسسة المنتخبة القادرة على المساهمة الفعالة، الجادة والهادفة، في إثراء البحث الفكري والعلمي وإنقاذ تراث المدينة من الضياع وإخراجه في صورة جديدة.