بعد الزلزال المهول الذي ضرب منطقة الحوز والعدد الكبير من الضحايا والخسائر المادية التي خلفها بالمنطقة وبعض المناطق المجاورة، كان رد الفعل الدولي هو التعاطف الكبير مع الرباط والاستعداد للتعاون مع المغرب لمواجهة هذه الكارثة، وهو تعاطف شمل دولا كبرى وصغرى كلها أبدت استعدادها لتقديم مختلف الوسائل من أجل مساعدة المغرب لمواجهة هذه الفاجعة. المغرب من جهته كان عليه تنظيم قدراته الداخلية لمواجهة هذه الفاجعة ومن أجل إنقاذ الضحايا، وحرك كل قدراته ومؤسساته سواء المدنية أو العسكرية وأشرك مجتمعه المدني في هذا المجهود، وتصرف كبلد بما تمليه عليه مصالحه وسيادته، وبدأ في قبول مساعدات أصدقائه حسب حاجياته، في هذا الظرف الوجيز بدأت حملة إعلامية في بعض وسائل الإعلام الفرنسية، يوم الأحد الماضي، مفادها «أن السلطات المغربية ترفض المساعدات الغربية»، في حين أن إسبانيا وبريطانيا هي من أول البلدان الغربية التي تشارك فرقها في الإنقاذ. هذه الحملة في بعض وسائل الإعلام الفرنسية تستهدف سيادة المغرب، وتستهدف قراره السياسي في اختيار المساعدات التي هو في حاجة إليها، وفي تنظيم المساعدات الإنسانية فوق ترابه، ولا يمكن للمغرب أن يقبل مساعدات عشرات الدول التي اقترحت ذلك، وإلا أصبحت هذه المساعدات عبئا يجب تنظيمه وحمايته في منطقة وعرة وشاسعة وفي ظل طرق مقطوعة ووعرة لا يمكن الوصول إلى سكانها إلا عبر الجو وعبر الوسائل التي توفرها القوات المسلحة الملكية التي تتواجد في الميدان منذ اللحظات الأولى لهذه الكارثة. ادعاء وسائل الإعلام الفرنسية، التي تقدم الحكومة المغربية على أنها ترفض المساعدات الدولية وترفض إنقاذ سكانها، حملة مبيتة يمكن أن تتسبب في فوضى بالمنطقة في حالة تصديقها. هذه الحملة جاءت في ظروف خاصة وهي البرود في العلاقات المغربية الفرنسية بسبب تخلف الموقف السياسي الفرنسي حول قضية الوحدة الترابية للمغرب بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة الرباط على الأقاليم الجنوبية والموقف الداعم للحكم الذاتي من طرف إسبانيا وألمانيا. هذه المحنة التي يشهدها المغرب، مناسبة لتطور هذه العلاقات خاصة بين قائدي البلدين، حيث تلقى الملك محمد السادس مكالمة من الرئيس الفرنسي بعد الزلزال والتي عبر فيها الجانب الفرنسي عن دعمه للمغرب في مواجهة هذه الفاجعة، وهذه المكالمة جاءت بعد قطيعة دامت سنتين بين الجانبين حسب المصادر الفرنسية. الصحافة الفرنسية فسرت عدم قبول فرق الإنقاذ الفرنسية بالبرود الذي مازالت تعرفه العلاقات بين البلدين، وبسبب الموقف الفرنسي من الوحدة الترابية للمغرب. طبعا الروابط الإنسانية والاجتماعية بين البلدين هي التي تفسر هذا الاهتمام الاستثنائي لفرنسا بهذه الفاجعة التي ضربت المغرب، حيث تضم فرنسا أكبر جالية مغربية بالخارج تتجاوز مليون ونصف المليون نسمة ونصفهم من مزدوجي الجنسية، بالإضافة إلى 50 ألف فرنسي يقطنون المغرب، وهو ما جعل المجتمع المدني الفرنسي والجالية المغربية بهذا البلد تتحرك بقوة من أجل مساعدة إخوانهم في هذه المحنة، حيث تقوم مئات الجمعيات بحملات من أجل جمع التبرعات والدعم للمناطق المنكوبة وتجنيدهم لكل الوسائل التي يتوفرون عليها. كما أن الفنانين والمشاهير من أصول مغربية بفرنسا قاموا بمبادرات للدعم مثل جاد المالح، ايلي سمون، جمال الدبوز، ارتير وغيرهم من الفنانين. هذه الوضعية المعقدة بين المغرب وفرنسا تطرح مسألة التعارض بين السيادة والتي يمارسها بلد مثل المغرب وهو حق شرعي، والديبلوماسية الإنسانية، حيث إن العديد من البلدان تستغل هذا التعاطف الإنساني من أجل اقتراح مساعداتها حتى وإن لم تكن في صالح البلد المستفيد. المغرب اليوم من حقه أن يفتخر بقدرته الذاتية على مواجهة هذه الكارثة بوسائله الخاصة، وهو ليس مجبرا على قبول كل المساعدات خاصة تلك التي لا يحتاجها.