أقام الموحدون أعظم إمبراطورية في تاريخ الغرب الإسلامي، امتدت من إسبانيا شمالاً إلى الحدود المصرية الليبية شرقاً، هذه الإمبراطورية تأسست في القرن الثاني عشر الميلادي، انطلاقاً من مسجد تينمل الذي دمره زلزال المغرب مؤخراً، وهو المسجد الذي قاوم عوادي الزمن لأكثر من تسعة قرون. وفيما يلي بعض ما ورد في المصادر الدفينة عن موقع هذا المسجد، وعلاقته بتأسيس الإمبراطورية الموحدية. تُجمع هذه المصادر على أن سكان تينمل كانوا على اتصال بالمهدي بن تومرت مؤسس الإمبراطورية ومنظرها، لذا دعوه للإقامة بينهم. وحسب صاحب «الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية»، فإن ابن تومرت قَبِلَ بذلك بعدما لاحظه من مناعة الوصول إلى تينمل، حيث تمثل بالنسبة له حاجزاً طبيعياً ضد تهديدات المرابطين. لقد كان الوصول إلى تينمل من الصعوبة بمكان؛ فالمسلك الوحيد يمر عبر وادي النفيس وهو نموذج للأودية الجبلية الكبرى التي تخترق الأطلس الكبير جنوبمراكش، حيث تنزل المياه من أعلى القمم لتخترق الوادي، وكان ضيقاً كثير المنعرجات، يمر بِسَفْحَيْنِ شديدي الانحدار، كل واحد منهما بمثابة سور طبيعي تتكسر عنده الروافد النازلة من أودية أخرى. أما أسفل الوادي فهو سيل جارف ذو مياه صافية تمتد في كل اتجاه. وكان يستعمل هذا الوادي، على الرغم من ضيقه وكثرة التواءاته، كطريق خلال فصل الصيف عندما تجف مياهه. وبسبب خصوصيته هذه، يسميه «هنري تيراس» بالطريق الشيطاني. ويقول الإدريسي المعاصر لابن تومرت إنه كان يكفي وقوف أربعة رجال بشكل متواز ليجعلوا أي مرور منه متعذراً، أما عبدالواحد المراكشي فيشير من جهته، إلى أن صعود هذا الطريق كان يشبه صعود سلم. وبعد أن استقر ابن تومرت في تينمل وانضمت إلى دعوته قبائل المنطقة، قام بإنشاء النواة السياسية والإدارية المسماة «أهل الخمسين»، وهو مجلس مشكل من شيوخ قبائل الدولة الناشئة، وكان يتماشى مع عقلية وعادات قبائل مصمودة الموحدية. هذا المجلس تم الاعتماد عليه بشكل كبير، لإعطاء طابع التماسك لإمبراطورية المستقبل، وللقضاء على الميولات الانفصالية لبعض القبائل، وكذا لإسقاط الدولة المرابطية. – نقلاً عن «التاريخ السياسي للإمبراطورية الموحدية» (بتصرف)، تأليف هويثي ميراندا، ترجمة عبدالواحد أكمير.