في إطار فعاليات المهرجان الوطني والدولي للظاهرة الغيوانية، الذي نظمته جمعية المهاجرين المغاربة بالمهجر، في الفترة ما بين 04 و 05 غشت 2023 ، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وبتعاون مع مقاطعة سيدي بليوط في نسخته الثانية، وتخليدا لذكرى العرش المجيد، تم مساء الجمعة 04 يوليوز 2023 بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالعاصمة الاقتصادية للمملكة تنظيم ندوة فكرية بعنوان»مسار أنغام و مسيرة إبداع» بمشاركة عدد من الإعلاميين والفاعلين المسرحيين والباحثين في التراث الغيواني، الذين حاولوا، من خلال زوايا نظر متعددة، مقاربة الظاهرة الفنية الغيوانية في تاريخيتها، وذلك من خلال استحضار تجربة فرقة المشاهب التي شكلت موضوع هذا اللقاء الفكري. وقد أشار عبد الله لوغشيت، الإعلامي والباحث في تراث المجموعات الغيوانية إلى أن عقد هذه الندوة إشارة قوية إلى ضرورة الانتصار للثقافة الأصيلة، في ظل ما تشهده الساحة الفنية، اليوم، من أشكال تعبيرية سماها بالتافهة. مشيدا بالدور الطلائعي الذي لعبته الصحافة المكتوبة في المغرب إبان إشعاعها الجماهيري من قبيل جريدتي «الاتحاد الاشتراكي» و»العلم «عبر ملاحقها الثقافية في التعريف عبر مقالات عديدة بالظاهرة الغيوانية، وبمجموعاتها الرائدة، وخصوصا مجموعة المشاهب، بشكل أسس لبعد تثقيفي وتنويري لدى الرأي العام المغربي. ضمن هذا السياق اعتبر العربي رياض إعلامي ومهتم بالفن الغيواني أن تأسيس فرقة المشاهب و ظهورها على الساحة الفنية بنمط فني يحترم القواعد الموسيقية المتعارف عليها بين المختصين إبان فترة السبعينات من القرن الماضي، قد قطع بشكل نهائي مع الأحكام المسبقة التي تم الترويج لها مع ميلاد الظاهرة الغيوانية نفسها إبان ظهور فرقتي ناس الغيوان وجيل جيلالة والتي انصبت جلها نحو التشكيك في المصداقية الموسيقية لهاتين المجموعتين، في ظل سياق مغربي حينها محتقن من الناحية الاجتماعية والسياسية أدى إلى إنتاج مواقف رفض وتوجس لدى عديدين خاصة في السلطة من هذا التوجه الفني الجديد حينها و المتمثل في غناء المجموعات الغيوانية، وهو ما أربك بشكل واضح حسب رياض الميلاد الفني لناس الغيوان وجيل جيلالة. صحيح أنه، حسب المتدخل نفسه، أن حملة التضييق الإعلامي والفني التي استهدفت محاصرة الظاهرة الغيوانية في بداياتها كانت قوية، والتي كان محركها الأساس الضرب في مصداقية المتن الغنائي والأداء الموسيقي للمجموعات المعنية، رغم أن جل أفرادها كانوا نتاج لحركة مسرحية قوية رائدها هو الراحل الطيب الصديقي، إلا أن هذا التضييق لم ينطبق بشكل كبير على مجموعة المشاهب التي انتصرت للفن الغيواني وقدمته في صورة صارمة ومنضبطة غناء ولحنا ومتنا. الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تعريف عدد من المهتمين بقوة النصوص التراثية التي نهل منها أغلب رواد الظاهرة الغيوانية على مدى عقود من الممارسة الفنية، والتي تعود في أصلها التاريخي إلى قرون ماضية أمثال متون محمد النجار وعبد الله المؤقت. ولم يفت العربي رياض الإشارة إلى ما يمكن تسميته بالحس الاحترافي المبكر الذي أبانت عنه فرقة المشاهب والتي أصدرت أول ألبوم لها في بدايات التأسيس بشكل قوي ينم على الإيقاع السريع في الإنتاج والعمل الذي اختاره رواد هذه المجموعة منذ البداية. في المقابل اعتبر الناقد السينمائي و الفاعل الإعلامي والكاتب حسن نرايس في مداخلته التي اختار لها كعنوان ناظم «المعاني والدلالات» أن الحديث عن أغاني المشاهب، يستلزم بالضرورة توفر عناصر الدقة في القراءة قبل السماع ضمن بعد بنيوي في التحليل. فالقصيدة المشاهبية حسب تعبير نرايس استطاعت أن تظهر في بنية متكاملة خدمتها الأصوات الجميلة للفرقة و أزيائها المعبرة إلى جانب وجود كتلة جماهيرية ذواقة هنا وهناك. و قد أبرز المتحدث نفسه أن قوة المشاهب من الناحية الفنية طبعا تجلت أساسا في قدرة احتواء الذات الجماعية للمجموعة للأنفاس الإبداعية الفردية لعناصرها بشكل جعلها تنطق فنيا بنفس اللغة لكن بإيقاعات مختلفة. وهو ما يؤكد حسب نرايس دائما صعوبة الإحاطة بالمتن القصائدي للمشاهب وضبطه، طالما أنه ظهر على شكل نصوص عميقة و قوية تنطق بدلالات مباشرة و أخرى غير مباشرة ضمن أفق زمني يلتقي فيه الحاضر الغير منتهي بالماضي و المستقبل المطلوب على وجه الأمر، لكن بمرجعيات إنسانية واضحة تحضر فيها الإشارة مرة إلى الخرافة و مرة أخرى إلى الإيحاء باللغز قبل أن يتم اختيار تضمين الأغاني المشاهبية أخرى غير مرئية بين سطور هذه القصيدة أو تلك، في إطار سعي الفرقة الدائم مناقشة قضايا الإنسان في بعدها الكوني والتحرري. وهو ما لن يتأتى تبيانه حسب حسن نرايس إلا بركوب قارب القراءة الجدية والجادة لنصوص هذه الفرقة الغنائية. ضمن هذا السياق قدم المتدخل نفسه أمثلة لبعض من نصوص أغاني المشاهب المغناة بالدارجة المغربية لكن بألفاظ جد عميقة ومعبرة عن الصراع الوجودي للإنسان و مده وجزره بين لحظات الألم و فسحات الأمل و الطموح مثل أغنية « داباتشوف» التي تحتاج حسب رأيه إلى بحث أكاديمي خاص يبحث في مخزونها الفني الكلامي و الذي يعبر على أن تراث الفرقة هو موروث ثقافي وفني بامتياز، خصوصا أن هذا الأخير كان ناجحا في تسليط الضوء على التهميش الذي يطال عديدين داخل المجتمع الإنساني بمختلف مستوياته بل و مقاوما في نفس الآن للنسيان بعناصر متلاحمة تخدم لب المضامين بعيدا عن كل زخرفة و ثرثرة زائدة، ضمن جدلية نصية يحضر فيها الحزن و الأمل و الرسائل الموجهة إلى الأجيال القادمة. و قد شكلت شهادة الفنان و أحد قيدومي مجموعة المشاهب أحمد حمادي إضافة نوعية لهذا اللقاء الفكري حيث اختار في مداخلته أن يبرز قوة التفاعل الإيجابي الذي خلقته المجموعة في بداياتها مع الجمهور المغربي المقيم خارج أرض الوطن في الخارج، من خلال إشراف عدد من المنظمين على تنظيم حفلات غنائية في عدد من البلدان الأوروبية شاركت فيها الفرقة رفقة مجموعات أخرى كناس الغيوان وجيل جيلالة. وهي جولات فنية حاول من خلالها أعضاء المشاهب إيصال رسائل و قيم إنسانية و فنية إلى جمهور الجالية المغربية رغم السياق المتوتر الذي كان يخيم حينها على المشهد المغربي و المعروف بفترة سنوات الرصاص. وقد اعتبر حمادي أن صدور ألبوم الفرقة سنة 1975 «لشراع» قد اعتبر إعلانا عن نقلة غنائية في المسار الفني للمجموعة حيث برزت الرغبة بقوة في الاتجاه نحو الأغاني الأكثر تعبيرا عن الألم الإنساني و قضايا التحرر العالمي خاصة قضية فلسطينالمحتلة. وقد جاءت المداخلة الأخيرة لرجل التربية والتعليم فريد لمكدر و المهتم بالفن الغيواني ضمن هذا اللقاء الفكري كمحاولة للحديث عن البدايات الحقيقة لفرقة المشاهب بمفهومها التاريخي بعيدا عن المغالطات التي يتم الترويج لها إعلاميا من هذا الطرف أو ذاك، حيث أكد لكدر أنه كان شاهدا على الولادة الجنينية لفكرة المشاهب قبل أن تصير واقعا فنيا، مشيرا إلى أن ما سماها همهمات التأسيس للفرقة كان على يد الشريف المراني ومحمد البختي و محمد بولمان بأحد مدارس التعليم بالحي المحمدي بداية سبعينات القرن الماضي قبل أن يكتمل البناء و يتأكد بانضمام رواد آخرين أمثال سعيدةبيروك و حميدة المهاري ومحمد المهاري و محمد باطما ومحمد السوسدي وصولا إلى أحمد حمادي الأمر الذي يجب التأكيد عليه بل و الدفاع عنه احتراما للذاكرة الفنية لفرقة المشاهب و تصديا لكل المحاولات التي ما فتئ يعبر عنها البعض، بادعاءات المشاركة في تشكيل مسار هذه الفرقة وهي غير صحيحة حسب لكدر. للإشارة فقد أعقب هذا اللقاء الفكري تقديم شريط مصور يحتفي بأحد رواد الفن الغيواني علال يعلى قبل أن يصعد خشبة العرض تباعا فرقتي مسناوة و جمال الغيواني لتقديم قطع غنائية احتفالية وسط أجواء من التفاعل من طرف الجمهور الحاضر.