نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها.. كان القائد عيسى بن عمر العبدي يمثل نمودجا للمخزن المحلي ، فبجانب سلطته المطلقة داخل ايالته باعتباره المسؤول عن اقرار الأمن ومراقبة القبائل حسب الأعراف ، والواسطة بين المخزن المركزي والقبائل، فانه كان يمثل من جانب أخر صورة مصغرة من حياة البلاط المصغر، والعبيد والأعوان والحريم، والزبائن… فكيف كان يعيش القائد عيسى بن عمر العبدي ؟ . من خلال الأوصاف التي ذكرها (فايسجرزبر…Weisgerber ( حين اتصاله بالقائد، وهو أنذاك في سنه السبعين ، قال عنه : وجه جميل ، محاط بلحية رمادية، قامته متوسطة ورشيقة ، كان يلبس باستمرار عباءة كثيرة الطيات من الموصلي الأبيض ، ويتخد سلهاما أبيضا ناصعا، يداه الأستقراطيتان كانتا محط عناية فائقة ، كان يعاني من مرض الروماتيزم، ومن جرح قديم في رجله، مما جعله يمشي بصعوبة، لكن مع ذلك ، كان فارسا بارعا ، ومحاربا مقتدرا، وصيادا ممتازا ، يحب الخيول والأسلحة ، ويربي كلاب للصيد، (السلوقية)، وكذلك الصقور، فيما عدا ذلك، فان ذوقه بسيطا ، ومتشبث بالتقاليد . ان هذه الأوصاف تعطينا صورة عن حياة القائد الذي جمع الصفات ما جعله نمودجا متميزا عن بقية أعيان قبيلته ، فهو أقرب الى أعيان المجتمع المدني.. شخصيته كانت تجتمع فيها الصفات الضرورية لرجل السلطة ، فهو رجل صلب وقوي في مواجهة المواقف الصعبة التي كانت تتطلب الحزم والصرامة ، فقال عنه الصبيحي : هو القائد السفاك الشهير، والحجاج بن يوسف التقفي الثاني …انه الاسم الذي كانت ترتعد منه الفرائص كما كان رجلا طيبا ومرنا، وصفه البعض بأنه لطيف المعاشرة ، صديق أمين وخصم عنيد. كان محافظا على الأصول، يقدر مسؤولياته ويقوم بواجباته الدينية في وقتها ، ويلزم أبنائه وحاشيته بمشاركته الصلاة ، كان يحلو له أن يردد باستمرار أن قصبته تشبه الزاوية، حيث منع دخول كل المحرمات اليها، فلم يسمح لأية شيخة أو راقصة بربرية بتجاوز عتبة قصبته ، سواء بعبدة، أو بدوره الأخرى في مراكش وفاس. انه شخصية قويةجدا، ويعتبره الجميع سيدا عجيبا . كانت هوايته المفضلة هي الصيد، وكانت مرابطه تضم أسرابا من كلاب الصيد ، تزيد عن مائتين (سلوقي)،زيادة على طيور الصيد باختلاف أنواعها ، من الظهري والنبلي ،كان يخرج للصيد في موكب ضخم يتكون من حاشييته وخدامه ،وبعض ضيوفه او مدعويه . وأحيانا تطول مدة الصيد ، وقد تزيد على الأسبوع ، وتمثل مناسبة الصيد فرصة يتفقد خلالها القائد بعض الجهات من قيادته ، وأحيانا يختبر ويعاين قوة فرسانه عن طريق اقامة استعراضات لألعاب الفروسية ، وكثيرا ما كانت الأفخاد والدواوير التي كان يمر منها تتحمل اقامة الولائم الفخمة لموكب الصيد . وتزداد هذه الصفات تبلورا أكثر، حينما نقف لنتأمل قصبة القائد ، التي كانت تمثل مقر اقامته ،فهي قد تساعدنا على استخلاص صورة عن الحياة الداخلية للقائد .(قصبة القائد السي عيسى). تقع قصبة القائد بفخدة التمرة من قبيلة البحاثرة، على بعد حوالي خمسة وعشرين كلمترا من مدينة أسفي ، وقد اشتهرت القصبة باسم القائد السي عيسى، رغم أن أخاه القائد محمد بن عمر هو الذي بنى بأرضها لأول مرة، في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، تقريبا حوالي سنة 1283هجرية /1866ميلادية .أي بعد انتقاله من داره القديمة بدوار الكوتات . ليقع اختياره على ذلك المكان بدوار النجارة، نظرا لما كان يتوفر عليه من مياه غزيرة متدفقة من بئر تسمى (بئر بوكشور)،وهي التي منحت الحياة للقصبة ، التي بنيت على امتداد منطقة ، جعلتها بارزة للعيان بشكل متميز على بعد كلمترات ، قد وصفها أحد المجاديب بقوله : (عروسة بانت في بوكشور/ دار النظرة المنظورة قبلة بوكشور/انطق بها الساكن قبل ما تكون / حاسدها يبقى في سجنها مرهون / ولو كان من مواليها .).