عندما يثار الحديث عن المرأة، أيا كانت الجهة او الأطراف المعنية بهذا الحديث؛ فأول ما يقفز إلى ذهني هو تأطير الحديث وتحديد منطلقاته لتتضح بالتالي معالم ما نرمي إليه حين نأخذ على عاتقنا مهمة التنظير في حديث الموضوع فيه هو ذوات مفكرة قادرة على تصنيف نفسها حيث تشاء ووفق منطلقات هي التي تحددها لتنفذ منها إلى ما تحلم به، أي ما ترسمه بيدها لنفسها. لذا أجدني أتساءل: أيهما يشرط الآخر؟ هل الواقع هو الذي يمنح المرأة تلك المادة الخام التي بواسطتها ترسم حلمهاأم العكس؟ بهذا التساؤل يتضح أول بعد من أبعاد جدلية الواقع والحلم.. يتعلق الأمر بإشكالية السبق فيما بين الواقع والفكر من صلب ما تم تجميعه أو مراكمته في المجال السياسي ببلادنا. هل واقع المرأة هو الذي يشرط تفكيرها، أي وعيها السياسي الذي يخول لها الانخراط في النقابة فتشكل قوة ممكنة؟ وعن أي حلم سنتحدث في ظل وضع مأزوم اقتصاديا ومنحبس سياسيا وفكريا ومثقل من الناحية الاجتماعية بعقلية ذكورية استبدادية وإن كانت ظاهريا متلبسة بلون الحداثة والانفتاح. من الممكن أن تسحبنا مقاربة هذا التساؤل إلى التفكير في حقيقة بئيسة سبق أن أثارتها سيمون دي بوفوار وبينت بأنها هي جوهر العقلية الذكورية، يتعلق الأمربإقرار الرجل بأنه «الجنس الأصل» وبأن المرأة هي «الجنس الآخر». وهنا تحضرني أمثلة متعددة لبعض الجهات من الأطر والتنظيمات التي غيبت هذه الجدلية وانساقت وراء المطالبة ببعض الحقوق منفصلة عن ضرورة ربطها بالواقع الذي غيبها، مثل منح الأم جنسيتها لأبنائها وما شابه ذلك من حقوق هي في حقيقتها مآزق مؤسساتية ولا فهم ننتجه من تداولها كمطالب يكون الرد عليها من الدولة تقديم أجوبة في ظاهرها تبدو حلولا وهي تضمر في باطنها تصريفا أيديولوجيا يغشي العيون فلا تبصر أن القضية تستوجب مقاربات جذرية . أما البعد الثاني فهو الذي نقبض عليه من خلال التساؤل عمن يمنح شرعية الجدوى لتكون المرأة قوة نقابية؛ يعني مناضلة بالمعنى الوارف لكلمة «النضال» لتغيير الواقع فيصير ما نحلم به هو الواقع الحقيقي. وهذا التساؤل يشكل نقطة العبور جهة الفلسفة الوجودية حيث نجد الأسس الحقيقية والفعلية التي تنفعنا في تصويب نظرنا إلى وضع المرأة فيما بين حدي الواقع والحلم. إن الفلسفة الوجودية إذ تبين أن الأسباب متجذرة في ما هو وجود معيش وتكشف القناع عن وجهات النظر الأكثر بؤسا عندما تدعي بأن التفاوت والاختلاف بين المرأة والرجل مردهما إلى المعطى البيولوجي وإلى المعطى النفسي؛ فإنها بهذا تشد انتباهنا إلى حقل المقارنة الحقيقي، فلا ينبغي أن نقارن بين المرأة والرجل في حقل النوع/البيولوجي، بل يجب أن نقارن بينهما في حقل الإنسانية. وهنا نقطة الارتكاز بالنسبة للفيلسوف جان بول سارتر ليعلن بأن الانسان خلق وانبثاق مستمر لما يريد أن يكون، يعني ذاك الحلم الذي ما هو إلا تجسيد لفكرة ان الانسان هو الذي يختار الوضعية التي يقفز إليها بمحض إرادته؛ وبناء على هذا تتجذر القناعة بكون المرأة انسان وتؤكد وجودها من خلال مشروع وأهداف هي التي تحددها،لكن أين هذا الكلام من ابجديات مشاريع وأهداف بعض أشباه أحزاب سياسية وجمعيات تسقط من حساباتها أن المرأة، كما أسلفت الذكر، قادرة على ان تصنف نفسها حيث تشاء؟ وما موقع هذا الكلام كذلك في واقع لم يكن فيه خروج المرأة للعمل حصيلة اختيار إرادة حرة. بالنسبة لي، فإن قبول المرأة بثمة املاءات من خارج ذاتها هو محض مباركة منها لترسيخ دونيتها وتبعيتها وما يسمى بتعبير اهل السياسة «الكوطا» لأبشع مثال يوضح ذلك. لماذا؟ أولا، لأن انخراط المرأة يجب أن يكون حصيلة تملكها لوعي شفيف بالذات ووعي حقيقي وشفاف بالواقع وبالآخرين. هذا ما ينبغي تمكين الجميع منه وآليات ذلك هي ما يجب على الأحزاب والجمعيات وسائر الهيئات أن تخوض فيه. وثانيا، لأن فعالية المرأة وكفاءتها هما ما يسوغ الحلم/الأمل في واقع مغاير تمارس فيه انسانيتها المترعة على الممكن والمحتمل واللامتوقع على حد سواء. أكتفي بهذين البعدين وأختم بالتساؤل: ما العمل؟ ألخص وجهة نظري في كلمة واحدة هي: الالتزام. والالتزام باعتباره اصطفاف جهة الانسان وليس جهة النوع كما هو مرئي من زاوية نظر البيولوجيا أو علم النفس أو غيرهما. ثم إن التربية على الالتزام بكل تجلياته السياسية، الأخلاقية والقيمية بما هو فكر أصيل منه يتغذى وعي الأفراد؛ وليس مجرد شعارات؛هو الرهان الذي يجب أن يحمل على محمل الجد لأن بواسطته نصنع صوتا واحدا هو القوة الحقيقية بالفعل والقوة، وبه نقوض كل الطروحات التي تضخ الجهل في شرايين المجتمع حتى ترسخ لدى البعض وخصوصا في صفوف النساء استعدادا قبليا لتقبل الوضع على ما هو عليه والاجتهاد في بلورة صيغ شتى للإبقاء عليه بعلاتهثم السعي وراء اجهاض كل حلم بأن نصير ما نريد… ولعل في قولة برنارد شو «إن الأمريكي الأبيض ينزل بالزنجي إلى مستوى ماسح الأحذية ويدفعه ليقبل هذا الوضع. وبعد ذلك يعلق مزمجراً بأن الزنجي لا يصلح إلا لمسح الأحذية» بعض من حكمة لمن يعتبر. فيا نساء العالم، كل فاتح ماي وأنتن الفتح المبين..