صدر مؤخرا كتاب جديد للدكتور الطيب أجزول، عن منشورات دار الحكمة، بعنوان: «تاريخ المجالس البلدية والقروية بشمال المغرب، مجالس مدينة تطوان نموذجاً (1860-2023)»، في نحو 500 صفحة من القطع المعتاد، .ويُؤرّخ الكتاب للمراحل التي مر منها تدبير الشأن المحلي، وإنشاء المجالس البلدية والقروية بشمال المغرب، على مدى أكثر من قرن ونصف . حيث ضم الكتاب عشرة فصولٍ، موزعةٍ على ثلاثة أقسامٍ، حسب ثلاث فترات: قبل الحماية، وخلال الحماية وبعد الحماية. وفي هذا الصدد نظمت جماعة تطوان في إطار أنشطتها الثقافية ( رمضانيات تطوان ) حفل تقديم هذا الكتاب بمشاركة الأستاذة حسناء داوود رئيسة مؤسسة داود للتاريخ والثقافة، والأستاذ محمد العربي الزكاري العمراني رئيس جماعة تطوان الأزهر سابقا 1997/ 2003 والدكتور عثمان أشقرا أستاذ جامعي، بالإضافة إلى الدكتور الطيب أجزول مؤلف الكتاب، وبحضور عدة فعاليات ثقافية وجمعوية ورؤساء سابقين بالمجالس الجماعية لتطوان . استهل محمد العربي الزكاري العمراني كلمته بالإشادة في البداية بمبادرة الجماعة والاختيار الذي أقدمت عليه بتنظيم هذا اللقاء الذي خصص لتقديم هذا الكتاب رفقة مؤلِفه د. الطيب أجزول، مشيرا إلى أنه عايش فترة هامة من الفترات التي يؤرخ لها هذا الكتاب خلال سنوات 1983/ 2021، وكان فاعلا في كثير من الأحداث منها، وشاهدا عليها. وأضاف المتحدث نفسه ، في هذا اللقاء الذي أدار فقراته نائب رئيس جماعة تطوان الدكتور أنس اليملاحي المكلف بقطاع الثقافي ،» أن الكتاب يتضمن كما هائلا من الوثائق القيمة، والرسوم العدلية والتقاييد، وغيرها من المصادر والمعلومات التي أخضعها المؤلِف للبحث والتمحيص باستعماله المنهج العلمي المتبع في الأبحاث العلمية»، مبرزا «أن الكتاب يضم حوالي 500 صفحة تحوي عددا من الأبواب والفصول تغوص بنا في تاريخ شمال المغرب، وتطوان على الخصوص، في تدبيرها الإداري المخزني والجماعي المحلي، عبر كرونولوجيا راصدة لهذا المجال قبل حرب تطوان الأولى إلى يومنا هذا». وتابع ذات المتحدث أن الكاتب يطلعنا من خلال هذا العمل على طريقة تعيين القواد والباشوات، التي كانت تتم عن طريق التعيين المباشر من طرف السلطان، أو باقتراح السكان وتزكية السلطان، أو بالاختيار المباشر من طرف السكان، ودور هؤلاء الحكام في الاعتناء بالمدن ومنشآتها العمرانية، والاختصاصات الواسعة للمحتسبين خلال القرنين 18 و19، ودورهم في تدبير الشأن المحلي، وطريقة تعيينهم، وأسباب تراجع نفوذهم. وأضاف، «أن الكتاب يتضمن فصلا كاملا لحرب تطوان، واصفا ومتحدثا عن بعض المعارك منها. وكذا حديثه بتفصيل عن المجتمع التطواني المكون من المسلمين، واليهود، وبعض الجاليات الأخرى، التي كانت تقطن بها وتمتهن التجارة». وسجل ذ. محمد العربي الزكاري العمراني،» أن الكتاب يعرض لمجموعة من الاستشارات والانتخابات بالمنطقة الشمالية، وبتطوان خاصة، بعد صدور ظهير 6 ماي 1931، بالإضافة إلى استعراضه لمسار اللامركزية والمجالس المنتخبة منذ 1960 إلى 2021» ،مستحضرا مختلف التغييرات التي عرفتها القوانين المنظمة لهذه المجالس المنتخبة، واختصاصاتها عبر هذه الحقبة من الزمن . من جهتها أوضحت الأستاذة حسناء داوود أن الطيب أجزول رصد المراحل المتعاقبة للتطور الحاصل في تدبر الشأن المحلي بمنطقة الشمال المغربي ،إبان الحماية الاسبانية سنة 1913، مركزا على الأحداث التاريخية البارزة في هذا الجمال، والمتمثلة في صدور ظهير 6 ماي 1931، وهو أول ظهير ينص على إقرار مبدأ الآنتخابات البلدية الحرة في شمال المغرب بعد الأوضاع السياسية التي عرفتها إسبانيا والتي حاولت التقرب من أهالي المنطقة، وذلك بتلبية بعض مطالبهم، ومن مجملتها إشراك الشعب في الانتخابات المتعلقة بالمجالس البلدية. وأشارت حسناء داوود إلى أن د. أجزول تعرض للأحداث بكل دقة وعناية، كما تطرق لمسألة تأسيس المجالس البلدية والقروية بمختلف المنطقة المذكورة أثناء تلك الفترة، فذكر ما يتعلق بالمجالس المحدثة في كل من تطوان والعرائش والقصر الكبير وشفشاون وأصيلة والحسيمة والناظور وتركيست،… وساير تسجيل كل ما يتعلق بالموضوع من تنفيذ لمقتضيات بنوده، موضحا جزئياته بكل تفاصيله، وموردا عدة معلومات التي توفرت لديه في هذا الشأن بتطوان على وجه الخصوص، وذلك بذكر الشخصيات التي تولت المسؤولية في هذا المجال منذ فترة الحماية الإسبانية إلى يومنا هذا، عبر صور المسؤولين التي تعاقبوا على هذه المجالس المنتخبة ، ووضع إحصائيات وتفصيل البيانات ، وكذا إيراد مختلف الرسوم التوضيحية التي ساعدت الباحث على فهم واستيعاب معظم ما يريد معرفته حول هذا الشأن بكل تدقيق. ومسايرة منه للموضوع، تضيف رئيسة مؤسسة داوود للثقافة والتاريخ أن المؤلف اتجه إلى التعريف بالمجالس البلدية والقروية في منطقة الشمال بعد حصول المغرب على استقلاله ووحدته ترابه ، مركزا على مدينة تطوان على وجه الخصوص، اعتبارا لكون أهل مكة أدرى بشعابها.كما نجده بعد هذا التركيز والتخصيص، قد أجمل الحديث عن المراحل التي مر منها تطور العمل الجماعي بالمغرب، وما نتج بعد ذلك من قرار يقضي إيجاد تقسيم إداري جديد للمملكة . مؤلف الكتاب د. الطيب أجزول سرد من خلال كلمته أهم الدوافع والحوافز التي دفعته إلى تأليف هذا الكتاب حول المجالس البلدية، ومن بينها أن الخزانات المحلية والخزانات الوطنية تفتقر إلى مثل هذه المؤلفات التي تعرف تشكيلات المجالس البلدية، وتطور القوانين الجماعية، ومختلف الاستحقاقات الجماعية التي عرفتها المنطقة والتجارب الجماعية التي عرفها المغرب سواء خلال الحماية أو خلال عهد الاستقلال. الحافز الثاني بالنسبة للمؤلف هو عثوره على كتابات ومؤلفات من تاريخ اليهود والإسبان بتطوان، تؤكد على تأسيس «بلدية»، أو «مجلس بلدي» بتطوان، سنة 1860، أي قبل أكثر من نصف قرن من تأسيس أول مجلس بلدي بالمغرب، وكان بفاس سنة 1912. كماأن معاينته وتصفّحه لمحاضرِ اجتماعات المجالس البلدية بتطوان، بينت له أن المجالس البلدية الأولى بعد الحماية كانت تشتكي التهميش وقلة الإمكانات، وهو ما دفع المؤلف إلى البحث عن أسباب هذا التهميش وهذا التراجع، لأنه في عهد الحماية، كانت مدينة تطوان عاصمة منطقة الشمال، وتنعم، وتتمتع بالإمكانات الكثيرة، المادية، والاقتصادية، والصناعية. كما توقف الطيب أجزول عند حافز أخر الأمر يتعلق بالحاجة إلى التعريف بالبرامج الملكية الكبرى التي انطلقت بمدينة تطوان سنة 2006، وكذا بالحاجة إلى التعريف بالأطراف المتعاقدة في هذه المشاريع، ومن بينها جماعة تطوان. القرابة العائلية أيضا كانت حافزا مهما له لتأليف هذا الكتاب حيث استحضر عهد الحماية، وبالضبط إلى يوم 24 شتنبر 1931، عندما استطاع رجال الحركة الوطنية تحقيقَ أحدِ مطالبهم، بإجراء انتخابات بلدية ديمقراطية لأول مرة في تاريخ الحماية. وقد أسفرت هذه الانتخابات عن فوز ثمانية أعضاءٍ وطنيين، من بينهم والده عبد السلام أكزول – رحمه الله.كما أنه في الانتخابات الجماعية التي جرت يوم 10 يونيو 1983، استطاع حزب لاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يفوز بأغلبيةِ المقاعد في المجلس البلدي لتطوان، و ترأس شقيقه الراحل أحمد أجزول المحلس الجماعي لتطوان. وكان رئيس جماعة تطوان مصطفى البكوري الذي ترأس فعاليات هذا اللقاء قد أكد على مدى الأهمية والأولوية التي توليها الجماعة للقطاع الثقافي منذ توليه مسؤولية تدبير شأن هذه المدينة. وأضاف البكوري أن الجماعة تعتبر أن العمل الثقافي يشكل رافعة للتنمية المحلية». مشيرا إلى أن ذلك يتجلى عبر «حضور الجماعة الوازن في قلب كل المهرجانات والأنشطة الثقافية عبر دعمها ماديا وماليا بعد انحسارها في العقد الماضي، ودعم المؤسسات الثقافية بالمدينة عبر برامجها السنوية، والتي تغطي كل المجالات الثقافية، ثم جعل فضاءات الجماعة من مراكز ومكتبات، فضاءات حيوية لممارسة الأنشطة الثقافية، بالإضافة إلى العمل على إنشاء المجلس الثقافي لتطوان كمؤسسة مستقلة تضم بداخلها خيرة من مثقفي المدينة، فضلا عن سعي الجماعة لاقتناء مجموعة من الكتب لكتاب المدينة دعما للناشرين والكتاب، واقتناء بعض الأعمال الفنية»، موضحا، «أننا نهدف من وراء كل هذا إلى إبراز الدور المشرف للمدينة كمدينة حضارية وثقافية بامتياز، وصونا لهويتها وذاكرتها».وشدد البكوري على «أن جماعة تطوان حريصة كل الحرص على إعطاء الأولوية القصوى للعمل الثقافي»، لآنجاح مشروعها الثقافي الذي يتطلب انخراط كل المثقفين في هذه المبادرة النوعية، عبر تفعيل قوي للمجلس الثقافي خدمة للمدينة وساكنتها .