حول موضوع: «رقمنة الإجراءات بالمحاكم: أي آفاق لتحقيق النجاعة القضائية»، نظمت المحكمة الإبتدائية بخنيفرة، بشراكة مع هيئة المحامين ببني ملال، الثلاثاء 14 مارس 2023، ندوة حول أهمية انخراط منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي، بغاية الرفع من أدائها وجودة خدماتها، وسبل إنجاح تحقيق النجاعة القضائية من خلال رقمنة مختلف المساطر والإجراءات، ومدى تمكين المواطنين والمهنيين من الولوج الرقمي إلى العدالة، مع طرح الإشكالات والإكراهات التي ينبغي استحضارها في نقاشات مشروع الرقمنة وضمان حقوق الأفراد دون تمييز أو بطء. افتتحت أشغال الندوة بكلمة رئيس المحكمة الابتدائية ذ. سعيد بوهلال، الذي أبرز أهمية مشروع الرقمنة في «تعزيز النجاعة القضائية وتقليص آجال المساطر والإجراءات»، متمنيا من أشغال الندوة «وضع الأصبع على مختلف الإشكالات المطروحة بخصوص المشروع الاستراتيجي لرقمنة المحاكم». واعتبر وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، ذ.حاتم حراث، «الندوة استثنائية باختلافها عن بقية الندوات التقليدية»، بالنظر ل «ما يروم إليه مشروع الرقمنة من مزايا حقيقية، أهمها مواكبة عصرنة وتحديث الإدارة القضائية، وانخراطها في العمل الإلكتروني المنبثق عن الثورة الرقمية التي غزت كل مناحي الحياة». وانطلق ذ.عبدالسلام القرقوري، نيابة عن نقيب المحامين ذ.عباس الشرقاوي، من التأكيد «على أن الرقمنة ورش كبير فتحه المغرب لتقريب المعلومة القانونية والقضائية وتسهيل خدمات العدالة وتعزيز النجاعة القضائية»، مشيرا لمجموعة من الإشكالات التي «تواجه رهانات التحول الرقمي وينبغي استحضارها لإنجاح مشروع من هذا الحجم»، مذكرا بوضعية المناطق النائية التي «لا تتوفر على التغطية الرقمية والمعلوماتية، أو أن سكانها يجهلون أصلا استعمالها»، علاوة على «ضعف الصبيب وغيرها من التحديات التي تسائل إمكانية تحفيز المرتفق على استعمال المساطر المرقمنة بدل التنقل إلى الإدارة». وفي المحور الأول للندوة: «رقمنة الإجراءات القضائية في علاقتها بقضاء الحكم والنيابة العامة»، تقدم نائب رئيس المحكمة الابتدائية، ذ. يونس مصباح، بعرض حول «رقمنة إجراءات وقضاء الحكم»، موضحا «تزايد الطلب على الخدمات القضائية، وما يفرضه من استعمال التكنولوجيا الحديثة ومواكبة المفاهيم الجديدة لأجل إنجاح التقاضي الإلكتروني وتسهيل مفهوم الشفافية والولوج للخدمة العدلية»، مذكرا بمحاولات رقمنة الإدارة القضائية، سواء تعلق الأمر بالتعاون الدولي في المجال القضائي منذ سنة 2000 أو الإعلان عن المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة بالمغرب سنة 2020، لافتا إلى «ما فتحته جائحة كورونا من نقاش حول ضرورة تعميم التحول الرقمي بالإدارات العمومية عامة، ومرفق العدالة خاصة»، و«معالجة طلبات المرتفقين عن بعد وتقديمها إليهم باستمرار»، مستعرضا مميزات الرقمنة، أو ما أسماه ب «محاكم بلا أوراق» و»محاكم بلا مكان ولا زمان»، ودورها في «شفافية وتجويد الحكامة القضائية، وفي إعمال التقاضي والتعرف على الوثائق المطلوبة عن بعد، وتنظيم قضائي قادر على تجاوز الاختلالات ومشاكل البطء في المساطر»، وعلى «مواجهة التحديات التي قد تعيق الحق في العدالة أو في مساعدة المحاكم على التواصل مع الأطراف والإدارات العمومية». واستعرض النائب الأول لوكيل الملك، ذ. عبد لله العباسي، «تأملات في مسودة مشروع رقمنة الإجراءات»، منطلقا من الثورة الرقمية التي يعرفها العالم وأضحت تفرض نفسها على منظومة العدالة، متحدثا عن «دور الرقمنة في استقبال الشكايات إلكترونيا، والحصول على الإحصائيات والمعطيات المطلوبة في الوقت المناسب»، مبرزا ما يهم الخدمات الجديدة التي تقدمها الرقمنة، منها مثلا «السجل العدلي الإلكتروني الذي تم تطويره وتجديده بما يتناسب ومتطلبات المرتفقين، وذلك من خلال إيداع طلب وثيقته وسحبها عن بعد»، فضلا عن تطرقه لملاحظات عامة حول رقمنة إجراءات المحاكم والتنظيم القضائي والإنابة القضائية. وبعده، تناول المحامي بهيئة بني ملال، ذ.لحسن الخباوي، موضوع: «رسالة الدفاع والتحول الرقمي»، متحدثا عن «رهان بلادنا في تحقيق التحول الرقمي الذي يعد من بين أولويات النموذج التنموي الجديد وإصلاحات الإدارة العمومية»، مركزا على «ما بات يفرضه التحول الرقمي على الدفاع، وحاجته إلى الانتقال من الطابع التقليدي إلى الطابع التكنولوجي»، مشيرا للرسالة الملكية المقدمة في أكتوبر 2019، ضمن فعاليات المؤتمر الدولي بمراكش، حول «العدالة والاستثمار» والتي أكدت على ضرورة تبني لا مادية الإجراءات والمساطر القضائية وانخراط كل مكونات العدالة في ورش التحول الرقمي. وفي ذات السياق، ذكر المتدخل بإصدار لكاتب رأى «نهاية المحامي» في «ضرورة الانفتاح على القضاء التكنولوجي بشكل يساير التحولات والتطورات»، مستعرضا «السلبيات والإيجابيات في مشروع الرقمنة، والتحديات المعيقة للتنزيل والتعميم»، وما «كان على المشرع توضيحه بخصوص المواقع الالكترونية الممكن استعمالها بكل ثقة»، وكذا «التهديدات التي يمكن أن تعترض المهن القضائية على مستوى القرصنة والاختراق، وما قد يقوض السرية والكتمان المفروض على حقوق الموكل»، مشيرا للنقص الحاصل في التجهيزات الرقمية بالمحاكم، وضعف إتقان استعمالها وما يفرضه ذلك من دورات تكوينية ضرورية. وتقدمت المنتدبتان القضائيتان بالمحكمة الإبتدائية ذة. ربيعة الهنا وذة. سعيدة الهبطي بعرض مشترك حول «المحكمة الرقمية من زاوية كتابة الضبط»، افتتحته ذة. ربيعة الهنا بالتطرق ل «دور مشروع الرقمنة في تجويد الخدمات والفصل في المشاكل القضائية إلى حين بلوغ صفر ورق لإتمام تحويل الدعامات الورقية إلى الإلكترونية، ولمسايرة القضايا إلكترونيا من البداية إلى النهاية عند الإدماج الكلي لكل المهن المرتبطة بالعدالة في منظومة الرقمنة»، موضحة أهمية المشروع في «خلق منظومة عدالة منسجمة وشفافة تمكن عموم المتقاضين من مواكبة قضاياهم بكل سهولة وسلاسة». وبعد تركيزها على «ما تتيحه الرقمنة من خدمات لعموم الأطراف على قدم المساواة»، أشارت المتدخلة ل «الالتزامات الحكومية بالنسبة لاعتماد الإدارة الرقمية في الإجراءات القضائية، وفق برامج تحديث الإدارة القضائية، وتسهيل الولوج إليها، بما في ذلك تبسيط مهام كتابة الضبط وتسريع إجراءات البت دون الحضور المادي للمعنيين بالأمر»، فيما لم يفت ذة. سعيدة الهبطي استعراض مجموعة من «النقط الهامة المرتبطة بخدمات المنظومة الرقمية، ومن ذلك تسهيل تعويض الأرشيف الورقي بالأرشيف الرقمي، وتقريب المتقاضين من التعرف على مآل شكاياتهم عبر البوابة الخاصة، وإطلاعهم على المعلومات والمعطيات المتعلقة بملفاتهم». المحور الثاني المتعلق ب «رقمنة الإجراءات القضائية في علاقتها بمساعدي العدالة»، استهل بعرض لرئيس الفرع الجهوي للجمعية المغربية للعدول الشباب ببني ملال، ذ. حمزة بعدي، حول «رقمنة التوثيق العدلي: الآفاق والتحديات»، تناول أهمية رقمنة التوثيق العدلي في «إرساء استقرار الأحوال الشخصية وحسن التوثيق والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية»، ودورها في «جعل العدل فاعلا حقيقيا في صلب العدالة»، داعيا للعمل على «تطوير المهنة بغاية مسايرة الحداثة والعصرنة وتعزيز الاستقلالية، وكذا مواكبة المخططات الاصلاحية التي شملت شتى القطاعات.» وتقدم ذ. عبدالغني بوطيب، نيابة عن المفوض القضائي بالمحكمة الابتدائية بخنيفرة، ذ.محمد الساقي، بعرض حول «رقمنة المحاكم وعلاقتها بالمفوض القضائي»، تحدث من خلاله عن «الإصلاحات التي تعرفها منظومة العدالة، وما بات يفرضه ذلك من برامج التحديث عبر تطوير الرقمنة»، مشيرا لما وصفه ب «العراقيل والاكراهات التي قد تعترض المفوض القضائي أثناء التطبيق الشامل لمشروع الرقمنة على مستوى القضايا المدنية وإجراءات التبليغ الالكتروني»، موضحا جوانب من هذه الإكراهات، وفي مقدمتها «إشكالية افتقار أغلب المفوضين للأجهزة الرقمية وعدم تعامل بعضهم مع المنظومة الرقمية». وشارك مهندس الدولة الخبير في فرع الهندسة المائية، ذ. محمد أهناش، بعرض حول «التواصل الالكتروني مع الخبراء»، تطرق ضمنه للنظام الالكتروني في شموليته، وما قيل حول الاستعمال التكنولوجي في الضروريات، ليركز أكثر على «مدى انخراط الخبراء في نظام صناع القرار القضائي»، وعلى «أهمية التواصل مع الخبراء في أفق تعزيز المنظومة بإحداث نظام معلوماتي يشمل بنك المعلومات، بما في ذلك مواكبة الجريدة الرسمية، ومسايرة سياق مواكبة التطور التكنولوجي والعلمي»، لافتا إلى « الطفرة الرقمية التي عرفها بلادنا خلال السنوات الأخيرة، وكذا النزاعات والقضايا المرتبطة بالمجالات المختلفة». الاستاذ بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بخنيفرة، ذ. محمد أحدا، شارك بعرض يتعلق ب «تحديات الرقمنة والأمن السيبراني في بلاد كالمغرب تعمل على دمج الرقمنة بشكل متسارع على مستوى القطاعات والإدارات العمومية، والمخاطر المتعددة الناجمة عن جرائم الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك الفيروسات والهجمات الالكترونية وسرقة البيانات الشخصية، والاختراقات التي تطال سرية المعلومات، وكذا ما يُعرف بهجمات الفدية التي تنجح في تشفير الموقع بدافع شرط لأداء مقابل الحل»، فضلا عن باقي الأساليب التي تحاول التضليل، مشيرا إلى «سبل الرفع من ضمان حماية الأجهزة والمعطيات، والسبل الناجعة للوقاية من كل أشكال القرصنة والاختراق». وقبل إسدال الستار على أشغال الندوة، تم فتح باب النقاش، قبل تلاوة التوصيات المنجزة من طرف رئيسة خلية العنف ضد النساء والأطفال بالمحكمة الابتدائية بخنيفرة، ذة.ابتسام رقاس، والتي تمت فيها التوصية ب «وضع نظام معلوماتي موحد وآمن وشامل لجميع المساطر والشعب، والإجراءات القضائية والإدارية التي لها علاقة بالمحكمة وبباقي مساعدي القضاء، مع تجاوز المعيقات الحالية»، وضرورة «توفير ما يكفي من الأطر البشرية، التقنية الكفؤة والمتخصصة، لتغطية جميع محاكم المملكة من أجل تدبير ومواكبة النظام المعلوماتي»، وكذا «توفير ما يكفي كذلك من الوسائل اللوجيستيكية المتطورة لتغطية هذا النظام»، مقابل «توفير شبكة للأنترنيت ذات الصبيب العالي لتجاوز الصعوبات الحالية». كما تمت الدعوة ل «مواكبة النظام المعلوماتي بالتغطية التشريعية اللازمة والمرنة التي تسمح بتفعيله على أرض الواقع، وتسمح بإدخال التغييرات الضرورية بالسرعة المطلوبة، ووفق التطورات المتلاحقة لهذا النظام»، مع «توفير تكوين ملائم لكل المتدخلين فيه، كل من موقع تخصصه بما يضمن انخراط الجميع»، علاوة على ضرورة «بث حملات دعائية للتعريف بالنظام المعلوماتي لفائدة المواطنين في كل ما يخص القضايا المرتبطة باهتمامهم اليومي»، وكذا «إحداث خلية للتكوين على المستوى المحلي لفائدة القضاة وموظفي كتابة الضبط والمحامين والعدول والمفوضين القضائيين يشرف عليها مهندسون في المعلوميات بالمحكمة».