ونفد الصبر المغربي الجميل… هذا البلد لا يرتكب خطوات غير محسوبة. هذا البلد دولة وهو يعرف أنه يواجه عصابة. هذا البلد متأكد أن تلك الصحراء جزء منه وأنه جزء من تلك الصحراء. لذلك لا إشكال اطلاقا. صبرنا وفق ما يسمح به الصبر المغربي الجميل، وبعدها مررنا إلى السرعة القصوى، وقررنا أن وحدتنا الترابية تستحق التضحية لأجل اليوم مثلما ضحينا لأجلها بالأمس ومثلما سيعلن القادمون بعدنا أنهم سيضحون لأجلها في قادم الأيام. 1 – الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتقد أن الكون يدور حولها، وتتوهم أن غيابها سيقنع الكرة الأرضية بالتوقف عن الدوران، أو تكف الشمس عن الطلوع أول الفجر، أو يعتذر الأوكسجين عن التجول في طبقات الجو . في الأيام الماضية ترك النظام الجزائري انشغالاته «المبدئية»، و«قضاياه القومية العظيمة»، وركز على نقطة واحدة هي منع أية طائرة تحمل العلم المغربي من المرور فوق أجوائه، حتى لو تعلق الأمر برحلة جوية مباشرة في سياق تظاهرة رياضية، يقول هذا النظام نفسه إنها تنظم فوق «مهد» السلام والأمن والإخاء والتضامن، وأرض جمع الشمل بين الشعوب العربية والإفريقية. لقد اختزل الجزائريون كل مشاكلهم في رحلة جوية عادية، تستغرق أقل من ساعة، تنقل فريقا من الشباب الرياضيين من الرباط وتوصلهم إلى مدينة أخرى في الجهة الشرقية. لقد جن النظام الجزائري بالفعل، أو لنقل إنه مات أخلاقيا ورمزيا من وجهة نظر العالم الحر. 2_ دناءة النظام الجزائري تتجلى وباستمرار في تعبئة صحافة تشتغل تحت الأوامر، وعدم التردد إطلاقا في الكشف عن الدوافع الخفية الحقيقية للسلطة الجزائرية، وبالأكثر مهاجمة مؤسسات المملكة بصفاقة، ما يجعلها فعلا استثناء دنيئا على الصعيد العالمي. لا يستطيع الإنسان، وهو يتابع مواقف النظام الجزائري، إلا أن يقف مشدوها أمام وسائل وأساليب الحقد ومنسوب الكراهية التي أصيب بها هذا النظام العسكري. في الجزائر نظام لا يخجل من نفسه، فهو يمكن أن يلون الكذبة بكل الألوان كي يصدق أنها الحقيقة، ثم يعمل على تسويقها إلى أن تبهت ألوانها وينكشف الوهم الذي بنيت عليه. والغريب أن كل أكاذيب هذا النظام العسكري تدور حول المغرب، العقدة التي تقف في حلقه كشوكة دامية، ما يكشف هوسه بالوحدة الترابية للمملكة التي يحاول باستمرار المساس بها دون أن يتحقق له هذا الحلم، بل يرتد إلى كابوس. لقد تعودنا من القنوات التافهة والذباب الإعلامي لجزائر العسكر التطاول على الرموز السيادية للمغرب، ببساطة لأن قاعات تحريرها توجد داخل الثكنات العسكرية وتتحرك بتمويلات الصناديق السوداء الموضوعة تحت إمرة جنرالات الحرب. لذلك كان من الطبيعي أن تتجرأ هاته الطفيليات الإعلامية على بلدنا وتقوم بحملات لا أخلاقية تمس أعراض الرموز وتسيء للدولة المغربية، ولا تتحاشى استعمال كل أشكال الإثارة أو التضخيم … لم تعد هذه الطفيليات تتردد في اللجوء إلى حقارة لا يمكن أن نصلها هنا في المغرب مهما بلغ اختلافنا مع من يدبرون الأمور هناك. نصارح من يتحكمون في مصائر البلاد والعباد في ذلك البلد بخطورة ما يقترفونه وهم يلعبون بالنار وبأمن المنطقة . نعيد التأكيد كل مرة على أن وحدة وطننا الترابية أمر مقدس لكل مغربية ولكل مغربي . نفرق بين العسكر المتنفذ الذي يمسك بزمام الأمور منذ تسلمها من فرنسا وبين الشعب الطيب الذي خبرناه والذي نعرفه جيدا، ونعرف مدى حبه للمغرب، وعشقه للمغاربة . لكن وسائل إعلامنا الرسمية لم تنجر أبدا لأي مساس ساقط بالبلد الجار، وتحرص دوما على أن توصل للمتحكمين في مفاصله أن هناك مراتب ودرجات لا ينبغي أن نبلغها أبدا. إن بيت المملكة المغربية متين بقيادتها وشعبها، والأجدى بالمتطاولين على شعبنا وقيادتنا، أن يكنسوا أمام بيوتهم، ويتأملوا في هشاشة بنيانهم، لأن ناطحات السحاب لا تجدي نفعا ما دامت أعمدتها على رمال متحركة تذروها الرياح. إنها عقدة المغرب التي ترقد تاريخيا في نظام العسكر الجزائري …ترقد حينا وتستيقظ عند كل انتصار للمغرب، ومع كل نجاح مغربي جديد، في أي ميدان من الميادين، يفقد نظام العسكر السيطرة على نفسه، ويسير نحو مزيد من التهور والجنون . لن نقبل إطلاقا، الآن وغدا، وبالأمس القريب والبعيد، لن نقبل أن تمس مقدسات المملكة المغربية، لن نقبل أن يمس الملك محمد السادس، عرش متحرك يتربع داخل قلوب الشعب.. هناك إجماع وطني يوحد المغاربة حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد، وأولها « الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن، وتتبنى انشغالاته وتطلعاته، وتعمل على التجاوب معها»، وثانيها، مواصلة الخيار الديموقراطي والتنموي بعزم وثبات. إن حملات الهجوم التي تشنها وسائل الإعلام العسكري الجزائري، تنم عن وجود قصور في استيعاب طبيعة النظام السياسي للمغرب من جهة، ومن جهة ثانية ب «عقدة» تجعل الواقفين وراء هذه الحملات الإعلامية يتحركون كلما راكم المغرب انتصارات دبلوماسية… 3- أطلقت القيادة العسكرية الجزائرية ذبابها الإلكتروني كما سيقول البعض ( أما أنا فإنني أعتبرهم ذبابها فحسب) في حملة تضليلية شعواء على المغرب، في كل الاتجاهات في آن واحد، وبكل الوسائل الدنيئة دون تمييز. ويبدو أن الذباب المخابراتي الجزائري قد فقد البوصلة تمامًا، ولم بعد لديه أدنى إدراك بأبجديات الحملات الإعلامية حيث يتم الحرص على أن تكون نقطة الانطلاق فيها واقعة ملموسة، مادية أو اجتماعية أو سياسية، يتم استغلالها بمختلف الوسائل لخدمة الأجندة الإعلامية أو السياسية التي من أجل الدعاية لها وتنفيذها تم تجنيد ذلك الذباب، في الزمان والمكان المحددين. لكن الذي أصبح مؤكدًا، استنادًا إلى مفردات هذه الحملة التضليلية، هو أن البحث عن الوقائع لاقتناصها خدمة لأجندة النظام العسكري الجزائري المعادية للمغرب، لا تسعف دائما الذباب المهووس باقتناص الفرص، فابتدعوا لأنفسهم أسلوبًا خاصًا من صنع الدار، أي يحمل دمغة "صنع بالجزائر" ويقوم، أساسًا، على اختراع و"فبركة" الوقائع التي تتلاءم مع مقتضيات تلك الأجندة؛ ولو كان ذلك على حساب الواقع والمنطق معًا. غير أن هذا لا يثير لدى ذباب المخابرات العسكرية الجزائرية أدنى تساؤل. إذ هو أمر عادي بالنسبة لأذرع تضليل نظام قام على التزوير والدس والتدليس… إن المغرب يعرف جيدا أن ضغائن النظام العسكري الجزائري لن تتوقف في أي يوم من الأيام، لذلك ففي الوقت الذي يظل يقظًا تجاه دسائس هذا الوباء الجار، ( أقصد النظام العسكري البئيس بالذات)، فإن من حقه أن يعلن بكل ثقة: سقف بيتي حديد ،،، ركن بيتي حجر كما قال الشاعر العربي. 4- لا أحد يمكنه أن ينكر نجاحات الديبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة ، سواء في ما يتعلق بقضية الأقاليم الجنوبية أو في تحقيق مكانة محترمة للمملكة المغربية على المستوى الإقليمي والقطري والجيواستراتيجي . لقد حققت المملكة المغربية انتصارات متوالية ديبلوماسية وميدانية في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية . وإن الدور المحوري للديبلوماسية المغربية ليس من قبيل المبالغة وتضخم الذات، وليس من باب الصدفة أو المفاجأة، إنها تحصيل حاصل لمسار طويل وهادئ من العطاء الديبلوماسي المتواصل، فمن الواضح اليوم أن التغيير الجيواستراتيجي الحاصل في موازين القوى العالمية، حول المغرب إلى مركز ثقل ديبلوماسي لا محيد عنه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط والعالم بأسره، بما يتوفر عليه من موقع استراتيجي، واستقرار سياسي وموثوقية في المعاملات والمواقف، وقبل ذلك بما يحوزه من تاريخ عريق بملكية يسمح لها إرثها وتقاليدها وشرعياتها بأن تكون صانعة وقائدة للأمن والسلام . لقد قدمت دولتنا، عبر مؤسساتها السيادية منذ سنوات، نموذجا لسياسة خارجية مستقلة تستند إلى مبادئ وأسس واضحة تهدف من خلالها إلى الدفاع عن المصالح العليا للوطن، بكل حزم ووضوح، لكن دون المس بحقوق ومصالح الشعوب الأخرى، وظهر أن ملك المغرب بعزمه الصادق، الذي لا يلين، نجح في صنع رصيد ضخم من المصداقية الدولية، حتم عليه مواصلة الاضطلاع بدور قدر للملكيات المغربية أن تضطلع به منذ عقود بل منذ قرون . والحقيقة الواضحة للعيان أن هذا التوجه الديبلوماسي الناجح أكسبنا احترام الخصوم قبل الأصدقاء، وفي المقابل لجم وحجم أصوات دول معادية لمصالحنا وعمق من عزلة خصومنا الظاهرين والمستترين، والأهم أنه دفع حكام الجزائر ولعبتهم الانفصالية إلى الرهان الخاسر على أطراف ومحاور إقليمية تقودها إيران، لمحاولة تحريف التوجه الدولي والإقليمي المتبلور حاليا الذي يرجح كفة المغرب على كل المستويات…