لن تمر صور أمير قطر وهو يقفز فرحا، رفقة أفراد عائلته، ويعبِّر بشكل جياش غير متحفظ ولا يراعي البروتوكولات المفروضة على الحكام، بدون أن تترك أثرها في نفوس المغاربة أجمعين. هي من القوة بمكان تجعلها منحوتة على مرمر المونديال، وعلى أثيره الذاهب في كل مدى وفي كل بُعد. وهي فرحة صادرة عن رجل دولة تحتضن بلاده أكبر تجمع كروي تعرفه البشرية، منذ ميلادها.. لكنه لم يمتثل لواجب التحفظ العاطفي الذي يفرضه كثيرا المنصب والمسؤولية. لم يبد من خلال تلك الصورة المفعمة بالعفوية والتلقائية أنه يساوي بين الفرق، بالرغم من أنه أحسن وفادتها جميعا، بل ترك بلاغة الفرحة تفضح نزوعه العاطفي: مغربيا عربيا إسلاميا. لو فعلها مع فريق بلاده، لوجدنا أن بلاغة الفرح، جسد طبيعي من عنفوان الوطنية، وأن أبجدية المسرة، لا تخرج عن قاموس العالم المتداول كلما انتصر فريق ما لقميص وطنه، كلنا فعلها مع فريقنا، ووجدنا أنه يشترك معنا كسرة السرور، مثل ملايين المغاربة البسطاء، والعاديين ومثل ملايين العرب، أسوياء العاطفة وسليمي الأحاسيس. والواقع أنه من الممكن أن تكون تلك الصورة، صورة أيقونية لعلاقة قطر والمغرب في فرحة مشتركة، تميز فيها الأمير بعفوية فاقت الفرحات المغربية لكل أبنائنا، من البسطاء وغير البسطاء من بلداننا. هي مناسبة لتسليط الضوء والود أكثر على المشهد كله، وما جاء به مونديال قطر، ليس للمغاربة وحدهم في هذا العنفوان.. بل على ما يجعل الفرح بحدود الأرض الواسعة: من ساحل الصحراء إلى أطراف اللقب في ملعب الثمامة. قد يحكم الكثيرون على المونديال من قدرة التكنولوجيا على صنع خرائط مبهجة في الخيال، وما يستطيعه الذكاء الاصنطاعي في تقريب الخرافة من البشر المنتشرين في صحراء العرب، وأيضا بقدرة المال على تحويل الأرض كلها إلى مستطيل معشوشب تصنع فيه السعادة بالأقدام.. وأحيانا بمشاركة طيبة من ضربات الرؤوس!، لكني سأظل أحكم على كل مناسبات العالم بما أملكه من دموع جياشة وعواطف أقتسمها بسخاء مع الذين يقفزون فرحا معي ومع أهلي… حقيقة لم تكن صورة الأمير، وهو يرتفع قليلا عن أرض بلاده لكي يظهر فرحه جليا لكاميرا العالم ونراه من بُعد بعيد، هي اللقطة أو اللحظة الوحيدة التي ستميز هذا المرور الكروي في قلب الشرق الأوسط. وهنا، لن نعود إلى الأيادي المغربية الأخرى التي أبدعت في صناعة الفرح العالمي في قطر ومنحت البلاد المضيفة طمأنينة أمنية وفنية، تقنع بها العالم بأنها أرض صالحة لإنسانية واحدة وموحدة. كانت هناك مناسبات جيدة بأن تكون قطر مساءلة للكثير من الفراغات التي جعلت الغرب يحاكم الدول، بناء على قناعات معلنة لكنها غير مُقْنعة، على قيم مُقنَّعة بأسماء مستعارة مفترى عليها. من البداية لم يهتم المغرب بالحملات المناهضة لقطر في تنظيم المونديال باسم شعارات حقوقية تجد في الكثير من الأحيان آذان متواطئة، (جربناها كثيرا في قضايانا الوطنية) بل ساهم المغرب بقدر ما يمكنه من براعة في تأمين المونديال إلى حدود الآن، وهو يعرف بأن مشاركة أبنائه في الأمن المونديالي مغامرة كبيرة تضعه تحت المجهر.. لقد ساءل المونديال أيضا درجة قبول أو رفض القوى الغربية لقدرة غيرها والقبول بدولة عربية صغيرة الحجم ومحدودة الساكنة، على احتضان العالم ، وقدرتها على تنظيم ما لم يستطعه الأوائل؟ وإن كانت جاءت متأخرة إلى الكرة والرياضة بل إلى تكوين الدولة ذاتها. لا أحد يجادل في القدرة الهائلة لقطر على ممارسة سلطة مرنة ذات تأثير دولي، في مجال الرياضة، كما في مجالات أخرى غير رياضية..لكن الذي يثير التساؤل هو هذا الإصرار الغربي، ولا سيما الفرنسي، على القبول بها عندما تكون لفائدة فرقها كباريس سانجيرمان ورفضها عندما تكون لفائدة صاحب حقوق التأليف والملكية الرياضية فيها!!! لا أحد ربما سيذكر تلك المحاولات للمقاطعة أو التضييق على اختيارات الفنانين واللاعبين، بل سيذكر العالم الإتقان والقدرة على خلق واحة عربية للعالمين، بكل ما في المنطقة من اختلاف ثقافي وفكري وروحي.