لماذا ننتقد الأفلام؟ ولماذا نكتب عنها؟ هل من أجل الجمهور أم من أجل صاحب الفيلم نفسه ؟ هل من أجل الفهم و العلم أم مجرد ترويج للفيلم ؟ هل من أجل الاستفادة أم من أجل التطبيل لإنشاء علاقة منفعة ذات قنينة خمر و طاسه ؟ أم علاقة ود وفن وثقافة؟ هذه الأسئلة هي جزء لا يتجزأ من حياتنا الثقافية السينمائية، مهما كانت وجهة نظرنا ورؤيتنا للأفلام، فإننا من واجبنا الأخلاقي أن نسلم بمدى أهمية النزاهة الجمالية في نقد الأفلام المغربية حتى لا نظلم أحد من صناع أفلامنا فهم يبدلون مجهودا كبيرا في صناعة أفلامهم و إخراجها إلى الوجود، فهؤلاء لا يجلسون في المقاهي و يكتبون ما نكتب ونحن نحتسي فنجان قهوة، فهم يتعبون من أجل الدعم أو بدون دعم، يتعبون في التصوير و ما أشد تعب التصوير،وفي الأخير يقدموه لنا كمجهود فني، وهم يعرفون أننا كجمهور في الغالب عندما نشاهد فيلما نتفاعل معه بشكل أو بأخر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالكتابة عن الأفلام يجب أن نتوقف و نتساءل، لماذا نكتب عن أفلام السينما؟ وهل منا من نتساءل عن كواليس تصوير هذه الأفلام قبل أن يخط حرفا من وجهة نظره؟ في كتاب «Understand Film Studies» للكاتب «Warren Buckland» أن في النصف الأول من القرن العشرين، حاول منظرو الأفلام تبرير الدراسة النزيهة للسينما بالقول إنها شكل مشروع من أشكال الفن. ونحن نعلم أن العمل الفني هو الذي يثير فينا انفعالا خاصا يسمى «بالانفعال الجمالي» هذا الانفعال هو نوع من العاطفة نشعر به عندما ندرك أو نتذوق الفيلم جماليا، فالأشياء الجميلة وحدها من تثير فينا هذا الانفعال، والفيلم فيه فنون، قد يكون الشكل الدال الذي هو الصورة و الموسيقى التصورية ضعيفا، وقد يكون التمثيل الذي تقصد به الموضوع جيدا، وقد يكون الديكور و الملابس و الماكياج رائعا، فلا يوجد فيلما رديئا بصفة عامة، لذلك فالعديد من الأفلام لم تحصل على أية جوائز، ولم تكن عالمية، لكنه كفن أثار فينا انفعالا جماليا، يتميز بالمتعة والانفتاح الخيالي والحدس المعرفي ومليء بالدفء الإنساني و الأمل والعديد من المشاعر الإنسانية التي لا يمكن وصفها. مازال السؤال في ذهنكم عن معنى النزاهة الجمالية؟ في كتاب «writing about film» للمؤلف «Timothy Corrigan «ذكر أن قبل بضع سنوات ان الكاتب الفرنسي «كريستيان ميتز «عن تجربته في حقل السينما، حيث راح يصف تحديا ما انفك يواجه دارس الأفلام حتى اليوم، فقال «جميعنا يفهم الأفلام السينمائية ولكن كيف يتسنى لنا شرحها؟» أو بمعنى أخر حسب سياقنا في السينما المغربية، ماهية المصداقية التي سنكتب بها عن أفلام سيقرأ عنها الجمهور السنفيلي؟ عندما نتحدث عن دراسة الأفلام فهذا معناه اكتشاف الصفة التي تجعل الفيلم فنا، أي الانفعال الجمالي الذي أثاره فينا من خلال كل العناصر الحسية التي تدخل في صناعة الفيلم،من الصوت والصورة و الديكور والمكياج والملابس و الحوار والموضوع و تجسيد الأدوار، و هذا الاكتشاف لا يمكن إدراكه من المشاهدة الأولى للفيلم، سواء ذهبت للسينما واشتريت التذكرة أو دعوة من صديقك المخرج او المنتج لحضور العرض ما قبل الأول. لماذا؟ لأن منهج اكتشاف هذه الصفة هو التجربة الجمالية، وهذه التجربة قائمة على الاختبار و هذا الاختبار بكل بساطة يرتكز على الإدراك الحسي للانفعال الجمالي الذي حركه فيك هذا الفيلم أو ذاك ويأتي هذا عن طريق الخبرة الجمالية، وهذه الخبرة متوفرة لذا الجميع بدون استثناء لأنها ذاتية، فلو سألت أمك عن فيلم «أمنا الأرض» ستدمع عينيها ليس لأنها تفهم في السينما بل لأن الفيلم أثار فيها انفعالا معينا، ولو سألت أحد المراهقين عن أغاني الراب سيخبرك بكل بساطة أنها تحاكي واقعه المعاش بطريقة و أخرى وهذا يسمى انفعالا، ومن منا لم ينفعل مع أحداث فيلم «تيتانيك» أو فيلم «الشعلة»،أو الفيلم المغربي « البرتقالة المرة «تمة انفعال جمالي في كل صورة وصوت وفي كل لون وفي كل دور و في كل حوار وفي كل قصة و حكاية، فحتى لوحة «لموناليزا» فشكلها الدال ما هو الا خطوط و ألوان أما ما تمثله لنا فهي موضوع «امرأة» فكل منا سينفعل جماليا بطريقة أو بأخرى. ولكن ماذا عن النزاهة الجمالية؟ فهي بكل بساطة أن تنتقد و تكتب عن الأفلام من أجل ذاتها كأفلام، أي بمعنى أن تتذوقها موضوعيا وهذا ما يسمى بالنزاهة الجمالة الناتجة بكل بساطة عن شعور الجمهور أو الكاتب بهذا الانفعال الجمالي العفوي الصادق اتجاه كل مشهد وكل لقطة منذ بداية الفيلم إلى نهايته، فالجمهور يعي تماما هذا بشكل طبيعي بدون فلسفة فهو الناقد و السنفيلي الوحيد الذي سيكحي لك عن مئات الانفعالات الجمالية في الأفلام التي شاهدها لأنه إنسان ، يرى ويفهم و يتفاعل مع ما يشاهده كفرد، يتفاعل حسيا بما يرى و يسمع بطريقة و بأخرى. ويبقى السؤال الذي سيكرر نفسه عند كل كتابة عن السينما، لماذا نكتب عن الأفلام؟