بعد انتخابات الجماعات الترابية و»تشكيل» مكاتب المجالس واللجن وإعداد مشاريع الميزانيات الترابية والتصديق عليها لنا أن نتساءل، هل النموذج التنموي الوطني الجديد أصبح هو خارطة الطريق الملزمة للأحزاب – التي يفترض فيها أن تؤطر المؤسسة التشريعية والتنفيذية وتنزل برامجها التي التزمت بها في حملاتها الانتخابية – خارج اجتهادها وبدائلها التي قد تكون غير منسجمة أو مخالفة لفلسفة إعداد النموذج التنموي الجديد بأبعاده الوطنية في علاقة بالجماعات الترابية المحلية والإقليمية والجهوية ؟ ولنا أن نتساءل عن نصيب الجماعات الترابية من البرنامج الحكومي للولاية الحكومية الحالية والقانون المالي للسنة المالية 2022. وعن علاقة القرارات الصادرة عنها مع توجهات النموذج التنموي الجديد ترابيا ؟ وهل الإجراءات والتوجيهات الحكومية على مستوى التخطيط والبرمجة متجاوبة ومتكاملة مع مخططات الجماعات الترابية في علاقة بالسياسات العمومية ولو كان البعض منها يوجه ويوقف ويحد من بعض اختصاصات وأعمال الجماعات الترابية وفقا للقوانين التنظيمية …؟ وما مستوى تأثير التحولات والمستجدات والإكراهات المتوقعة وغير المتوقعة على السير المأمول لتنزيل النموذج التنموي الجديد ترابيا…؟ وهل المذكرات والدوريات التي توجه من الوزارات إلى قطاعاتهم ستساهم في ضمان نجاعة تدبير» هذه المرحلة الانتقالية التي يسجل فيها ارتباك وسطحية في تدبير الحياة العامة للجماعات الترابية في علاقة بملفات وموضوعات الساكنة والتنمية، ولتحصين احترام مبدأ فصل السلط، ولتجنب الخلط بين المسؤولية العمومية والمصالح الشخصية؟ وهنا سنركز، على سبيل المثال لا الحصر، على: (1) دورية وزارة الداخلية المتعلقة بالميزانية برسم السنة المالية 2022، المتعلقة بمدى تطبيق الجماعات الترابية لتوجيهات دورياتها في علاقة بقرارات البرمجة والأمر بالصرف في مجال التسيير والتجهيز والأعمال الإدارية والخدماتية التي نجملها في ما يلي: – ورش الرقمنة وإضفاء الطابع اللامادي على عمليات الجماعات الترابية- النجاعة في وضع الميزانية وفق توقعات صادقة ووضع مشاريع وبرامج على أساس البرمجة المتعددة السنوات وتحسين الأداء ونجاعة التدبير المالي.. مع ترشيد نفقات التسيير والتجهيز ومنها مصلحة النفايات المنزلية وغيرها وصيانة تجهيزات الجماعة..- تطبيق القانون الجديد للجبايات لتحسين المداخيل – تطبيق القانون الجديد المتعلق بنظام الأملاك العقاري للجماعات الترابية.. – تحسين أداء الجماعات الترابية – اعتماد نظام للمحاسبة خاص بالجماعات الترابية .. – ترشيد نفقات التجهيز بالحرص على الرفع من نجاعة الاستثمارات وإعطاء الأولوية للمشاريع التي توجد قيد الإنجاز، والتي هي موضوع اتفاقيات مبرمجة مع مؤسسات وطنية أو دولية.. – اختيار المشاريع الأكثر مردودية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي … (2) ودورية وزير الداخلية الصادرة في 17 ماي 2022 مع دورية إعداد الميزانية التي جاءت لإثارة الانتباه في ما يخص مبادئ وقواعد التدبير الأمثل في علاقة بالنجاعة، فذكرت بالتوجيهات وأضافت ماهو في حكم تحصيل الحاصل، أي عدم الالتزام بأي نفقة جديدة قبل التأكد من التزام الأطراف المتعاقدة بدفع مساهماتها المبرمجة، ومنح الأفضلية للعروض المقدمة من طرف المقاولات الوطنية والتعاونيات واتحاد التعاونيات والمقاول الذاتي، وإعطاء الأولوية للمواد والمنتوجات المغربية … واحتياطيا ولتجنب عدم امتثال الجماعات الترابية لما تنص عليه القوانين التنظيمية والقوانين المتكاملة معها وكذا ما في الدوريتين، اللتين تبينان مسؤولية العمال والولاة من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى وفق الاختصاص للقيام برقابة على مقررات مجالس الجماعات الترابية والقرارات والأوامر بالصرف المرتبطة بشقي الميزانية – التسيير والتجهيز – التي يفترض أن لا تعتمد إلا بعد موافقتهم الرسمية: (..أهيب بالسيدة والسادة الولاة والعمال باتخاذ الترتيبات اللازمة من أجل تفعيل هذه الدورية والحرص على التقيد بالتوجهات المشار إليها أعلاه في إعداد ميزانيات الجماعات الترابية..)، وبنفس التأكيد تختم دورية ماي توجيهاتها وتضيف للجماعات الترابية، (..المدراء العامين وشركات التنمية وشركات التهيئة ووكالات تنمية العمالات والأقاليم وصناديق الأشغال والوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء والوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع مع التأكيد على الحرص الشديد على تنفيذ مقتضياتها)، وقبل هذه الفقرة نصت على: «.. هذا ومن أجل تبسيط المساطر وتقليص آجال أداء مستحقات المقاولات وجب إلغاء إدراج هذه النفقات في لوائح تعرض على السادة ولاة الجهات وعمال عمالات وعمالات مقاطعات وأقاليم المملكة أو إلى المصالح المركزية لهذه الوزارة قصد دراستها كما كان مشارا إليه في الدورية المذكورة بالمرجع حول التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية برسم 2020». إن الدوريات عمليا لا تصدر إلا للتذكير والتفسير وإثارة الانتباه والتأطير ولا تحل محل القوانين أو تلغيها وفقا للتراتبية القانونية وذلك ل: – تجنب بعض الانزلاقات في التدبير بسبب عدم فهم واستيعاب بعض المنتخبين لحدود سياسة تدبير الشؤون المحلية وعدم تقديرهم لموقعهم ومكانتهم في الدستور والقوانين الذين يوضحون علاقاتهم بالشؤون الترابية والمؤسسات الأخرى وحدود وطبيعة مسؤولياتهم ..-وللفصل بين ما يجب أن يعتمد قانونيا وبين رغبات وقناعات سياسوية في إطار التدبير اليومي، التي تمس بروح التشريعات وبجوهر مبادئ التكافؤ والمساواة والنجاعة والشفافية والعدالة في التعامل مع الساكنة والمرتفقين والمرتفقات والقطاعات العمومية والخاصة – ولتحصين الحكامة الصادقة في كل عمليات التدبير والتسيير والصرف والتنمية المستدامة… كما أن موضوع آليات وطبيعة ضوابط العلاقة بين المنتخبين والسلطات المحلية والعكس صحيح تحتاج إلى مذكرات ودوريات لتجديد وتحديث تكوين المنتخبين والمنتخبات ورجال ونساء السلطة لتحديد المسؤوليات لعقلنة أدائهم ولتقوية الهيبة الديموقراطية المؤنسنة للمؤسسات التي هي مجال وموضوع متابعة للرأي العام والقوى الحية والحقوقية والمنابر الإعلامية، وهذا هو عمق الإصلاحات الدستورية والحقوقية التي يفترض أن تصبح واقعا وجزءا من الحياة العامة بكل الإدارات وبتراب الجماعات … إن ما وراء سطور الدوريتين يتطلب من رؤساء الجماعات من جهة ووزارة الداخلية التوفر على تقييم موضوعي وعلمي لحصيلة التسعة أشهر من الولاية الانتدابية الترابية من شتنبر 2021 إلى ماي 2022 في علاقة بتسليم السلط التي يفترض أن تكون سجلاتها تعكس الواقع المالي والإداري والتنظيمي .. بما يضمن للمنتخبين الجدد السير على مسار واضح ومنضبط لروح القانون والمسؤولية التمثيلية للسكان الذين هم من الأمة، ذلك أن خدمتهم بصدق وعدل ونزاهة وجه من أوجه الوطنية الحقة.