الأمة الإسلامية تصوم شهر رمضان برؤية هلاله وتنهيه بولادة شوال، والصيام ركن من أركان الإسلام، ويصوم البعض من الناس الأيام البيض وكل سبت وخميس وعاشوراء و… وما يعنينا هنا هو الصيام بمعنى الامتناع الجزئي عن الأكل والعديد من ضرورات العيش السليم، والذي ليس من الأركان ولا السنن ولا المندوبات، بل لأنه نتيجة لسياسات معتمدة منتجة لأوضاع اقتصادية واجتماعية توسع مجالات صيام الفقراء والمساكين والكادحين والمشردين و…الذين واللواتي يمتنعون مضطرين عن تناول أغلب الأطعمة والأشربة والألبسة طوال «السنة»، إن منهم اللواتي والذين لم يجدوا عملا ولا دخل لهم، أو أجورهم هزيلة، أو يمارسون حرفا ومهنا عائداتها لا تستطيع حتى الاستجابة للحاجيات الدنيا لاستمرار عملهم…، إنهم الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت ومنعتهم عزة النفس أن يمدوا أيديهم لمن هب ودب ممن يسرت لهم الأوضاع أن يصبحوا أغنياء وأثرياء و…، إنهم الذين إن مرضوا لا يستطيعون تحمل مصاريف التطبيب، والذين لاسلطة لهم ولانفوذ ولاتنظيم لتسمع كلمتهم ومطالبهم ومعاناتهم مع الفقر المدقع، إنهم الذين يتألمون لأحوالهم أكثر مما يفرحون عندما يفتكرهم قريب أو «محسن» بصدقة أو عطية… إنهم الطبقة الشعبية الكادحة التي يستغل فقرها في أزمنة الانتخابات والحروب والجفاف والمجاعات، وبحفلات إحسانية باسم مآدب الرحمن، أو مواسم الألوياء والصالحين، أو للترحم على أرواح آباء وأمهات وأقرباء، إنهم الذين تستغل أوضاعهم البئيسة لجمع التبرعات لهم ولأبنائهم للعلاج أو شراء أدوات التمدرس وتوزيع ألبسة مستعملة في مناسبات مختلفة… إنهم الذين يصومون السنة كلها رغم تناولهم لما تيسر من الطعام على هزالته، ويفترشون ويتغطون بما لايمنع بردا ولايحمي عظما في بيت لاتتوفر فيه شروط سكن لائق لفرد ناهيك عن أسرة متعددة الأبناء، والتي قد تكون غرفة واحدة ومرحاضا مشتركا ولاربط بالماء ولا بالكهرباء… إن غايات هذا الشهر الفضيل لاتعني إطلاقا أن يشعر فقط الأغنياء ومن في حكمهم بجوع الفقراء والمحتاجين ليتضامنوا معهم، ولا يعني تكريس الفقر والعوز والبؤس الاجتماعي كي يحصل «المتصدق» أو«المحسن» على مكان في الجنة وأن يحظى برضى الخالق، فليس من أهداف الإسلام الإبقاء على الفقر وأسبابه كي لا ينقطع الأجرعن المتصدقين وكأن الفقراء خلقوا ليفوز الأثرياء بخيرات الدنيا والآخرة.. إن حفظ كرامة أبناء آدم وعزتهم ومكانتهم الإنسانية التي وهبها لله لهم دون تمييز أو سياسة طبقية تتسبب في التفقير وتتستر على نتائجها وتداعياتها بالإحسان الذي يفرز وضعية لا تسر من يرى آثارها على الأفراد والمجتمع… لهذا فأفضل صيام في كل أشهر السنة هو أن تصوم السياسات عن كل القرارات والتوجهات التي تزيد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء، وأن يكون للناس نصيب مما سخره لله لهم من ثروات وخيرات تغنيهم عن التسول وانتظار الصدقات وأن يعيشوا مكرمين منعمين.. (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا.) الإسراء.