«شَهْرُ رَمَضَانَ 0لَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ 0لْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ 0لْهُدَىٰ وَ0لْفُرْقَانِ ..» البقرة. 15 قرنا مرت على افتتاح الرسالة السماوية المحمدية ونزول الوحي والقرآن الكريم، ونحن على مشارف 1441شهرا صامها المسلمون مازلنا نطرح أسئلة وإشكاليات وقضايا بسطها وشرحها الرسول الكريم، وتفاعل معها الخلفاء الراشدون الأربعة، وأثارها بعض الصحابة، وفي كل عقد وحقبة يأتي من يعيد طرحها ويجدد فهمه لها أو يلبسها أفكاره الخاصة أو يحرف معانيها وأهدافها، الجميع حقيقة ومجازا يبحث عن أسباب ما هي عليه الأوضاع القائمة في زمنه ويسن تشريعاته الخاصة جدا ولا يهتم أوافق المبادئ أو خالفها، ولا تعنينا هنا الفتوحات الدعوية والعسكرية، أو قوة الحاكم وقدرته على إخضاع الجميع لآرائه وخططه السياسية وغطائها المذهبي … إن مرجعية الأسئلة المتجددة طوال القرون الماضية مقتبسة ومستمدة من الأسئلة الرسالية الأصلية بعمقها الروحي الديني والمادي والعقلي المبنية والمستخرجة من القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة، والغاية ليس تقديم الأجوبة بل إثارة انتباه اليقظة البناءة للنخب المثقفة الواعية ومنهم الفقهاء والعلماء، ومساءلة مستوى مصداقية أجوبتهم وجرأتهم في الصدح بالحق والصدق …. : ما الحكمة في نزول الوحي في شهر رمضان قبل فرض الصيام؟ لماذا لم تتحقق حكمة ومنهج الإسلام كما وضعت في القرآن والأحاديث في المجتمع والدولة بإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والمساواة، والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، والأخوة والمحبة والتعاون والتكافل …وكما جاء في الحديث:( المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا،)، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه، رواه البخاري؟ لماذا تحولت آراء واجتهادات فقهاء وعلماء إلى مذاهب أصبحت مرجعا أكثر من الكتاب والأحاديث الصحيحة ووظفت كآليات للتحكم والإخضاع وإكراه الشعوب والناس، والتكفير والانقلاب على الحكم، ..(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فكما أنه لا إكراه في الدين فلا إكراه في السياسة والمذهب والفكر والاختيارات…؟ لماذا لم نستطع طوال هذه القرون أن نصبح فعليا خير أمة أخرجت للناس بسلوكنا وسياساتنا وعلاقاتنا في ما بيننا ومع البشرية جمعاء بغض النظر عن دينها أو لونها أو عرقها أو موقعها الاجتماعي؟ لماذا لم ننجح في أن نكون أمة واحدة متعددة الثقافات والخصوصيات واللغات والأعراف دينها الإسلام وكتابها القرآن ومنهجها الأحاديث النبوية الصحيحة القوية متنا وسندا وعقلا وغير متعارضة مع روح القرآن ونصوصه، نأمر بالمعروف والعدل وننهى عن المنكر والظلم؟ لماذا لم نشتغل ونوظف قيم العدالة لتحقيق تنمية ونهضة علمية واقتصادية واجتماعية شاملة تهم الثروات البشرية والمادية الطبيعية والصناعية والمعرفية والعلمية لمصلحة الشعوب وظروف عيشها وكرامتها وحريتها ولنكون قوة اقتصادية ومالية وسياسية عالمية تشكل قطبا يجسد القيم الإسلامية الكبرى، التي تنص وتؤكد قولا وعملا ظاهرا وباطنا على كرامة بني آدم بالتزام تام مستدام؟ (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (الإسراء، فلماذا يحتقرون ويهمشون ويستغلون ويستعبدون من إخوانهم في الدين أكثر من أعدائهم وخصومهم؟ لماذا لم نتمكن طوال هذه القرون وخاصة بعد التقدم العلمي والتكنولوجي والتواصلي، من أن نوحد التقويم الهجري في رؤية الأهلة ؟ لماذا الأمية بمختلف أنواعها متجذرة في أمة إقرأ؟ ولماذا يسود الفقر والتخلف والجهل في مجتمعاتنا؟ ولماذا تنتشر وتتقوى عادات وتقاليد يقدسها البعض، وهي من جنس ما حارب ونهى عنها وحرمها الإسلام ومنعها وواجهها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ فأين نحن من قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ الأحزاب ، و : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ النساء . إن ما نحن عليه الآن هو نتاج ل: ما فعلته «تأويلات و» اجتهادات «بعض علماء المسلمين وبعض التيارات «الأصولية والمتطرفة»، التي أثرت على الثقافات الإسلامية والإنسانية حيث وضعت إضافات هي مجرد آراء فقيه حولها أتباعه وأنصاره إلى مذهب اعتمده حكام تعصبوا له وألزموا الناس به وبالمسائل الخلافية حسب هواهم حتى داخل نفس المذهب وجعلوها مرجعا أساسيا مقدسا يفسر ويؤول به الكتاب المقدس نفسه، وحتى ما صح من أقوال الرسول، فكفر وقتل وسفه بعضهم بعضا ، فذهب ضحية ذلك بالإقصاء والإبعاد والاعتقال والتعذيب والقتل علماء وفقهاء كبار في كل المذاهب في كل العصور، فعطلوا الاجتهاد المحقق لجوهر الإسلام وأجهضوا ومنعوا حركات الإصلاح والتطور الدينية التي يفترض فيها أن تجدد الفهم والتفسير والتشريع في علاقة بالتطور والتقدم العلمي اعتبارا إلى أن الإسلام يهم كل الأجيال إلى أن تقوم الساعة، ويرى أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ويحث على التفكر والتدبر والاجتهاد والعمل كمدخل لبناء المجتمع القوي المنشود … فكم من رمضان نحتاجه بعد 1443 سنة من نزول أمر «إقرأ» ونحن لم نتعامل مع هذا الأمر بما يلزم من الفهم والجدية العملية في كل مناحي وتفاصيل حياتنا التي تحتاج إلى معرفة متنوره علمية ورصينة تليق بأمة إقرأ؟ وعلى كل حال فرمضان مبارك كريم، لكن أمتنا الإسلامية تحتاج إلى أن ترقى لتكون مباركة كريمة وأن تستحق أن تكون خير أمة أخرجت للناس.