لا شك أن إنقاذ الموروث الديني من الانحرافات الفكرية والخرافات والتي تتعارض مع ما جاءت به الأديان وجاء به الرسل،من مبادئ وقيم فاضلة كالحرية والمساواة بين الناس، وكذلك ما قامت عليه الحداثة من قيم الديمقراطية والدولة المدنية والوعي السياسي،لمن التوجهات التي مازال المثقفين يدافعون عنها بكل استماتة من خلال كتابات متواصلة من أجل تحرير العقل ،و الهدف دائما هو الرقي بالمجتمع و تخليصه من الأساطير التي تكبح تطوره و لا تزيده إلا انغماسا في وحل التخلف ،وقد قامت عملية نقد التراث في العالم الإسلامي في فترات سابقة و تبنى هاته العملية أعلام كبار كالشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا، وقد صبت نقدها على كل الموضوعات المتلبسة بلباس الحديث النبوي المبثوث في كتب الحديث والتفسير، وكذلك بحق تقديس أقوال الفقهاء التاريخيين، والعمل بها حتى الآن،فنبهت على ضرورة تطهير الفكر الإسلامي من مخلفات التاريخ وعبث يد السلطة التي امتدت ظلالها عليه، لقد بدأ نقد التراث بحركة النهضة التي قادها هؤلاء في القرن الماضي، واستمرت تلقي بظلالها على الواقع الثقافي والديني للمسلمين حتى الآن،وقد تخصص فيه مجموعة من مفكري شمال أفريقيا مثل محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد أركون ومصطفى بوهندي...،و يأتي الكتاب الذي نحن بصدد تقديم قراءة حوله ) البخاري نهاية أسطورة ( لصاحبه الأستاذ رشيد إيلال،كإضافة لهذه النوعية من مشاريع النقد و التحليل للنصوص الدينية أبرزها تلك الأحاديث والتفاسير التي تخالف المنطق و العقل و القرآن في كثير من المواضع ، فالكاتب إختار هذا التوجه بكل مسؤولية ،آخدا سلاح النقد و الدراسة للجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه و أيامه الشهير بالجامع الصحيح ،أو ما يطلق عليه ب صحيح البخاري . لا نبالغ اذا قلنا أن كتاب البخاري نهاية أسطورة غزير من حيث الكم الهائل للمعلومات ،و لا شك أن المهتمين بهذا المجال سيكون هذا الكتاب محطة من المحطات اللازم التوقف عندها ،كتاب متوسط الحجم ،عدد صفحاته 283 صفحة،نشرته دار الوطن طبعة أولى.2017. الكتاب يتألف من تصدير و مقدمة وخمسة فصول وهي : · الفصل الاول : آفة تدوين الحديث . · الفصل الثاني :آفة علم الحديث. · الفصل الثالث :أسطورة البخاري. · الفصل الرابع :سقوط الأسطورة. · الفصل الخامس :من ألف صحيح البخاري؟ يستهل الكاتب كتابه بتقديم عام، يتناول من خلاله وصف الحالة التي يعيشها العالم الاسلامي اليوم ،من حركة غير مسبوقة في إنتقاد التراث الديني ، خصوصا المتناولة لمرويات رسول الله ﷺ بالمناقشة و التحليل و التمحيص على اعتبار أن هاته المرويات حملت تناقضات و خرافات تعارض في كثير منها مقتضيات العقل من جهة، و من جهة أخرى معارضة للنصوص القرآنية، وقد اعتبر صاحب الكتاب الأستاذ رشيد إيلال ،أن هذا النقاش انتقل من الوسط الثقافي البحثي الى الوسط الديني ،مما دعى المؤسسات الدينية إلى التعامل مع هاته النصوص التاريخية ألا قدسية لها ومناقشتها و تمحيصها بالآليات العقلية التي يتم تمحيص النصوص التاريخية بها ،الشيء الذي ساعد هاته الحركات الفكرية بخصوص إنتقاد التراث الديني ،إالى الاستعانة بكل الوسائل و التسلح بالوسائط التكنولوجية من أجل التعرف على الماضي و التحقق من مصداقية الروايات التاريخية . لاشك أن كتاب الأستاذ رشيد إيلال ) البخاري نهاية أسطورة ( ،وكغيره من الكتب التي لاقت إقبالا من القراء ،لاقت كذلك إنتقادات كثيرة، لكن هذا لم يمنع صاحب الكتاب الأستاذ رشيد إيلال إلى الإصرار بالقول ،على ان صحيح البخاري يحتوي على أحاديث مناقضة للعقل و العلم و القرآن مما جعل الكتاب، أي صحيح البخاري مثار جدل على مر التاريخ، وأن المدافعين عنه من الفقهاء و الشيوخ الإسلاميين لا يقدمون الحجة بالحجة بل يفسقون ويكفرون و يزندقون كل من ينكر أحاديث هذا الكتاب حتى ولو عارضت متونها كتاب الله ، فصار الكتاب فوق النقد و فوق العلم ،فكتاب صحيح البخاري يحمل الكثير من الكوارث الخطيرة منها ما يسيء إلى مقام الألوهية و النبوة و المرأة و الإنسان بوجه عام حسب قول الكاتب. إن كتاب ) البخاري نهاية أسطورة ( زاخر بالمعلومات القيمة التي هي في حقيقة الأمر تحتاج إلى تأمل وبحث و دراسة ،فقد تناول فيه صاحبه عناوين فرعية ،كما دعم قوله بمجموعة من المخطوطات القديمة ليخلص أن مؤلف كتاب صحيح البخاري مجهول الهوية ،و لا تربطه أية علاقة بالشيخ محمد ابن إسماعيل البخاري. إن الاطلاع على فهرس الكتاب ينبئ عن غزارة في المادة و قوة الفكرة تدعو المهتمين الى الرجوع و التبصر فيما قاله محمد عابد الجابري ،و دعا اليه العروي ،و توقف عند أركون فيما يخص نقد التراث الاسلامي و مراجعته ، سيما أن العصر الذي نعيش فيه لم يعد يقبل بالبث و المطلق أن يتقبل الناس الأساطير و الخرافات التي تستهدف بالأساس عاطفة الناس لتمرير إيديولوجياتهم . إن الظروف التي نشأت عن تدوين الحديث على اعتبار أن الحديث وحي كان مرادفا للقرآن كما يعتقد الناس، و أن رسول الله ﷺ أمر بتدوينه غير أن الحقيقة تقول عكس ذلك ،فهناك أحاديث تؤكد منع تدوين كلام رسول الله ﷺ بالإضافة إلى بعض الأثار عن صحابته و الخلافاء الراشدين ،وهنا يستحضر الأستاذ رشيد إيلال رواية مسلم و الترمذي و النسائي و الدارمي )شيخ البخاري( -)من حديث عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ( 1. وأن أبا بكر الصديق جمع الناس بعد وفاة النبي ﷺ فقال : ) إنكم تحدثون عن رسول الله ﷺ أحاديث تختلفون فيها و الناس بعدكم أشد إختلافا فلا تحدثوا عن الرسول ﷺ شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا و بينكم رسول الله (2 ،وورد في طبقات بن سعد أن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها3،وهناك روايات أخرى للحافظ بن عبد البرّ والبيهقي و ابن عساكر تتحدث عن آفة التدوين كما تناولها بالتفصيل الأستاذ رشيد إيلال 4. يتمتع رواة الحديث و مدونوه و محققوه بعقلية تسمح لهم بأن يجيزوا لأنفسهم تدوين و الدفاع و الدراسة و تقعيد المصطلحات ،و هم على علم أن رسول الله ﷺ نهى عن تدوين ما قاله ،وهنا يطرح الكاتب سؤالا في غاية الأهمية وهو : لماذا تأخر تدوين الحديث 100 سنة على وفاة رسول الله ﷺ؟ وهنا يستند الكاتب بمجموعة من الأحاديث ذات الصلة وبمختلف المرويات ،منها ما ورد في صحيح الجامع 8100/6469/2199/8030 ،و صحيح البخاري 1283/4739/2548، و صحيح مسلم 2699/817/803/81/2701، وبالاستناد إلى هاته المراجع يستغرب الكاتب من تقديم الرواة الأحاديث المروية على كتاب الله المقدس و هو القرآن . لاشك أن هاته الأحاديث قد تسربت إليها خرافات و طوام مازالت أمتنا تدفع ثمنا غاليا، لقد قدم الكاتب مجموعة من الأعذار الواهية التي يتسلح بهام مدونوا الحديث 5، فإذا كان القرآن هو أصل من أصول التشريع بالاتفاق فكيف جاز لهؤلاء القول بأن السنّة قاضية على الكتاب، بل أبعد من ذلك ،هناك اعتقاد من الكاتب أن هاته المرويات المأثورة عن النبي ﷺ في غالبها العام ظنية الثبوت بل و تتعارض جملة و تفصيلا مع القرآن ،و يقدم أمثلة كثيرة منها قوله ﷺ : ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم بحق الإسلام وحسابهم على الله( رواه مسلم و البخاري 6. وهذا يتعارض مع قوله تعالى : ) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(البقرة الاية 256 ، قوله تعالى : ) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (الكهف الاية 29 ،فإذا كانت السنّة قاضية على الكتاب كما استند على ذلك الكاتب بقول الدارمي في سننه و الزركشي في كتابه البحر المحيط ،بهذا العمل أصبحت السيادة المطلقة للمرويات على كتاب الله عز وجل، و بالتالي لم يعد له أي دور في حياة الناس إلا لطرد الشياطين و دفع الأمراض و إبعاد العين و الحسد أي انهم ربطوه بالخرافة و جعلوا منه وسيلة للاسترزاق، في حين أن كتاب الله جاء نبراس حياة و هدى و منجاة لنا من الضلال. إن تمزق الأمة الاسلامية إلى شيع و مذاهب في نظر الأستاذ رشيد إيلال جعلها تدخل في حرب سماها حرب المرويات 7 ،فهاته الطوائف بحثت عن موقع لها من مرويات تعضد به مذهبها ،لما لم يجدوا ما يسعفهم و يحقق أغراضهم في كتاب الله ،فكثرت الأثار و المرويات المنسوبة للنبي ﷺ التي إبتدعها و إختلقها كل مذهب لتعزيز موقفه الديني أو السياسي، سيما بعد بزوغ التعصب الديني للعرقيات و الأفكار و التوجهات السائدة أنذاك. وفي الفصل الثاني من كتابه البخاري نهاية اسطورة يعود الأستاذ رشيد إيلال ويقف عند آفة سماها بآفة علم الحديث مستخلصا أن الحديث لم يكن علما لإعتبارات كثيرة، فالعلوم تطلق عادة على كل معرفة إنسانية إستوفت شروط محددة حتى يطلق عليها لفظ علم و أهم هذه الشروط : 1. وحدة الموضوع 2. المنهج 3. التجربة و قابليتها لإعادة الانتاج ليخلص إلى أن رواية الحديث هي رواية نسبية و لا تحتكم الى الشروط السالفة ،كما أنها مبنية على الظن و الرأي و أن علم الرجال مجرد أكذوبة و خرافة لا علاقة لها بالمنطق و العقل و المنهج العلمي الصائب الراجح ،فهناك رجال وتّقهم البخاري و ضعفهم أخرون و العكس أيضا، كما أن هناك تجريح و تعديل الرجال حسب الأهواء و المذاهب، فرجال السنّة الموثقون لدينا يضعفهم الشيعة و العكس، و هنا سؤال في غاية الأهمية هل كل الصحابة عدول يتساءل الكاتب ؟و هل كلهم أتقياء وفي مرتبة واحدة ؟ أم هم أصناف وأنواع؟ ولمن يقدس الصحابة ما عليه إلا قراءة سورة التوبة المسماة بالفاضحة، فقد ورد فيها الكثير من الانتقادات لهم، بالإضافة إلى قصة أخرى أوردها زكرياء أوزو في كتابه جناية البخاري 8. ورأي الخليفة عمر ابن الخطاب في الصحابي الجليل ابي هريرة ،إن أعظم جناية جناها الحديث هي التسبب في هجر كتاب الله ،ليحل محله على مستوى التشريع و العقيدة و العبادات حتى أصبح لدينا دين أخر مأخوذ من الحديث ،لا علاقة له بالقرآن، بل إن الحديث إتهم القرآن بالنقص و الزيادة و التحريف غير ما مرة في مرويات تعج بها كتب الحديث، فكانت الجناية العظمى التي اورثها إيانا الحديث ،هو تغييب كتاب الله من المشهد الديني تغييبا يكاد يكون تاما إلاّ من بعض المظاهر و الطقوس الشكلية و المرتبطة بالخرافات،وللدفاع عن هذا الطرح اعتمد الكاتب مصادر من صحيح مسلم و البخاري 9، و بالتالي يكون الأستاذ رشيد ايلال من خلال هذين الفصلين، قد عالج المشاكل المتعلقة بتدوين الأحاديث و كيف كان الصحابة يتورعون عن كتابتها و يمتنعون عن تدوينها، و كيف صار الخلفاء الراشدون على نفس النهج المأمور به من طرف الرسول ﷺ من عدم التدوين ،ثم الظروف التي واكبت عملية التدوين و شجعت عليه ،و الآفة التي تسبب فيها تدوين الحديث ثم آفة علم الحديث و ما جناه على الاسلام والأمة ،و كيف سحب القرآن من معترك الحياة لتحل محله المرويات . إن الجدوى من البحث في شخصية البخاري ،وكيفية إنتقال هذه الشخصية من شخصية عادية إلى شخصية أسطورية ،و كتابه الصحيح المنسوب إليه، لمن باب إهتمام الكاتب رشيد ايلال، بنقد الموروث الديني الذي ورثناه عن آبائنا و أجدادنا من غير مشورة منا ،و ملامح شخصيته و الغلو فيها و رفعها إلى مقام الأنبياء ،كذلك العوامل التي أسهمت في ذلك، عارضا الكاتب العديد من النصوص التراثية التي جعلت من البخاري شخصية أفضل وأقوى حتى من الرسل والأنبياء، وكتابه المنسوب إليه ورفعه كذلك إلى مستوى القرآن، فإن الشخصية لم تعد ملكا لنفسها ،بل أصبحت ملك لكل الباحثين و الدارسين و النقاد لينبشوا فيها و يقفوا حول حقيقة ما يثار حولها وما مدى صدقية ما أثير عنها من أثار و مديح و أحلام ،و إضفاء نوع من الخرافة و القدسية و البطولة ،و هنا يستحضر الأستاذ رشيد إيلال بما قاله الإمام الحافظ ابن كثير 10 و ما اورده الشيخ محمد صادق النجمي في هذا الصدد 11. إن بداية البخاري كانت مع سلسلة من الأحلام و الرؤى و المنامات حتى أصبحت سيرة خرافية تحتمل التقديس المؤسس على الحلم و الأسطورة ،حتى أن هناك حدث أبعد بكثير وهو للشيخ التنوسي ،عندما زار قبر الرسول ﷺ وسأله : ها كل ما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم صحيح و يجوز لي ان أحدث بذلك عنه؟ قال ﷺ نعم إنهما جميعا صحيحان وحدث بما ورد فيهما ،وهنا يتساءل الكاتب كيف للنبي ﷺ أن يقدم شهادة في صحيح البخاري من قبره؟ و كيف أمكن لهؤلاء الشيوخ أن يرووا هاته الأساطير للناس و يستخفوا بعقول الناس؟لينتقل صاحبنا للحديث عن أسطورة الحفظ 12 ،و يتناول هذه المسألة بالنقد و التحليل وبما ورد في كتاب ابن كثير عن كون البخاري حفظ 72 ألف حديث وهو إبن 16 سنة ،13 بغض النظر عن سنوات تعلمه اللغة وعلوم الفقه والحديث وعلومه وسنوات رضاعه وحبوه ومشيه...حتى أصبح الشيوخ يعتبرون البخاري يحفظ 70 ألف حديث بتراجمها و أساندها و ما قيل في رجال هاته الأحاديث فردا فردا، من جرح و تعديل ودرجة كل حديث من حيث الصحة والضعف . إن الهدف كان واضحا وهو خلق شخصية أسطورية عصية عن النقد أو الطعن لهذا نسب إليها مالا يقبله عقل و لا منطق حتى أنه ورد في كتاب معرفة أنواع علوم الحديث لابن صلاح ابو عمرو عثمان بن عبد الرحمن، أنه كان يحفظ 100 ألف حديث صحيح و200 ألف حديث غير صحيح 14. إن هاته الرويات و غيرها تؤكد الأسطورة و ترفعها إلى عنان السماء و تعزز السياج الكهربائي الذي يجعل منها شخصية فوق كل إنتقاد أو مناقشة أو محط تساؤل، بل ان كثير من المحدثين المتشددين ومن خلال هاته الروايات يعتبرونها يقينية تاريخية . يمكن القول أيضا أن أسطورة البخاري لدينا نحن معظم المسلمين توازي شخصية بولس الرسول لدى المسيحيين حيث يعتبر المسيحيون أنه المؤلف الحقيقي للمسيحية بشكلها اليوم . أضحى الغلو في شخصية البخاري و تحويلها إلى شخصية خرافية تتفوق على البشر في كل شيء أفضى إلى تقديس الكتاب المنسوب إليه – صحيح البخاري-.و بالتالي فإن رواية مكوث البخاري في مكة و جولانه ووضوءه و صلاته ركعتين عند كتابة كل حديث و استخارته لينتخب لنا 600 ألف حديث في ظرف 16 سنة لمن التناقض و التضارب في هذا الشأن، رغم أن الكثير من الشيوخ و على رأسهم ابن حجر العسقلاني حاول تبريرها تبريرا تعسفيا. فرواية تأليفيه الكتاب في مدة 16 سنة تناقض تاريخيا عدم مكوته هاته المدة في مكة 15،ثم كيف لهؤلاء الشيوخ أن يقارنوا كتاب القرآن الشامل الصيغة و المعنى و المحتوى و المبني على الإعجاز في كل تفاصيله بكتاب بشري المصدر فيه ما فيه من الضعف البشري و الخطأ و النسبية ،و كأنهم لم يقرأو قوله تعالى ) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(سورة النساء الاية 82 . لقد كانت جولة الأستاذ رشيد ايلال في الأساطير المؤسسة للبخاري و لصحيحه كجزء لا يجزأ من تقديس التراث الديني الذي بدأ مع تدوين الحديث و تأسيس ما يسمى بعلم الحديث لصناعة كتب ومؤلفات اتجهت منذ البداية لإلغاء القرآن من الساحة الدينية ،وهذا ما تحقق بالفعل فقد تم فعلا هجر القرآن لصالح كتب المرويات، فأصبح لدينا إسلام تاريخي بدل إسلام الوحي. ننتقل إلى الفصل الرابع مع الكاتب فنجده يتحدث عن سقوط الأسطورة متناولا ما إعتبره خرافة البخاري بالأرقام وكذبة الإجماع و الأعلام الذين ضعفوا أحاديث في الصحيحين، معرجا بالقول كون البخاري مجروح و متروك الحديث . إن الناظر لهذا الفصل يخرج بخلاصات مفادها : · أن البخاري حفظ الأحاديث عن ظهر قلب من شيوخ بلغ عددهم 1000 شيخ في مدة 16 سنة ،أي 15 ألف حديث بدون كتابتها ،أي من أفواه الشيوخ فور سماعها تكذبها الأرقام و العمليات الحسابية . · كذبة الإجماع وهنا يتساءل الكاتب عن أي إجماع يتحدث الشيوخ ،علما أن المسلمين مذاهب و هناك نسب مهمة لا تؤمن بصحيح البخاري كالشيعة مثلا، وهنا يستشهد صاحب كتاب البخاري نهاية اسطورة ، بأحد أعلام الأمة الإسلامية و هو أحمد بن حنبل حين قال : ) من إدعى الاجماع فقد كذب (16 . · هناك شيوخ اعتبروا ان كتبًا تصح بعد كتاب الله وأكثر وثوقية من صحيح البخاري ،منهم الامام المطلبي، الذي يرى أن موطأ مالك أصح كتاب 17 وأبوبكر بن العربي و العلامة المحدث محمد حبيب الله الشنقيطي...الخ، كلهم عبروا عن كون موطأ مالك أصح كتاب بعد كتاب الله عزوجل، كما أن آخرين إنتقدوا مسلم و البخاري ويأتي على رأسهم حسب الكاتب رشيد ايلال ، أحمد ابن حنبل ،وعلي ابن المديني ،ويحيى بن معين ،و ابو داوود السجستاني ،والبخاري نفسه ضعف حديثا لمسلم،وابوعيسى الترمذي، و العقيلي ،و النسائي، و أبوعلي النيسابوري، و غيرهم كثير ،ويتساءل الكاتب هل كل هؤلاء العلماء مبتدعة متبعين غير سبيل المؤمنين ؟ · إن البخاري مجروح ومتروك الحديث 18 هذه هي الحقيقة المخفية والتي يتبناها الكاتب، متسلحا بما قاله محمد بن يحيى المعروف بالذهلي 19. لقد حاول البخاري حسب الأستاذ رشيد ايلال الإساءة إلى الإسلام و للنبي ﷺ من خلال مؤلفه و هذه الإساءة وردت على مستوى أكثر من حديث منها : § محاولة الرسول ﷺ الإنتحار 20. § الرسول البذيء أي كان ينطق بالكلام الفاحش 21 وهذا يتعارض جملة و تفصيلا مع الآية التي تقول : )وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (سورة القلم الاية 4. § الرسول جاء بالذبح أي أن الرسول ﷺ كان دمويا ،وذلك من خلال حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى ) متفق عليه. 22 وهاته إساءة أخرى لرسولنا الأعظم لأنه محال ان يخالف أمر الله له، و الله تعالى يقول في كتابه الكريم وفي العديد من الآيات مثل قوله : ) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( يونس الاية 99. وقوله تعالى : ) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( البقرة الاية 256 ،وقوله تعالى أيضا : ) وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (الكهف الاية 29. وقوله تعالى : ) نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (سورة ق الاية 45. إن الإسلام دين يدعو إلى إختيار أمور العقيدة لا إلى الجبر، فمتى أمر الله نبيه بقتال الناس من أجل عقائدهم يتساءل الكاتب ؟كما أن هناك المزيد من الأحاديث التي تسيء إلى مقام النبوة ،منها ما ورد في صحيح البخاري – باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا الى الردة .23 § الرسول يسحر فيهذى 24 § الرسول يصلي بدون وضوء 25 § الشيطان يطعن رسول الله عند ولادته 26 § الشيطان يعلم الدين و الرسول يقر على التعلم منه 27 ليختتم الكاتب بفصل يجيب فيه على سؤال أساسي وعميق ،ويكمن إعتباره ملخص لكل ما أسلفناه ،ويتمثل جوهره حول الشخصية الأساسية التي يدور حولها الكتاب ،و هي محمد ابن اسماعيل البخاري في علاقته بصحيح البخاري ،فيتساءل الكاتب عن من ألف صحيح البخاري؟ يعتبر الكاتب بدليل قاطع ،أن لا وجود بالبث و المطلق لنسخة أصلية مخطوطة بخط اليد تعود للبخاري، وما النسخ الموجودة الأن إلا لشخص مجهول غير معروف، فلا وجود لمخطوطة واحدة أو حتى جزء منها لصحيح البخاري بخط محمد ابن اسماعيل البخاري ،ولا وجود لمخطوطة واحدة أو حتى جزء منها بخط أحد تلامذة البخاري أو حتى لتلامذة تلامذة البخاري . ليستنتج في الأخير ويجد نفسه أمام كتاب غريب المصدر مجهول الأثر،وحتى الذين أوصلوا لنا صحيح البخاري يشهدون على أن الكتاب تم التصرف فيه بعد موت البخاري ،ومشروعه لم يكمله ،و بالتالي فنحن أمام كتاب في أصله لم يكتمل بعد، بالإضافة إلى أن النسخ ومن نقلها إلينا من خلال هذا الكتاب جاءت مختلفة و متضاربة ،إننا إزاء معضلة حقيقية يورد الكاتب، فكل المحدثين يعرفون هذا لكنهم يتجاهلونه ،و يغالطون الناس ويخفون الحقيقة المرة، كل هذا ليعيش الكهنوت، فهو يقتات على مثل هاته الخرافات ،ومن حقنا أن نقول إذن :إن صحيح البخاري كتاب مجهول المصدر ،لا مؤلف له ،فهو كتاب لقيط...،كل هاته المرويات وعلاقتها بالشيوخ المعتمدين عليها لا وجود حقيقي لهم إلا بها ،ولاعيش لهم بدونها، فهي قوتهم الذي عليه يعيشون، لذلك فهم يستميتون في الدفاع عنها ،أيما إستماتة لأن إسلامهم إسلام هاته المرويات، لا إسلام قرآن والذي قال عنه تعالى : ) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (9) مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَٰذَا هُدًى ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ (11) (الجاثية الاية 6-11. وختاما نقول بدورنا أن الكتاب أثار ردود أفعال متباينة، في الأوساط المغربية والعربية المتتبعة للشأن الديني ،ومن شأن هذا الكتاب أن يثير جدلا موسعا ونقاشا قويا في الساحة الفكرية على مستوى الوطن العربي والإسلامي مستقبلا، سيما أن الكتاب الآن وكغيره من الكتب التي تتناول مثل هكذا مواضيع ، يعتبر قفزة نوعية الى الأمام في سلم الارتقاء بالنقاش الى مستويات علمية وأكاديمية عالية تهم نقد التراث الاسلامي بشكل عام. المراجع: 1. 2298/4 كتاب الزهد و الرقائق باب التثبت من الحديث وحكم كتاب العلم من طريق زيد ابن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابي سعيد الخدري عن الرسول ﷺ. 2. تذكرة الحفاظ 1 : 3.2 حجية السنة :394 3. الطبقات الكبرى لابن سعد رقم الحديث 5987 4. البخاري نهاية اسطورة ص 18 و 19 5. نفس المرجع ص 24 6. الحديث رواه البخاري برقم 25 / قال: باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم(،و رواه مسلم برقم 22 قال : باب (( الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله( 7. البخاري نهاية اسطورة ص 34 8. جناية البخاري ،زكرياء أوزو ص 20 9. صحيح مسلم ) باب تحريم بخمس رضعات 1452/ انظر ايضا صحيح مسلم الجزء2 ص 726 حديث 1740/ انظر صحيح البخاري ج 4 ص 152 و 135 باب الشهادة عند الحاكم في ولاية القضاء. 10. كتاب البداية و النهاية للإمام الحافظ ابن كثير ص 31-28/11 11. اضواء على الصحيحين – محمد صادق النجمي ص 78 12. البخاري نهاية اسطورة ص 99 13. نفس المرجع ص 99-100 14. معرفة انواع الحديث لابن صلاح ابو عمرو عثمان بن عبد الرحمن.ط دار الكتب العلمية جزء1 ص 37 15. البخاري نهاية اسطورة ص 126و 127. 16. نفس المرجع ص131 17. شرح الامام الزرقاني على الموطأ8/1 18. انظر تاريخ بغداد 2/31 ،وهدى الساري مقدمة فتح الباري 491 ،و استقصاء الافهام 9787. 19. سير اعلام النبلاء ط الرسالة 12/462. 20. صحيح البخاري رقم 6581 من كتاب التعبير باب ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي و الرؤيا الصالحة. 21. نفس المرجع رقم 6824 22. – 23. نفس المرجع رقم 6526 24. نفس المرجع رقم 5433 25. كتاب الاذان من صحيح البخاري رقم 660. 26. صحيح البخاري من كتاب بدء الخلق،باب صفةابليس و جنوده حديث رقم 3286
27. كتاب الوكالة صحيح البخاري باب اذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه.