يترقب العالم بأجمعه تطورات الوضع في الحدود بين روسياوأوكرانيا، بسبب التوتر الحاصل في سياق مشروع انضمام كييف لمنظمة حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي ترفضه موسكو، وتعتبره تهديدا مباشرا لأمنها. ومن المعلوم أن هذا الحلف قد تمدد في الثلاثين سنة الأخيرة، حيث ضم دولا كانت محسوبة على المنظومة الاشتراكية، سابقا، رغم الوعود التي قدمها الغرب، بعدم ضمها، مقابل سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، لكن موازين القوى، سمحت للولايات المتحدةالأمريكية وحلفائها بنكث هذا الوعد والتوسع شرقا في اتجاه الحدود مع روسيا. ويعتبر العديد من المراقبين أن روسيا قد استعادت قوتها، حاليا، لذلك فقد أخذت المبادرة لمنع أي تقدم جديد للحلف، إلى حدودها، وكبديل، يقترح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مشروعا جديدا للأمن الأوروبي، الأمر الذي ترفضه الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في أوروبا، لأنه يعني التخلي عن فلسفة حلف شمال الأطلسي، التي تعتبر روسيا عدوا محتملا، بالإضافة إلى الصين. مطلب روسيا للتخلي عن التصعيد تجاه أوكرانيا، هو التوقيع على اتفاق يقضي بتوقيف توسع الحلف نحو الشرق ونزع السلاح في بلدان شرق أوروبا، وهو ما ترفضه الولاياتالمتحدة، التي تدافع عن مبدإ ثابت في ميثاق الحلف، هو أن أبوابه تظل مفتوحة. وينتقد العديد من المحللين، واشنطن، التي يتهمونها بالتصعيد، لأن شركاتها ستربح في بيع السلاح وقد تصبح المزود الرئيسي لأوروبا بالغاز، في حال توقف عمل أنبوب الغاز الروسي. مقابل ذلك، تعتبر الولاياتالمتحدة أن إطلاق يد روسيا في فرض إرادتها على أوكرانيا، يعني سابقة قد تغير موازين القوى، علما أن الصين التي اقتربت أكثر من موسكو، تراقب الوضع، وعينها على تايوان، التي مازالت تطالب بضمها. وقد يشجعها تراخي الغرب، في الإقدام على ذلك. في كل هذا تعيش أوروبا وسط انقسام واضح، بسبب ضعفها أمام القوى العظمى، التي تتصارع بوسائل ضخمة، لا تملكها أوروبا، وهو ما يعني مزيدا من تقليص نفوذ هذه القارة العجوز، التي تستعرض قوتها على البلدان الإفريقية، وتتسلط على استقلالها، وتغذي النزاعات والانقسامات داخل بلدانها وفي ما بينها، بينما تقف مذعورة وعاجزة، في المواجهة الحالية بين روسياوالصين، من جهة، والولاياتالمتحدة، من جهة أخرى. ويمكن القول هنا، رب ضارة نافعة، فما يحصل اليوم من مواجهة، بسبب الأزمة الأوكرانية، يؤكد مرة أخرى، أن على البلدان الإفريقية، امتلاك مصيرها بيدها، والقضاء على مخلفات الاستعمار، للدفاع عن استكمال وحدتها الترابية ضد سياسة التقسيم والتجزئة، التي تركتها ومازالت تزكيها القارة العجوز.