البرلمانيين المتغيبين عن أشغال مجلس النواب يقدمون مبررات غيابهم ويؤكدون حضورهم    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج عبد الله بعد 40 عاما من السجن    نشرة إنذارية.. زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية قوية    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    مهرجان الفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج "حوارات"    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده و جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة        كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الأول‮ ‬يقدم تقريرا سياسيا عن الوضع السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬للبلاد والوضع التنظيمي‮ ‬للحزب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 28 - 01 - 2022


الاتحاد يحتاج للقطع
مع أشكال العضوية المفتوحة غير المؤطرة بالتزامات تنظيمية وأخلاقية ومالية
الحرص على تقوية حضور
الحزب سياسيا من موقع المعارضة القوية والجريئة والاقتراحية والوطنية، في مواجهة النكوصية والهيمنة

أخواتي إخواني،
اتخذ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من شعار المغرب أولا محورا للحملة الانتخابية التي قادها مرشحوه عبر الحواضر والأرياف. وهو أكثر من شعار، بل التزام مبني على واقع الأخطار المحذقة بوطننا ونداء من أجل فتح مسيرة جديدة تحشد العزائم وتقوي المناعة الداخلية وتوطد أواصر الوحدة الوطنية … مسيرة تؤكد التقدم السياسي لبلادنا في زمن الردة الديمقراطية التي تطال عددا من الأقطار العربية والإفريقية والإسلامية. فإذا كنا نضع المغرب قبل أي اعتبار سياسي أو إيديولوجي، فإن مبعث هذا الموقف تاريخنا النضالي منذ التعاقد التاريخي بين الحركة الوطنية والمغفور له محمد الخامس في الأربعينات من القرن الماضي، وهو التعاقد الذي تجدد مع المغفور له الحسن الثاني عبر قسم المسيرة الخضراء، ومع جلالة الملك محمد السادس في عقد بيعة اعتلاء عرش أجداده الميامين.
المغرب أولا كان وسيظل على الدوام شعارنا الخالد لأنه يحتوي على مضامين متعددة ومرجعية واحدة:
إنه مغرب الأسلاف المجاهدين والمصلحين، مغرب العلماء والمقاومين، مغرب الإشعاع القاري والدولي، مغرب الدولة المتأصلة في أعماق المجتمع، مغرب الفلاح المنعش لأرضه، والكادح الصانع لاقتصاده المتنامي، والفقيه والمعلم المربي لأبنائه، والعسكري الساهر على حوزة وطمأنينة مواطنيه، والمثقف المنتج للوعي الوطني والحافظ لتراثه؛
إنه المغرب الصاعد الذي يستمد قوته من عبقرية شعبه وحنكة ملكه وتفاني أبنائه الأبرار.
أما مرجعية مغربنا اليوم، وعلى الدوام، فهي مرجعية واحدة نلخصها في كلمة الشموخ الذي يسكن مخيلة المغاربة حين يرفعون رايته ويرددون «موطن الأحرار».
الشموخ هو عزة النفس التي غُرست في وجدان المغاربة على امتداد القرون، وهو خميرة حركة التحرير الشعبية ببلادنا، والتي يشكل الاتحاد امتدادا لها.
لكن المغرب لا تستوي شوكته إلا بقوة منظومة الاندماج الاقتصادي، ومدى قدرة منظومته السياسية على توفير أكبر مجال للمشاركة السياسية؛ وهذان المبدآن هما الركيزتان الأساسيتان للدولة القوية حيث إن قوتها ليست في جبروتها، ولكن في قدرتها على تعبئة الطاقات لإنتاج القيمة وتوزيع الفرص بشكل عادل بين الأفراد والجماعات، وأن تولي الاهتمام للعنصر البشري الذي هو مصدر الثروة و هدف استغلالها.
لقد كشف التقرير الخاص بالنموذج الاقتصادي والاجتماعي عن عمق الاختلالات التي واكبت السياسات العمومية خلال العقود الماضية وأبرزت أن الموارد سخرت لاقتصاد مبني على الريع واهتمت بالنمو أكثر من التنمية، والنتيجة ثروات تمركزت لدى البعض في حين تدحرجت الفئات المتوسطة إلى الأسفل و انهارت آمال الفقراء في الخروج من مستنقع الهشاشة والحرمان.
هكذا، تعمقت الفوارق إلى أن أصبح دخل 10% من الأسر الميسورة أعلى ب17 مرة من دخل الأسر الفقيرة، وهذه فقط معدلات. أما إذا نظرنا إلى من المستفيد الأكبر من دينامية الاقتصاد الوطني والمجهود الاستثماري العمومي ومن تحرير الأسواق وتسخير الادخار الوطني، فسنجد أنها شركات محدودة تركت لها الحكومات السابقة المجال للتحكم في شبكات التوزيع والسوق المالية والمصرفية والبناء والنقل والزراعة والطاقة وامتدت إلى الصحة والتعليم. فدارس التاريخ الاقتصادي الوطني منذ الاستقلال، سيلاحظ أن جل هذه الثروات الضخمة تكونت بفضل الرخص والدعم المالي الذي وفرته لها الحكومات السالفة في الستينات عبر أراضي المعمرين والمغربة والخوصصة، وكذلك بفضل تحمل الدولة كل مخاطر الاستثمار في السياحة والسكن والإعفاءات الضريبية لعشرات السنين في كل القطاعات، وأيضا عبر دعم صندوق المقاصة للمواد الأساسية والتي كانت سبيلا لخلق طلب داخلي للاستهلاك.
وجاء إصلاح سوق القيم (البورصة) ليفتح أمام هذه المجموعات الاستفادة من التمويلات الخارجية عبر المساهمات المتبادلة مشكلة بذلك شبكة من المصالح التي رغم الإمكانيات المتاحة لها تبقى خجولة من حيث الرغبة في خوض غمار الاستثمار المنتج والتراكم، وهو ما يظهر جليا في النسبة المتواضعة للنمو الصناعي مقابل نسبة نمو الخدمات الشيء الذي فتح المجال للانطلاق في سياسة صناعية بديلة، وهي الانخراط في سلاسل الإنتاج العالمي وجلب الرأسمال الخارجي. وما زالت العادات المتوارثة عن عقلية الريع الاقتصادي تحد من إمكانية تحقيق نسبة من الاندماج الإنتاجي عبر الاستثمار الصناعي والتكنولوجي المرتبط بالصناعات الصاعدة.
لقد اتسع اقتصاد الريع بفعل سياسة التبادل التجاري الحر الذي فتح الباب على مصراعيه، فتكونت ثروات لا مصدر لها غير الوساطة التجارية فهمشت الوحدات الصناعية المحلية لفائدة المنتوجات المستوردة واستيقظ المغرب على إيقاع انقطاع سلسلة التزويد في ظل الجائحة وبدى وكأنه يكتشف شيئا اسمه الإنتاج البديل للاستيراد وأن الانخراط في السوق الشمولية لا جدوى منه إذا لم يتوفر الإنتاج المحلي على تنافسية صلبة وطاقات إنتاجية متجددة.
إن اقتصاد الريع هو الذي كرس السعي وراء الربح السهل وترك كل المخاطرة الاقتصادية للدولة التي توظف العائدات الجبائية في تهييئ البنية التحتية وترهن الأجيال المقبلة من خلال المديونية الداخلية والخارجية وتمكن الرأسمال الخاص من سياسات مصاحبة مشجعة جبائيا وتجاريا وماليا. وعلى الرغم من ذلك، لم تسجل بلادنا تقدما صناعيا ملحوظا على مر العقود و ظل تهريب القيمة نحو أنشطة المضاربة والربح السهل هي السمة الأساسية لاقتصاد الريع هذا الذي عم الإنتاج الفلاحي و التجارة الداخلية.
فهل ستستمر بلادنا على هذا النهج وتوكل النمو الاقتصادي للرأسمال الخارجي فقط؟
إننا نعتبر أن مراجعة النموذج التنموي تفرض إعادة ترتيب العلاقة بين الاقتصاد المغربي والاقتصاد العالمي على أساس انخراط الرأسمال المغربي في عملية استثمار داخلي يقوم على تقاسم المخاطر ومن أجل ذلك، لا بد من توجيه النسيج المقاولاتي نحو الأنشطة الصناعية المرتبطة بسلسلة الإنتاج الصاعدة والتشارك مع الاستثمار الخارجي، وذلك بتأطير من طرف الدولة ومساعدتها. كما أنه حان الوقت للتوجه نحو انفتاح المقاولات المغربية على الأسواق الخارجية وجعل السياسة الاقتصادية والمالية تدشن استراتيجية دينامية ومرنة لتكتسب المقاولات المغربية مواقع متقدمة في الأسواق الخارجية انطلاقا من الطاقات الإنتاجية المحلية.
لقد فتح جلالة الملك الطريق أمام المقاولات المغربية للنشاط في القارة الإفريقية، لكن الملاحظ أن الصادرات المغربية نحو الأقطار الإفريقية لا تتعدى 6% وارتفعت ب 29% في ظرف عشر سنوات! وهو ما يشير الى أن المقاولات المغربية ما زالت محتشمة في خوض معركة تدويل الاقتصاد المغربي أو أنها أَلِفَت سلوك الريع.
كل المحللين والمراقبين يعتبرون أن الجائحة قد أفرزت ظروف جيو-اقتصادية جديدة أهم سماتها الصراع المحتدم والتسارع إلى احتلال مواقع متقدمة داخل القطبية الجديدة مع ما يصاحب ذلك من تشكيل تكتلات وتحالفات جديدة وبروز بوادر حرب باردة من نوع آخر. فإذا كان بالأمس القريب الحديث عن نهاية زمن اليقينيات، فإن الزمن الراهن ينذر باستصدار مرجعيات تجمع بين القيم الثابتة للإنسانية وحماية الحقوق المدنية والانتقال إلى الديمقراطية التشاركية التي تتطلب توسيع مجال المساهمة الفعلية للشعب في سير المؤسسات ومراقبة السياسة العمومية من خلال أنماط جديدة لممارسة حقوق المواطنة.
لذلك حين وصفنا ما حدث بعد الانتخابات الماضية بالتغول، فإننا نقصد بهذا المصطلح أن التغيير المنشود تحول إلى انزلاق قد يعصف بمصداقية المنظومة التمثيلية برمتها حيث إن الاتفاقات الحسابية التي تلت الإعلان عن النتائج دشنت لمسلسل تقليص المشاركة السياسية. وحتى يفهم الجميع ما نقصد بذلك، فإننا لا ننازع في حق رئيس الحكومة أن يشكل الأغلبية التي يبتغيها بالرغم من أن الراي العام لم يكن يتصور أن المسطرة المتبعة انقلبت حيث إن الأغلبية تكونت دون سبق إعلان أي تقارب أو تنسيق بين مكوناتها. لكن أهم من هذا السلوك الشاذ نرى في ما حصل انزلاق خطير حين صادر الثالوث حق النخب المحلية في تشكيل الأغلبية التي تخدم الشأن المحلي بناءً على الكفاءات المحلية، وليس الأوامر المركزية المصحوبة بالتهديد والآمرة بالإقصاء.
هل نرضى لبلادنا أن تتآكل ديمقراطيته الناشئة وأن يتم تسخير مؤسساته وجماعاته الترابية لخدمة مشروع يهدف إلى تعطيل مسيرة البناء الديمقراطي وصد منافذ التعبير المغاير والتجربة المختلفة. قطعا لا ولن نسمح لنفسنا غض الطرف عن هذا الانزلاق المقلق. على صانعي هذه الوضعية أن يعلموا أن محدودية مشروعهم بدت ملامحها على المستوى المركزي كما على المستوي المحلي، وأن النجاعة لا تحسب بالمقاعد ولكن بالقدرة على الانتقال بالبلاد إلى محطة بناءة اقتصاديا واجتماعيا واستراتيجيا وتخطي المرحلة الراهنة المليئة بالتحديات الداخلية والخارجية.
لقد أعادوا النظر في قواعد التوافق السياسي الذي دشناه جميعا قبل 25 سنة، وليتذكر الجميع أنه حين عرض المغفور له الحسن الثاني على الاتحاد أن يشكل حكومة بمفرده، رفضنا واعتبرنا أن الانتقال الديمقراطي يقتضي توسيع دائرة المشاركة، وعملنا على تنفيذ ذلك وفي جميع المستويات. ولقد استبشر المغاربة خيرا حين عبرت نتائج الانتخابات الأخيرة عن نهاية الهيمنة الحزبية، لكن الخيبة هي أن تحل هيمنة محل أخرى.
أخواتي إخواني،
لقد عاش الاتحاد الاشتراكي في المرحلة الفاصلة بين المؤتمرين ديناميات متباينة، كان علينا من جهة أن نستمر في تحصين الأداة الحزبية وتقويتها، ومن جهة أخرى أن نؤهل هذه الأداة لكي تحقق تقدما للحزب في النتائج الانتخابية في لحظة مفصلية في المشهدين الحزبي والسياسي.
ويعلم كل الاتحاديات والاتحاديين أن الانسداد التنظيمي كان قد استمر لسنوات عديدة، حتى كاد يتحول إلى عطب بنيوي يشل قدرات الحزب الأخرى التأطيرية والترافعية والانتخابية. فبعد سنوات من الإنهاك بفعل المشاركة في الحكومة منذ لحظة التناوب التوافقي، وبفعل المواجهة المجتمعية الميدانية مع قوى الإسلام السياسي على واجهات مختلفة، كان لزاما علينا أن ننتبه أن كل هذه المهام التي كانت «ضرورة الوقت» قد أضعفت تنظيماتنا وهياكلنا الحزبية، وبالتالي كانت الضرورة ملحة لترميم الذات التنظيمية، وهو ما تم من خلال مسارين:
مسار المصالحة الذي توج باندماج الأخوات والإخوة في الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وبعودة الأخوات والإخوة في الحزبين الاشتراكي والعمالي لعائلتهم الحزبية، وعودة كذلك مجموعة من الاتحاديات والاتحاديين الذين كانوا قد غادروا الحزب لأسباب مختلفة لاستئناف انخراطهم إلى جانب أخواتهم وإخوتهم في المعارك الحزبية على مختلف الواجهات.
مسار الانفتاح الذي يجب أن يظل دائما ورشا مفتوحا يمكن الاتحاد الاشتراكي من استقطاب طاقات تشتغل في ميادين مختلفة، وتسمح للحزب بتجديد قاعدته وجعلها أكثر تنوعا مما يمكنها من التفاعل الإيجابي مع المجتمع، وهذا المسار هو الذي مكننا من تدشين فروع حزبية جديدة، ومن استئناف أخرى لعملها بعد سنوات من التجميد الإرادي.
ونعتقد أن هذين المسارين التنظيميين أمدا الحزب بدينامية داخلية، عرفت بعض الاضطراب بفعل تداعيات جائحة كورونا، مما حرمنا من مزيد من الاشتغال على تقوية الأداة الحزبية، ذلك أن الجائحة تزامنت مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التي تتطلب رفع مستوى أداء التنظيمات الحزبية ومناضلات ومناضلي الحزب.
ويخطئ كثيرون بحسن نية أو سوئها حين يلمحون إلى أن النتائج الانتخابية المهمة التي حصلنا عليها، بالنظر للسياق الانتخابي الذي كان مطبوعا بالعودة القوية للمال وبنيات المقاولات الانتخابية المفصولة عن أي مشروع سياسي أو قيمي، وبالقياس مع النتائج التي سجلناها في انتخابات 2016، كانت نتائج تعبر عن التحاق الاتحاد الاشتراكي بطائفة الأحزاب الانتخابية حصرا، وهي دفوعات لم تفهم دلالات المحطة الانتخابية الأخيرة.
إن التقدم الانتخابي الذي حققناه لا تكمن أهميته عدديا، بل سياسيا، ذلك أن كل المؤشرات كانت تسير في اتجاه إمكانية التأسيس لتناوب جديد على أرضية انتخابية، لا توافقية، وكان يجب تأهيل الحزب تنظيميا وانتخابيا وتعبويا ليكون في صلب هذا التحول، ولا نبالغ إذا قلنا بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالنظر للبرنامج الانتخابي الذي قدمه كان يحمل إجابة عن شكل ومضمون ذلك التناوب المأمول، باعتبار أنه يحوز على مشروع مجتمعي وسياسي وقيمي وإيديولوجي وبرنامجي نقيض لمشروع الإسلام السياسي.
وعلى هذا الأساس، دخلنا المعركة الانتخابية بطموح وبشرف وبتجرد المناضلات والمناضلين في مختلف الفروع الحزبية، ولقد تمكنا بفضل تلك الإرادة من تحقيق تقدم لافت، لكن للأسف لم نبلغ طموح تحقيق التناوب الجديد، ذلك أن مخرجات العملية الانتخابية بفعل عوامل عديدة أفرغت التناوب من مضمونه السياسي، وجعلته لا يعدو أن يكون تناوبا حزبيا بدون مضمون سياسي. ولذلك، فإننا نعتبر أن ورش التناوب السياسي ما زال مفتوحا، ومن هنا رهاننا على الانتخابات القادمة لتحقيق هذا الطموح لفائدة وطننا ومختلف طبقاته الاجتماعية وتنويعاته المجالية.
أخواتي إخواني،
تعلمون أنني كنت قد أعلنت بالوضوح اللازم عن عدم ترشحي للكتابة الأولى مباشرة بعد الإعلان عن النتائج الانتخابية لاقتراع الثامن من شتنبر 2021، وكانت المسؤولية لا تسمح بغير ذلك، باعتباري مؤتمنا على التفعيل الأمثل لمقتضيات القانون الأساسي للحزب، وباعتبار كذلك أني اعتبرت أن الحزب في وضع تنظيمي أفضل من الوضع الذي كان عليه قبل استلامنا مسؤولية الكتابة الأولى، وأن تمثيليتنا داخل المجتمع من خلال منتخباتنا ومنتخبينا في كافة المؤسسات التمثيلية برلمانية كانت أم ترابية، يعتبران (أي المكتسبات التنظيمية والانتخابية) رصيدا من شأنه أن يسهل مهام القيادة الجديدة المفترض أن تستلم المشعل في المؤتمر المقبل، ذلك أنها ستقود حزبا بوضع تنظيمي وانتخابي وسياسي أفضل بكثير من وضعه قبل عشر سنوات.
تلك كانت رغبتي، ويشهد الله على صدقي نواياي، وعلى أني لم أرغب مطلقا في أي ولاية ثالثة على رأس حزب عريق، يعلم الله ماذا يعني لي، وقد عشت العمر كله داخله منذ أن اخترت في بدايات الشباب الانخراط فيه عن قناعة كانت وما زالت أنه الأداة الأمثل لترجمة مصالح القوات الشعبية، ولم أندم يوما على هذا الانخراط اليومي باعتبار أن الاتحاد الاشتراكي بالنسبة لي هو المعنى والذات والأفق الوحيد.
وبعد انتهاء اللحظة الانتخابية، سنكتشف أننا بفعل تداعيات جائحة كورونا لم نتمكن من عقد الجموع العامة المحلية والمؤتمرات الجهوية في أغلب الفروع والجهات، وبالتالي اصطدمنا مع واقع تنظيمي كان سيؤدي في حالة تنظيم الجموع العامة ليس فقط لتجديد الهياكل الحزبية، بل تغييرها بالمطلق، باعتبار أن أغلبها كان يضم مناضلات ومناضلين استوفوا شرط العضوية لولايتين متتاليتين، وأصبحوا في وضعية غير قانونية تجاوزت المدة المنصوص عليها في القانون التنظيمي للأحزاب، ولا يخفى أن تغييرا تنظيميا في المسؤوليات الحزبية القيادية والقاعدية، المركزية والجهوية والمحلية الذي قد يفضي إلى إفراغ الهياكل الحزبية من مسؤولين ذوي كفاءة وتجربة بطريقة «راديكالية» ستكون له انعكاسات تنظيمية سلبية في مرحلة نسعى فيها لتقوية البنيات التنظيمية وتأهيلها لورش الانفتاح على المجتمع وتوسيع القاعدة الحزبية.
ومن هنا كان التفكير في تعديل القانون الأساسي للحزب بناء على مقرر صادر عن المؤتمر الأخير يفوض للمجلس الوطني القيام بالتعديلات الضرورية، بحيث يتم السماح للأعضاء الذين استوفوا شرط الولايتين المتتابعتين بالترشح لولاية ثالثة، وهو ما سيعرض عليكم للمصادقة من طرف مقرر اللجنة التحضيرية، بعد أن صادق عليه المجلس الوطني.
هذا هو سياق تعديل بعض بنود القانون الأساسي، فلقد كان الأمر لحل إشكال تنظيمي أكبر من صراع متوهم حول الاستئثار بالكتابة الأولى للحزب أو المكتب السياسي، لأن الأمر كان مرتبطا أساسا بمختلف الهياكل والمؤسسات والبنيات التنظيمية للحزب، خصوصا القاعدية منها باعتبارها ديناميات الحزب الأساسية، والمؤهلة لإنجاح ورشي التوسع التنظيمي والانفتاح على المجتمع وتحولاته.
وحين تقررون تعديل القانون الأساسي للحزب بما يسمح لي بالترشح لولاية ثالثة، سيصبح ترشحي من عدمه خاضعا بالنسبة لي لسؤال المصلحة الحزبية.
وهذه مناسبة لأشكر كل الاتحاديات والاتحاديين الذين طالبوا وألحوا على ترشيحي، سواء كانوا في المكتب السياسي أو المجلس الوطني أو الفريقين البرلمانين، وبالأخص القواعد الحزبية في الفروع والجهات.
أخواتي إخواني،
لا معنى لأي ترشح للكتابة الأولى دون تعاقدات واضحة وقابلة للقياس، بما يسمح بتفعيل آليات المحاسبة والرقابة والنقد.
وحتى لا نقع في محظور دغدغة العواطف ومخاطبة الانفعالات، فإننا نتقدم أما عموم الاتحاديات والاتحاديين بما نعتقد أنه أولويات في هذه المرحلة، على المستوى التنظيمي وعلى المستوى السياسي، وهذه الأولويات نعتبرها التزامات، بسبب طابعها الإجرائي، وهي جزء من سعينا نحو تطوير الأداة الحزبية لجعلها قائمة على تعاقدات واضحة تؤطر العلاقة بين القيادة وبين القاعدة.
فلقد عانت الأحزاب التقدمية بما فيها حزبنا من سيادة أنماط من التجريبية والإرادوية والانتظارية، وهي أعطاب كبلت التيارات التقدمية، وجعلتها رهينة النوستالجيا غير المنتجة، أو الاحتماء بطهرانيات معطلة للتطور، مما جعل الفعل الحزبي يغرق في الصراعات الداخلية على المواقع، عوض أن يكون الفعل الحزبي مؤثرا في الواقع الذي يتحرك فيه.
وللأسف، فحتى كثير من الصراعات الداخلية كانت مطبوعة بالشخصنة، والاتهامات بالتحريفية والوصولية والانتهازية، عوض أن تكون اختلافات في الرؤية أو التقدير، وأصبحت مع الوقت مجرد مشجب لتعليق التهرب من المسؤوليات والالتزامات.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يحتاج لأن يقطع مع أشكال العضوية المفتوحة غير المؤطرة بالتزامات تنظيمية وأخلاقية ومالية، وأن يفعل كل ما من شأنه جعله حزب تعاقدات، بحيث يتم تدبير الاختلافات وفق هذه التعاقدات، والتي من بينها احترام قوانينه والتزاماته ومؤسساته.
لا يعني هذا بأي شكل من الأشكال تعطيل آلية النقد، بل بالعكس تعني الإعلاء من ممكنات النقد المنتج، وتقليص إمكانات النقد الهدام، ذلك أن الاتحاد الاشتراكي بحكم أن العلاقات بين مكوناته، أشخاصا ومؤسسات، مبنية على كيمياء إنسانية وأخلاقية واجتماعية أكثر منها تنظيمية و»إدارية»، قد سقط في بعض الفترات في محظور عدم الانضباط وغض البصر عن اختلالات تنظيمية وسلوكية وإساءات في حق الحزب وقيادييه ومؤسساته.
ولذلك، فإن المحافظة على استمرارية الروحية الاتحادية الإنسانية والتضامنية مكونا تأسيسيا في العلاقات البينية داخل الحزب، يجب تعضيده بتفعيل الانضباط لمؤسسات الحزب وقوانينه والتزاماته ومخرجات مؤتمراته وهيآته التقريرية.
وعليه، فإن التعاقدات التي يجب أن تكون بيننا تتمثل في ما يلي:
الاستمرار في نهج المصالحة الحزبية، التي تعني السعي نحو استعادة كل الاتحاديات والاتحاديين الذي غادروا الحزب لعضويتهم بعيدا عن أي اشتراطات متبادلة، سوى الوفاء باستحقاقات العضوية على قدم المساواة بين كل أعضاء الحزب.
تقوية الحزب عموديا وأفقيا، عموديا باستقطاب طاقات مؤهلة لتمثيل الحزب في الواجهات التمثيلية والمؤسساتية والدبلوماسية، وأفقيا عبر الاستمرار في التوسع التنظيمي من خلال الفروع والمنظمات الموازية.
استعادة حضور مناضلات ومناضلي الحزب في الواجهات النقابية، وتأهيل الفيدرالية الديموقراطية للشغل لاستعادة موقعها ضمن النقابات الأكثر تمثيلية، خصوصا وأن المرحلة الفاصلة بين المؤتمرين الحادي عشر والثاني عشر ستعرف نهوضا اجتماعيا، سواء على مستوى الديناميات المطلبية، أو على مستوى المدونات القانونية المرتبطة بالشغل وكل أشكال الحماية الاجتماعية.
فتح ورش رقمنة المؤسسات الحزبية، وتطوير آليات التواصل عن بعد، بما فيها تنظيم الاجتماعات والمؤتمرات الجهوية والمحلية في حدود الإمكان والضرورة باستثمار هذه الآليات.
الاستمرار في تأنيث وتشبيب المؤسسات والتنظيمات الحزبية، عبر احترام آلية الكوطا في كل الهيآت القيادية والقاعدية.
تقوية التكوين القاعدي في قضايا السياسة والإيديولوجية والتكنولوجيا الرقمية والأدبيات الحقوقية الكونية والشأن المحلي، مما يقتضي مراجعة طريقة عمل المؤسسات المعنية بالتكوين، وإحداث مؤسسة متفرغة لهذا الورش، ويمكن أن تستعين بطاقات من خارج الحزب، مع توفير التمويل الكافي لها.
دعم منتخبي الحزب سواء في البرلمان أو المؤسسات الترابية، مما يقتضي تمثيلهم في كافة أجهزة الحزب، وتطوير كفاياتهم على مستوى الترافع والاقتراح والتواصل.
الحرص على تقوية حضور الحزب سياسيا من موقع المعارضة القوية والجريئة والاقتراحية والوطنية، في مواجهة النكوصية والهيمنة.
تأهيل الحزب سياسيا وتنظيميا للفوز في انتخابات 2026 سواء من موقع يؤهله لقيادة الحكومة أو على أقل تقدير المشاركة فيها من موقع متقدم وفاعل وأساسي.
اعتبار المرحلة الفاصلة بين المؤتمر الحالي والمقبل محطة لمواصلة تطوير الحزب على مستويات الشفافية التنظيمية والمالية والتدبيرية على قاعدة تفعيل الانضباط لمقررات الحزب وقوانينه، والقطع مع كل مظاهر التسيب التنظيمي، عبر ميثاق مرجعي بمحددات قانونية وتنظيمية وأخلاقية واضحة، مما سيسمح بتدبير الاختلاف على قاعدة منتجة سياسيا وتنظيميا وأخلاقيا.
أتمنى لمؤتمرنا النجاح
وعاش الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.