قرر الفريق الاشتراكي التصويت بلا، رفضا لمشروع قانون المالية، الذي تقدمت به الحكومة المشكلة من ثلاثي حزبي تشكل عقب الانتخابات دون روابط بينه عدا تبني مقاربة نيوليبرالية بعيدة عن مطمح الدولة الاجتماعية، التي ترعى كافة مكونات الشعب والدفاع عن الحق في التنمية والعدالة الاجتماعية كمقاربة وطنية أجمع عليها المغاربة عبر وثيقة النموذج التنموي الجديدة، التي لقيت تجاوبا من كافة تشكيلات الطيف المغربي. وفي قراءة علمية وتحليل للأرقام والمعطيات أبرز يوسف ايدي، رئيس الفريق الاشتراكي، مبررات رفض المشروع . وقال " واقتناعا من أن هذا المشروع المالي لا يفي بتطلعات المواطن المغربي وأن حكومتكم تنقصها روح المبادرة الخلاقة وتعوزها الجرأة لتقديم أجوبة سياسية واقتصادية قوية للمشاكل المتراكمة فإننا سنصوت بالرفض على هذا المشروع المالي (رقم 76.21 لسنة 2022)، الذي لا يخدم إلا مصالح فئوية ويتجاهل المشاكل الكبرى التي يعاني منها المواطن المغربي". وشدد يوسف ايدي أنه " ومن هذا المنطلق فإننا نخشى أن تفرغ حكومتكم المشاريع الاجتماعية من مضمونها، فمشروع التغطية الصحية مثلا أفرغ من محتواه، وما قمتم به غير كاف سواء على مستوى المناصب المالية أو على مستوى الميزانية، ولا نكاد نلمس رؤية قوية في تنزيل هذا المشروع الضخم بل تم تحويله إلى فسيفساء من القرارات الحكومية التقنية في حين أن خطاب جلالة الملك جعل منه فلسفة اجتماعية للدولة المغربية، وهو ما يستلزم إطلاق حوار وطني وإشراك مهنيي الصحة والمجتمع المدني وكل الأحزاب في تنزيل هذا المشروع ألضخم وتجاوز هذه المقاربة التقنية التي عفا عنها الزمن". وكشف ايدي أنه في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع إجراءات وسياسات عمومية تخدم رخاء المواطن وتقدم له الدعم وتيسر ظروف عيشه، رأينا أن الحكومة الحالية ماضية في تنزيل مفهوم متحور للدولة الاجتماعية لا نجد له مثيلا في كل التجارب المقارنة للديمقراطيات الاجتماعية، ولعله نموذج أقرب إلى محاولة صبغ السياسات الليبرالية بطابع اجتماعي، ذلك أن الدولة الاجتماعية بالشكل، الذي أنتجته مدارسها، والذي أراده جلالة الملك، لا بد وأن تستثمر في الإنسان أولا، وتعزز المقومات الضرورية لوجوده وعيشه بكرامة، وهو ما تفتقر إليه الإجراءات الحكومية، والتي أعطت إشارات غير مطمئنة سواء في ما ارتبط بشروط ولوج مهن التربية والتكوين الجديدة أو في ما حمله مشروع قانون المالية من إجراءات ضعيفة وغير ذات أثر سواء ارتبط الأمر بالصحة أو التعليم والتشغيل. وطالب الفريق الاشتراكي الحكومة بالقطع مع القرارات الارتجالية وتعزيز الاستراتيجية التواصلية مع المواطنين وتحصينهم من آليات إشاعة الرعب واليأس في صفوفهم، بما يحصن المكتسبات الصحية التي حققتها بلادنا من جهة ويعزز سبل الحماية الاجتماعية للمواطنين من جهة أخرى، عبر إقرار إجراءات اقتصادية عاجلة وفعالة لصالح عموم المغاربة، خاصة من ذوي الدخل المحدود والفقراء، وهو ما كنا نتمنى أن يترجمه مشروع القانون المالي إلا أننا لم نجد له أثرا اللهم إلا من إجراءات خجولة لا يمكنها القطع مع منطق الترقيع. ونبه يوسف ايدي إلى أن ما سببه إقرار شروط مجحفة لولوج مهن التربية من توترات اجتماعية واحتجاجات، بلدنا في غنى عنها، وخيبة أمل كبرى لفئات واسعة من أبناء الشعب المغربي، لهو عنوان للأفق الصادم لهذه الحكومة ووفائها للنهج الليبرالي المتجرد من أي وازع أو أفق اجتماعي يسعى لخدمة الطبقات الهشة والشباب والنساء والفقراء، في الوقت الذي يحافظ على مكتسبات الطبقات الغنية والموسرة، وأصحاب الرساميل والشركات الكبرى. وأضاف أن المؤشرات على هذا الأفق الصادم وغير المطمئن متعددة لعل أهمها معدل النمو، الذي أصبح في حدود 3,2 في المائة فقط في مشروع قانون المالية بعدما كان 4 في المائة في البرنامج الحكومي، وهو معدل ضعيف جدا ولن يسعف في حل الإشكالات المتراكمة، التي يعاني منها المواطن المغربي،علما أن النموذج التنموي الجديد للبلاد يطمح لتحقيق معدل نمو لا يقل عن 6 في المائة اللهم إلا إذا كانت الحكومة قد تحللت من الالتزامات التي يفرضها النموذج التنموي الجديد مثلما تحللت من سابق التزامات الأحزاب الممثلة لإئتلافها أوالتي صوت المواطن لصالح هذه الأحزاب على أساسها. أليس هذا الوعد المتواضع محاولة لإخلاء المسؤولية قبل أن ينكشف زيف الوعود الموزعة بسخاء وحماسة خلال الحملة الانتخابية ؟ إننا نتساءل هنا نيابة عن المواطن الذي ينتظر أن تتحول تلك الوعود إلى واقع ملموس بعدما آمن بصدقها ومنحها ثقته وشُبه له أن بعض الأحزاب تستطيع ضخ ميزانيات ضخمة في القطاعات الحكومية كما ضختها في حملاتها الانتخابية، وسؤالنا نابع من حرصنا على أن لا يكون المواطن المغربي ضحية لعملية تضليل كبرى قد تأتي على ما تبقى من ثقة له في العملية السياسية والأحزاب. وأوضح رئيس الفريق الاشتراكي أن "ما قلناه على معدل النمو ينطبق أيضا على التشغيل، فهذا المشروع الذي نحن بصدد مناقشته لا يعد المواطن إلا بإحداث 26.860 منصبا ماليا برسم سنة 2022، وهذا بالتأكيد رقم لا يغطي حجم الطلب المرتفع على العمل، ولا يستجيب لطموحات الشباب المغاربة في التشغيل، بل ولا يغطي حتى اتساع رقعة فقدان الشغل المرشحة للارتفاع جراء التطورات الأخيرة للوضع الوبائي بالعالم والتي ستمس بلا شك بلادنا، لقد صار القدر المحتوم لشبابنا اليوم بعد سنوات من الجد والاجتهاد والمثابرة هو الارتماء في مستنقع البطالة أمام هشاشة سوق الشغل في القطاع الخاص ومحدودية الفرص في القطاع العمومي، التي سيزيد من محدوديتها القرارات غير القانونية المؤطرة لشروط اجتياز مباريات التوظيف، هل تعي الحكومة معنى تواجد أربعة أو خمسة أفراد من أسرة واحدة من حاملي الشواهد العليا دون شغل؟ هل تعي مقدار الصدمة وهي تأتي على ما تبقى لهم من أمل وتخرجهم بجرة قلم من دائرة التنافس على مناصب هي في الأصل تكريس للإقصاء لا في عددها ولا في ما تقدمه من أجور في حالة التوفق فيها؟ إنها وضعية غير عادلة تزرع قنبلة اجتماعية موقوتة يزيد من خطورتها ما تقترحه الحكومة لحد الآن من حلول لمحاربة البطالة وتوفير مناصب الشغل". وأضاف رئيس الفريق أنه "إذا كان البرنامج الحكومي يعد بخلق مليون فرصة شغل خلال ولايتها فإننا وإن كنا لا نثق بهذا الالتزام، نتساءل هل هناك مليون شخص فقط يبحث عن فرص عمل؟ ماذا سيكون مصير الملايين الأخرى. إن معاناة المواطن المغربي مع الأسعار لاتزال مستمرة أمام ما تعرفه الأسواق من زيادات رهيبة في الأسعار، لكن الحكومة لم تحرك ساكنا لحماية المواطنين من جشع بعض اللوبيات وبعض مستغلي الأزمات للتربح السريع وتحقيق ثروات فاحشة من وراء المضاربات والاحتكار. وقد رأينا معاناة المواطنين مع هذه الزيادات التي مست وتمس كل جوانب حياتهم الاستهلاكية بدءا بمجال المحروقات والنقل وكثير من المواد الغذائية. وهذه الزيادات لا ترهق كاهل المواطن العادي فقط لكن تثقل أيضا كاهل المقاول المغربي الذي يجد نفسه أمام تنافسية شرسة للمنتجات الأجنبية، وأيضا أمام صعوبة في الوفاء بالتزاماته جراء ارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق. يشكل التعليم اللبنة الأساسية في أي مشروع إصلاحي وتزداد هذه الأهمية في الدول التي تسعى لإقرار إصلاحات اجتماعية عميقة، والتي يعد المغرب واحدا منها وفقا للإرادة الملكية السامية الداعمة والمبادرة لإقرار دولة اجتماعية قوية وعادلة، غير أن ما حمله القانون المالي في هذا الإطار جاء دون المستوى، وخلال شهر واحد فقط من التدبير، أخرجت هذه الحكومة، بسبب سياساتها وقراراتها غير المدروسة، المواطنين ضد تنزيل ارتجالي لجواز التلقيح، وأنزل في أقل من أسبوع بعدها الشباب حاملي الشواهد للاحتجاج ضد تسقيف سن الولوج للتوظيف في مهن التعليم، وبعدها أنزل التلاميذ للاحتجاج على مذكرتين تخصان الامتحان الموحد. ويحق لنا بالتالي أن نتساءل ما هو القادم؟ هل تسعى الحكومة إلى قتل عقلها، نعم نتفهم أن القرارات الإصلاحية الكبرى غالبا ما تكون لها فاتورتها لكن ما لا نفهمه هو الإمعان في ترتيب هذه الفاتورة على الفئات الهشة والفقراء بشكل خاص". وقال الفريق الاشتراكي "إن واقع اليوم يفرض تحديات كبيرة وضخمة على بلادنا، وندعو الحكومة إلى اليقظة والحذر والإنصات إلى نبض الشارع ونعتبر أن تقصيرها في عملها وتغاضيها عما يهدد استقرار البلد وكرامة المواطنين وعجزها عن تقديم الحلول الناجعة مفسدة كبرى لا بد من التصدي لها بنفس العزم واليقظة والمواطنة. ولا يفوتنا التنبيه من موقعنا في المعارضة لتجاهل الحكومة لدورها المفترض في ما يخص تقوية مؤسسات الحكامة، التي نؤكد دوما على محوريتها في التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي وفي جاذبية بلادنا للاستثمار الأجنبي. إن تقوية مؤسسات الحكامة والإصلاح الإداري وتعزيز الشفافية وتبسيط المساطر وتسريع رقمنة الإجراءات الإدارية من المشاريع الملحة التي لا تحتاج إلى ميزانيات بقدر ما تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وإلى شجاعة، إن تمكين المعارضة من لعب دورها التشريعي والرقابي كاملا من شأنه أن يحفز العمل الحكومي وأن يقوي حس اليقظة السياسية لدى الحكومة، وهو عنصر لصالحها وليس ضدها، لذا فإننا نجدد التأكيد أن هذه المرحلة التي تمثل مرور عشر سنوات على تأسيس الدستور الجديد، تتطلب التخلي عن منطق الاستفراد والحزبية الضيقة لأجل تفعيل أكثر شمولية لمقتضياته، وبالتالي فإن المرحلة تقتضي التحلي برحابة الصدر لكي نجعل اختلافاتنا مصدر إثراء جماعي وبوصلة لتلمس الطريق نحو الاختيارات الكبرى التي تؤسس لمغرب الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية بتجرد عن كل منظور إيديولوجي منغلق، وبعيدا عن الاستقواء أيا كان شكله أو مصدره".