تبون وازدواجية الخطاب.. كيف كشف معارضوه للعالم نفاقه السياسي بشأن التطبيع؟    شبه استقرار في معدل النشاط وإحداث 82 ألف منصب شغل خلال 2024    بعد توتر العلاقات بين البلدين.. تبون يدعوا إلى استئناف الحوار مع فرنسا "متى أراد ماكرون ذلك"    تبون يقيل وزير المالية دون تقديم مبررات    "لحاق الصحراوية 2025".. مغربيتان تتصدران منافسات اليوم الأول    مراكش.. حجز 2514 وحدة من الأدوية المهربة وتوقيف ثلاثة أشخاص متورطين في ترويجها    كيوسك الإثنين | التساقطات المطرية تنعش حقينة السدود    حجز كمية مهمة من المخدرات ضواحي أكادير    شقيق سفيان البحري يؤكد ل"القناة" وفاته إثر أزمة قلبية مفاجئة    أوكسفام: 1% من الأغنياء يسيطرون على 63% من الثروات الجديدة منذ جائحة كوفيد-19    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    تبون: حذرت ماكرون من أنه سيرتكب خطأ فادحا في قضية الصحراء.. ومازلنا في منطق رد الفعل مع المغرب    حروب الرسوم "الترامبية" تشعل أسعار النفط في الأسواق العالمية    ترامب يؤكد عزمه فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية    الاتحاد الأوروبي يفرض قواعد جديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي    النقابات التعليمية تحذر الحكومة من التراجع عن التزاماتها    بوحمرون ‬يتسبب ‬في ‬حالة ‬استنفار..‮ ‬    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    محاربة المغرب لمد التطرف والإرهاب.. أي إشارات    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    طقس ممطر في توقعات اليوم الإثنين    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    سيارة مفخخة تخلف قتلى بسوريا    نشرة إنذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء    صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    إضراب عام في المغرب احتجاجًا على تدهور القدرة الشرائية وتجميد الحوار الاجتماعي    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    التساقطات المطرية الأخيرة ترفع نسبة حقينة سدود المملكة إلى أزيد من 27%    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    تحولات "فن الحرب"    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ستيفن ديرالوس بصيغة مغربية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 18 - 08 - 2021

يعد محمد زفزاف واحدا من أساطين الأدب المغربي، وأنا في ميْعة الصبا، قرأت مجموعته القصصية "العربة"، التي كانت أيقونة، بكل المقاييس، تصور تصويرا فوتوغرافيا الواقع المغربي. في الحقيقة ، كان اندهاشي كبيرا عندما أحسست أن للأدب طاقة خلاقة يكتشف بها هذا العالم هذه الحياة، بل إن الانبهار كان على أشده وسيد الموقف ، عندما أصبح الأدب قادرا على أن يفعل الكثير، كما قال الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا.
صهيل محمد زفزاف جاء من أدغال نهر سبو، حيث عانق الفقر، واحتضنه كما يحتضن جائع رغيف خبز حاف. انتظم إبداع زفزاف في السرد والشعر. في المرحلة الثانوية كانت أولى قصائده تتفتح على رحيق الصبا، حيث تنبأ له أستاذه الدكتور ابراهيم السولامي بفجر واعد في الأدب. كانت الانطلاقة الحقيقية من وراء المجاميع القصصية، التي أصبحت سراج هذا الثعلب الذي يظهر ويختفي. فضلا عن ذلك، فانطلاقا من مجموعته القصصية "حوار في ليل متأخر" إلى الأعمال الكاملة القصصية والروائية، التي تحسب لوزارة الثقافة المغربية، جاءت الشهرة إلى محمد زفزاف تغني ليل الصابرين . فبقدر ما تزداد أسهمه في بورصة قيم ورواسخ الإبداع، بقدر ما يزداد ترسخا وتعلقا بأصلاب مهمشين ومنبوذين وتعساء في المجتمع. لم يكتف، محمد زفزاف، بإخراج أصواتهم المبحوحة إلى العلن، وإنما صورهم كما فعل، بأبطالهم، الكتاب العالميين من أمثال إرنست إمنغواي وأنطوان تشيخوف غي موبسان.
محمد زفزاف ورث عن هؤلاء العظماء حرفة الأدب، فلا مكان لرمية نرد على طاولة الندماء، ولا باب مشرع على عبث واستهتار وصدف، وإنما الأمرُ معقود على ناصيته بلاغة القص وأريجه. في مد الحكي وجزره، والاحتفاء بلذائذ الأمور، عاش محمد زفزاف الفقر الحقيقي، وبنى مجده لوحده، كما قال الشاعر إدريس الملياني. في سيرة العظماء تغضن الإملاق على وجوههم ، حتى صار محفزا للإبداع الحقيقي . فكما أنطوان تشيخوف كما محمد زفزاف، كانا على موعد مع الفقر، الذي يرسم طريقا نحو مجد آت من وراء مزنة ندية. فبعد إفلاس والد تشيخوف ، كانت العائلة تتهادى على صخرة صماء من فاقة وحاجة. فما كان لأنطوان إلا أن يصطاد طيورا ويبيعها ؛ بهدف تغطية مصاريف الدراسة. واستطاع بعد جهد كبير أن يلمع بريق اسمه كأديب مميز فوق سماء جامعات موسكو، بإبداعاته الصادمة للواقع الروسي، مما أهله لأن يفوز بجائزة بوشكين. تتجلى لنا الصلة العضوية التي تجمع تشيخوف بزفزاف في نقدهما اللاذع للواقع الإنساني من جهة ، حيث إنهما يعتبران الإنسان جوهر هذا الكون . فلا بريق في الأفق ما لم يتخلص الإنسان من الأصفاد والمكبلات، ومن ثم يعانق المدى في وهاد وبهاء الحرية.ومن جهة ثانية ، فرغم الحاجة والفاقة، فهما يتمتعان بصفات إنسانية عابرة للوجود. وقد ترجما هذا الشعور والإحساس بالآخرين وبألمهم وعوزهم، إلى الأدب من خلال أعمال الرائدة. فأنطوان تشيخوف كان سباقا إلى هذا الضرب من الإبداع ، ففي كتابه " جزيرة سخالين " وكذا قصته التي عنونها ب "القاتل "جمع تشيخوف وثائق عن معاناة السجناء والسكان المحليين في حياتهم اليومية، علاوة على الاضطهاد الذي يعنفون به من قبل إدارة السجون المنتشرة في كل مكان، بالمقابل نجد محمد زفزاف قد سار على الدرب نفسه .
فمن خلال مجموعة من قصصه، وفي مقدمتها " الديدان التي تنحني"، والتي سحرت عميد القصة المغربية أحمد بوزفور، نعثر على لغة بسيطة منحنية نحو شعاب وتجاويف دقيقة في الجوهر السلوكي عند الإنسان، وذلك عبر ما أبداه السارد من تعاطف إنساني مع عمال في مجاهل جبال وغابات ترجيست؛ سفح جبل تدغين . يقول بوزفور : " حين تعرفت لأول مرة على قصته الذائعة الصيت: "الديدان التي تنحني"، وقد كان لهذه القصة بعض الأثر في اتجاهي لكتابة القصة القصيرة … اكتشفت أن من الممكن أن تدخل الحياة المغربية إلى الكتابة، وبمستوى عال من الحرفية الفنية، وأن من الممكن أن أصبح أنا الآخر كاتبا إذا صممت، وثابرت".
لم تكن اللغة ، التي يركب صهوتها محمد زفزاف، بسيطة كما يعتقد العديد من النقاد، فالتجربة التي خاضها زفزاف تفرض إيقاعا لغويا متفردا في المبنى والمعنى. فالنظرية الباختينية، التي تفجر الواقع من الداخل، بأساليب تغضن وجه الواقع المعاش، تفرض مزيجا متكاملا من صور فوتوغرافية مندغمة بلغة تتراوح بين الفصيح وما يشبه العامي . يقول في "العربة ":
الضاوية . أريد برتقالة. أنا جائع .
ها الخير! زيدوا ها الخير!
أريد برتقالة.
يا ابن الكلبة . ألا تحشم؟ منذ الصباح وأنت تأكل . الليلة سوف تتقيأ مصارينك …"
في كتاب "الأدب العربي وتحديات الحداثة، دراسة وشهادات" تطريز لحوارات أجراها الكاتب والأديب السوري عبد الله أبو هيف مع العديد من كتاب الوطن العربي من مختلف الروافد المعرفية، ومن بينهم الأديب المغربي محمد زفزاف ، حيث إن هذا الأخير أكد على أن الكتابة القصصية لا يجب أن تهتم أكثر بالأسلوب ، فالاهتمام باللغة، حسب زفزاف، يكون مقبولا في الشعر بناء على تنظيرات الشعراء العالميين أمثال ستيفان مالارميه ، بول فاليري، عزرا باوند ، وبدر شاكر السياب . ويبقى الأسلوب القصصي الأنجع، في تناول الظواهر المجتمعية ، ينبني على الوضوح وترتيب الجمل والكلمات، ويأتي الحذف والمحو كتقنيتين حديثتين في وصف الصور، التي يعتمدها زفزاف في نصوصه الإبداعي . ومن حيث إنه يربط رباطا متينا بين مصير الأدب ومصير المجتمع، فإن العمل السياسي يجيء كمعطف يدثر التجربة الزفزافية. وفيها نجد الجيل الذي أقبرت أحلامه الوردية مع صعود جلادين إلى هرم السلطة السياسية، وباتت المرحلة الأفقيرية، نسبة إلى الجنرال أفقير، عنوان جيل سعل الدم في القصة والشعر، حسب محمد زفزاف.
وحتى يبقى حبل الوصل والود دائمين، ويتم فيهما ربط الماضي بالحاضر، جاء تكريم محمد زفزاف على شرف اتحاد كتاب المغرب، وفيه أحب الناقد المغربي نجيب العوفي أن يلقبه بستيفن ديرالوس لكنه بصيغة مغربية. حيث جاء زفزاف إلى الأدب من عوالم دونية سفلى، يستبعد الأضواء ويتبرم منها ؛ لأنه على علم بمزالق الشهرة، بما هي تقتل ولا تحيي صاحبها. فبالرغم مما سطره، وحبره محمد زفزاف طيلة ثلاثة عقود، من قصص وروايات ومسرحيات وأشعار، في مختلف المنابر الإعلامية المغربية والعربية، يظل اسمه خافتا بين طلاب المعرفة والثقافة، حيث يكاد تخلو مقررات الدراسية المبرمجة للطلاب من نصوصه. فالكتابة بالنسبة له نابعة من وعي وضمير مهني حي، ينتج المعرفة ويربي الحس الجمالي؛ بغية التفاعل الإيجابي والانصهار المطلق في بوتقة التغيير نحو الأفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.