تبون: حذرت ماكرون من أنه سيرتكب خطأ فادحا في قضية الصحراء.. ومازلنا في منطق رد الفعل مع المغرب    أوكسفام: 1% من الأغنياء يسيطرون على 63% من الثروات الجديدة منذ جائحة كوفيد-19    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    النقابات التعليمية تحذر الحكومة من التراجع عن التزاماتها    حروب الرسوم "الترامبية" تشعل أسعار النفط في الأسواق العالمية    ترامب يؤكد عزمه فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية    الاتحاد الأوروبي يفرض قواعد جديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي    بوحمرون ‬يتسبب ‬في ‬حالة ‬استنفار..‮ ‬    تبون: "نضيع الوقت" مع ماكرون    سيارة مفخخة تخلف قتلى بسوريا    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    طقس ممطر في توقعات اليوم الإثنين    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    محاربة المغرب لمد التطرف والإرهاب.. أي إشارات    نشرة إنذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء    صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    إضراب عام في المغرب احتجاجًا على تدهور القدرة الشرائية وتجميد الحوار الاجتماعي    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    توقيف سائق طاكسي بأكادير بتهمة ترويج القرقوبي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    التساقطات المطرية الأخيرة تعيد الآمال للفلاحين وتعد بموسم فلاحي جيد    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    المفوضية الأوروبية تحذر من "رد حازم" إذا استهدف ترامب منتجاتها برسوم جمركية "تعسفية وغير منصفة"    التساقطات المطرية الأخيرة ترفع نسبة حقينة سدود المملكة إلى أزيد من 27%    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    تحولات "فن الحرب"    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بَيْن رَواءٍ وَ رُواءِ : قراءة في رواية «رواء مكة» للكاتب حسن أوريد
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 04 - 2021


1
وأنا أقرأ السيرة الروائية «رَواء مكة»، لكاتبها حسن أوريد، وما تحمله من زخم معرفي وفكري وعقائدي، كانت أي السيرة الروائية ترتهن للفعل والفعل المضاد. فهذا الترابط القائم بين الشرط وجوابه، جاء نتيجة إصرار الكاتب على السفر؛ لأداء فريضة الحج من جهة، وطلب الغفران من كل الذين أذنب في حقهم من جهة أخرى. فما كان للكاتب إلا أن ينهل من إسلاميات طه حسين عميد الأدب، حيث إن هذا الأخي، مرج البحرين يلتقيان في برزخ العلم والمعرفة والفكر، وذلك من خلال أهم مؤلفاته « الشيخان» و»الفتنة الكبرى» و«على هامش السيرة» و«مرآة الإسلام» وغيرها كثير.
لم يكن طه حسين، بالنسبة لحسن أوريد، في رَواء مكة، سوى نموذج ووعاء لمعرفة الأصوليات العربية والإسلامية؛ وإصراره الجامد على سحب البساط من تحت أقدام الخطاب القديم، كاشفا بذلك عما يعتور مسيرته في تدبير أمور وشؤون الدين.
إن ما أقدم عليه طه حسين، في مواجهة صريحة مع شيوخ جامعة الأزهر، كان ضمن مشروع كبير انخرط فيه جيل من المثقفين المصريين من مختلف المشارب الفكرية والعلمية ، بهدف القضاء على الفكر العتيق، والضرب في صميم وجوهر الفكر الوصائي المفروض على الشأن الديني المصري؛ لتخليصه من شأو الخرافة. فجاء كل من محمد حسين هيكل بكتابه الرائد «حياة محمد»، وأردفه بآخر «في منزل الوحي» وغيرهما، كتعبير عن التحرر من مرجعيات في الكتابة والتأليف. فضلا عن العبقريات لعباس محمود العقاد، وحواريات «أهل الكهف» و«محمد» لتوفيق الحكيم .
فلا سبيل إلى المواجهة، حسب حسن أوريد، دون التحرر من الخرافة، التي تحد وتقمع التطور والإبدال . فإعمال العقل شرط أساسي للتقدم، واستحضار البعد الثقافي، في الصراع ضد الجهلة والخرافيين، أمر لا محيد عنه. لهذا السبب أشار حسن أوريد في السيرة الروائية «رَواء مكة» إلى أهم المنعطفات التي شكلت وعي مساره في التحصيل العلمي والفكري . فكان ذلك مزيجا من أصوليات ذات بعد أدبي إسلاموي صرف ك» لزوميات « أبي العلاء المعري، و إسلاميات طه حسين. علاوة على الأصول المادية واتجاهاتها في الإسلام لمحسن عامل والطيب تيزيني، كما أن المنزع الماركسي والقومي شكلا رافدين أساسيين من روافد المثاقفة عند أوريد، خصوصا كتابات المفكر والمؤرخ عبد الله العروي، وحفريات محمد عابد الجابري في «بنيات العقل العربي» .
وانتصارا للمسار الذي رسمه حسن أوريد في «رواء مكة»، يجيء الإيمان بالله كمعطى جوهري مستقل عن المظهر الخارجي؛ لأن الإسلام، حسب الإمام الغزالي، دين يمنح الطمأنينة ونور يقذف في قلب المؤمن من الداخل ليصعد هذا الوهج الباطني والروحي إلى الخارج .
بالموازاة مع ذلك ، وتجاوزا لآلام العملية وبرحائها، استأنس الكاتب بحوار أجرته القناة الخامسة الفرنسية مع الناشطة الحقوقية الإيرانية شرين عبادي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، والتي اعتبرتها بعض دوائر النظام الإيراني مدعاة للفتنة، من حيث إنها رفضت، الحقوقية عبادي، بالرغم من أنها تؤمن بالله، أن ترتدي كسائر النساء الشادور. فهذه رسالة واضحة المعالم إلى كل الذين يرون أن الاهتمام بالمظهر أصبح هو الجوهر .
غير أن في إشارات متعددة لسلوكيات المسلم من قلب الإسلام الحضاري، تبعث على الاستهجان والنفور، وهذا ما استدل به حسن أوريد «في رواء مكة « عندما أشار إلى صاحب خماسية «مدن الملح». فالحضارة وجزؤها المادي الثقافي كفيل بأن يدفع الانسان إلى الانغماس في ترف ونعيم؛ فتتبدل جيناته وتتغير ملامحه وتصرفاته. وفي هذا ما وقف عليه ابن خلدون، وهو يخرج مفهوم الحضارة إلى الكون. فعرب الجزيرة تغيرت أحوالهم، وانغمسوا في ما لذ وطاب بمجرد اكتشاف الذهب الأسود؛ محرك الحياة الاقتصادية والصناعية. فالحضارة، بهذا المفهوم، حسب ابن خلدون، تعني الترف المادي، لكن هذا لا يتوافق، في الإسلام، وأصوليات السنة والصحابة، وما عرفوا به من شظف العيش؛ حيث إن همهم الأسنى، كان، هو بناء الإنسان والحضارة.
2
نهل حسن أوريد من منبعين صافيين وعذبين، ماء زلالا. ففي السيرة الروائية «رَواء مكة» نجد البعد الوظيفي للمعرفة حاضرا في التكوين الذاتي، حيث ارتسم في ذهن الكاتب المسار الذي سيسلكه، وهو مقبل بنهم وعزيمة، على تحصيل معرفي وثقافي عام لا يدرك مداه. وفي سبيل ذلك، كان العشق أكبر لرواد تشبثوا بالثقافة المغربية وأصولها، درءا للحفاظ على هوية باتت يتهددها التلاشي والذوبان في الآخر وفي العالم . إن القدوة أو صانع القرار، بالنسبة لحسن أوريد، لا ينجذب إليه بدافع انطباعي مظهري، بل يجب أن يكون أي القدوة كاريزما حقيقية، بنت بالإسمنت المسلح مسارها المنحوت بأظافرَ شعثاء على صخرة التاريخ. وفي هذا، شكلت العلوم الدينية، ونفحاتها الطيبة قطبا استقطب أوريد إلى باحاتها العطرة. فحيثما وجدت اللغة العربية مصانة، بمحسنات بديعية وبلاغية، كان الحاج امحمد باحنيني، بذلك، أول المؤثرين المباشرين في الكاتب إلى درجة الهيام والتماهي مع مناراته المعرفية. ويأتي في المنبع الثاني، محمد شفيق العارف بأسرار اللغة العربية، الماتح من ذخائرها والمستعوم في مسابحها بدون ضفاف. لقد شكل أمحمد باحنيني إلى جانب محمد شفيق رافدين، لم يشق لهما غبار من ضمن العارفين بأصول معرفية مترامية الأصول، ومتعددة الأغراض والوظائف.
3
يقول إن الخيرالدة مِلكٌ لإسبانيا
رائحة الأندلس ورائحة المورسكي؛ أريجهما من أريج «رَواء مكة».
هل طارق بن زياد فعلا فتح الأندلس؟
وهل كان ابن رشد فيلسوف قرطبة؟
وما عسى أن يكون ابن حزم لولا «طوق الحمامة»؟
وأخيرا، هل الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس امتداد لحضارات البيزنطية والساسانية؟
أريج «رواء مكة» اقتحام تراوح بين العقل والروح، فيه استفسار وشك وتيه في شعاب المعرفة والعلم، والعودة إلى حنين دافق؛ إلى طفولة منسية. هكذا كانت «رواء مكة « لكاتبها حسن أوريد سفرا من أجل الإيمان، من أجل معرفة حقيقية لكلمة التوحيد، وكلمة التلبية. بعيدا كل البعد عن سارتر وكامو و مونتيسكيو، وقريبا كل القرب من عبد لله العروي ومن أبي الطيب المتنبي ومن أبي العلاء المعري. مزيج من الحكمة والتبصر من أجل سيرة روائية تكشف عن أسرار الحياة، وتوحد العالم في بوتقة العلم والمعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.