الوداد يهزم الحسنية بثنائية نظيفة    ليس بينها المغرب.. الرياض ودول عربية تعلن "الرفض القاطع" لتصريحات نتنياهو عن دولة فلسطينية في السعودية    "أسود الركبي" يبلغون كأس إفريقيا    عدنان المعز يكتب: "الحركة الكشفية المغربية التاريخ المنسي"    السفياني ينجح في تعميم نظام إنارة LED في كامل تراب مدينة شفشاون    حقينة سدود المملكة تبلغ نسبة 27.63 في المائة    هذه توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين    انطلاق فعاليات التوجيه المدرسي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة من العرائش    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    دراسة: القهوة تقلل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني    أرقام مثيرة للأمن الوطني عن تراجع الجريمة في رمضان مقابل ارتفاع استهلاك الشيشة والتسول    مبابي يصبح أصغر لاعب يصل إلى 500 هدف في مسيرته الرياضية    القوات المسلحة الملكية المغربية تجهز طائرات F-16 بنظام حرب إلكتروني متطور    مسيرة ضد الفساد تجوب مراكش    "أكديطال" تنفي استقدام ممرضين من الخارج وفي نفس الوقت تؤكد انفتاحها على الكفاءات الأجنبية    أنفوغرافيك | غالبيتهم شباب.. معدل البطالة في المغرب يرتفع إلى 13.3% خلال 2024    تعيين البرتغالي ألكسندر دوس سانتوس مدربا جديدا لفريق "الجيش الملكي"    دعوات لإنقاذ مغربية مريضة مسجونة في العراق    أكبر مركزية نقابية تقاطع الوزير السكوري بسبب تزوير نسب الإضراب العام وتؤكد تنامي الاحتقان الاجتماعي    إسرائيل تؤكد الاستعداد لتنفيذ خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة    ب ثقب في جدار الحمام.. سرقة 11 مليون سنتيم من وكالة تحويل أموال    نفوق حوت من نوع كوفييه بشاطئ ثيمشضين بمدينة الحسيمة    "الوصايا".. فيلم جديد لعكرود يناقش معاناة المرأة المغربية ودواعي تعديل مدونة الأسرة    هجوم إرهابي يخلف 24 قتيلا بمالي    هيئات مغربية تستعد لاحتجاجات ضد مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين    باريس سان جيرمان يمدد عقد البرتغالي نونو مينديز إلى غاية 2029    تهجير الفلسطينيين للمغرب: الكذبة الكبيرة!    الغلوسي: الحكومة لا تملك إرادة لمكافحة الفساد والمال العام ينهب (فيديو)    شباب الريف الحسيمي يكتفي بالتعادل بميدانه    تراجع حاد في أعداد الأكباش يثير المخاوف ويرجح إلغاء الأضحية    أستاذ بكلية الآداب بتطوان يفوز بالمرتبة الأولى لجائزة الدوحة للكتاب العربي    عبد النباوي: مواقع التواصل مليئة بالمنكرات والقانون وحده لا يكفي لضبطها    العثور على جثة رجل تعليم متقاعد في شارع عام بالحسيمة    زكية الدريوش: "الحوت بثمن معقول" يعود في رمضان    تطوان شهدت 43 حالة انتحار و10 جرائم قتل خلال سنة 2024    نزار بركة يؤكد على تعزيز التنظيم الحزبي واستعدادات "الاستقلال" للاستحقاقات المقبلة    السغروشني: المغرب يراهن على ريادة الأعمال والابتكار في الاستراتيجية الرقمية 2030    تفاصيل اتفاق مغربي-ليبي لتعزيز التعاون في قطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية    جائزة الحسن الثاني-كأس للا مريم للغولف: الأمير مولاي رشيد يترأس حفل تسليم الجوائز للفائزين    زلزال بقوة 7.6 درجات بالبحر الكاريبي وتحذيرات من تسونامي    مسرح محمد الخامس يستقبل معرض "أصداء" للفنانة هدى بنجلون    الشاب خالد يستقر نهائيا في طنجة عروس الشمال    توقيف ثلاثة أشخاص في الرباط بتهمة استخدام بندقية صيد    إسرائيل توسع نطاق عمليتها العسكرية في الضفة الغربية لتشمل مخيم نور شمس للاجئين    واش المشغل عندو الحق يطرد الأجير إلى انخارط في الإضراب؟ (فيديو)    الاتحاد الأوروبي يسمح باستخدام مسحوق حشرات في الأغذية    انتخاب رئيس جماعة إونان لمهمة انتدابية جديدة    أزيد من 200 مليون دولار أنفقتها أندية السعودية على الانتقالات الشتوية في 2025    وجدة: تأسيس نادي للذاكرة المشتركة والمقاومة بجهة الشرق    الشيخ محمد بن راشد يتوج الفائزين بجائزة صناع الأمل لتكريم أصحاب العطاء    وداعا للشراهة في تناول الطعام.. دراسة تكشف عن نتائج غير متوقعة    "للحكمة، لا يكفي الصمت" لكوكاس.. كتابة بالإبر تشبه منديل عرس    سفيان الشاط يحصل على الدكتوراه بميزة مشرف جدًا مع التوصية بالنشر    "فحوص بوحمرون" تسجل إصابات مؤكدة في 11 مؤسسة تعليمية بطنجة    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمات الاختلاف وتجلياته في ديوان «بغير جناح» لياسين الحراق

يرهص ديوان «بغير جناح» للشاعر المغربي ياسين الحراق بتجربة شعرية تنحو نحو خوض غمار أفق إبداعي مغاير، يروم تجريبا صادرا عن رؤية تتغيا خلق أشكال تعبيرية مختلفة عن الأنماط الشعرية المألوفة بشتى ألوانها وحساسياتها . فالديوان يتوزع على ثلاثة أقسام (سدرة الفناء، جذبة الظل ونافذة أخرى) وكل قسم يتضمن نصوصا تتفاوت على مستوى التركيب الإيقاعي والبعد الدلالي باستعمالات لغوية متعددة الامتداد المجازي، والتنوع المعجمي بما ترسمه من صور موسومة بطابع الاختلاف والتجريب من خلال تشبيهات تشذ عن الشائ ، وصيغ تنشد خلق طرائق تنعتق عن ربقة المألوف بانخراطها في رسم ملامح مسار ينزع نحو التجديد والتجريب باختراقه لسديم عتبات حصين ، واجتراحه لضفاف يجللها النأي والوحشة في استخدام أساليب شعرية نوعية من قبيل : « ذق هذه الحيرة « 11، من خلال ربطه بالحيرة كإفراز نفسي محفوف بالريبة والارتباك بحاسة الذوق في حدودها المادية المعروفة، استعمال تتعدد آفاقه، وتتنوع تجلياته في نصوص المجموعة كقوله : «لا تطوي ظلك»21 ، أو : « مثل مياه في جبة الوجد « 24، أو : « يتورق فينا بعض الحجر»84، وكلها صور تشذ عن الأنماط الشائعة لما تزخر به من معالم زخم غني بتشبيهاته الرامية إلى التئام التنافر الدلالي عبر تقريب الهوة بين مكوناته المعجمية، ومد الجسور بين ألفاظها ومعانيها للانتظام في جوقة تنأى عن النشاز بخلق التناغم المقصود والتجانس المطلوب .
ولنصوص الديوان أبعاد متعددة ومتنوعة في استخدامها لما هو ديني: « هذا القلب قد من دبر» 28 في استيحاء من النص القرآني ( سورة يوسف)، ومن نفس السورة أيضا : « النسوة قطعن أيديهن « 53، أو قصة قابيل وهابيل : «كيف حثا غراب صريع على هابيل التراب!؟.» 52، وإن كان بتحوير لا يخلو من مسحة تروم تعميق المعنى بتشريعه على أبعاد وجودية في امتدادات تجترح ما هو غيبي ميتافيزيقي.
ويحضر الكون بمكوناته المتعددة، في ثنايا نصوص المجموعة، من سماء ونجوم : « ليس نجما ذاك الهائم في السماء» 10 ، شمس وقمر : « الشمس تقتل / القمر يهب الحياة» 21، لينتقل إلى البحر : « من ذا الذي يقودنا إلى البحر؟» 22، والنهر: «لا تعد إلى النهر وحدك» 25، والغيم والنجوم: «ما زلت تمسح الغيم في عينيك / حواليك آلاف النجوم» 29، كما يستحضر عناصر كونية أخرى، إغناء لنسيج المتن الشعري وتنويعا وتعميقا لأبعاده، مثل الماء والنار والطين : « قدامك الماء والنار والطين « 56، وإن كان للماء حضور أسمى وأرفع بتكراره في البحر والنهر والغيم . عناصر ومكونات تلتئم داخل نسق شعري يتجاذبه السؤال «ماذا يفعل هنا القمر؟» 81 ، والتشبيه : « أخرج من جسدي شمسا طليقة» 48، وقد تأخذ منحى تعبيريا مغايرا بابتكاره لصورة تمعن في انزياحية نوعية: «وجهي الذي أضعته فقأته الريح « 77، تحدد معها معالم كتابة تنحت شكلها بأسلوب شعري تتغير أبعاده، وتتبدل أنماطه داخل حيز يؤثث، بكثافة واختزال، فضاء البياض ويحوله إلى شكل هندسي يرشح غواية وجمالية: «ربما يتورق فينا بعض الحجر « 84 ، احتمال ينفتح على ضفاف تتوارى في انسيابية وسلاسة باصمة على صور/ لوحات يطوقها هوس الاختلاف، وهاجس التغيير: «يجس القيظ في يديه «88 ، مع انفتاح نوعي على نزعة رومانسية تنبض فتنة وبهاء: « كل الواحات الخضر التي تنبت في قلبي أشرقت» 74،كامتداد لمكونات طبيعية من قبيل الشجر: «قالت شجرة دردار عاشقة» 12، تتم أنسنتها وشحنها بروح من عشق عارم ، وتوق لامتناهي لتتوالى مظاهر الاختلاف ، وتتنامى إرهاصاتها بأشكال تنزع نحو امتداد لا محدود، واستشراف خلاق ينشد عتبات بداية تنبذ الشبه، وتشذ عن الاقتفاء والاتباع: «مثل مياه في جبة الوجد» 24 ، بتشكيل صورة من تشبيه يربك مواضعات الذوق، ويخلخل ثوابت توقه النمطية: « أو ليس النهر إلاك»25 ، ليغدو المخاطب المجلل بمسوح فضفاضة متوحدا بالنهر، وما يعج به من دلالات رمزية ووجودية غنية بإرثها الإنساني والتاريخي والعقدي العريق.
تتوحد عناصر الكون ومظاهره مع الإنسان في توليفة تنضح جمالية وعمقا لتفرز تجليات بنزعة روحية ذات ملامح صوفية يمكن رصدها في أولى عتبات الديوان الموسومة ب «سدرة الفناء» وما تحيل إليه من رموز ودلالات بحس صوفي تجسده السدرة كأبعد وأنأى نقطة تفضي إليها مراتب المجاهدة، ومراحل المكابدة لإطالة أرقى درجات الحلول والاتحاد وهي الفناء في ثقافة المتصوفة وفلسفتهم. وعناوين مثل: «جذبة « بطقوسها الروحية، وشعائرها الراسخة لدى العديد من الطوائف والفرق المحلية المعروفة الملتئمة في مواعيد معينة إحياء لمواسم غنية بأعرافها وتقاليدها . و»صوفي « بحمولاته التاريخية، وما تعج به من طرائق روحية وعقدية راسخة وعريقة ، و»فناء» بتجسيده لأسمى وأرفع مراتب الحلول والاتحاد لدى أعلام المتصوفة ورجالاتها كجلال الدين ابن الرومي ص: 44، وشهاب الدين السهروردي ص: 47، وأبوزيد البسطامي ص: 78، الذين تم تدوين مقولاتهم كمرجعيات تمتح منها نصوص الديوان في رسم ملامح خارطة تمظهراتها الإبداعية ، فضلا عن الإشارة للدراويش كفئة حظيت بحضور لافت في تاريخ الثقافة الصوفية.
وتشكل الصفحات فضاء يتجاذبه البياض ورسم الكلمات في نحت لوحات تغطيها سطور تتراوح بين (ثلاثة في النص رقم 6 صفحة 23 واثني عشر في نص «حكاية» صفحة 34) بهندسة تتوالى سطورها باستثناء النص الأول ( «عد النجوم» حيث تنزاح كلمات نجمة تلو نجمة، ونص « قلب» الذي تنزاح فيه كلمة هاربتين في إيقاع موسوم بالتنوع والتبدل). وما يميز نصوص الديوان من غنى دلالي وجمالي وإيقاعي مرهون بألوان إبداعية تتوسل باستعمالات تمنحها أشكالا تعبيرية مغايرة تستلزم مقاربتها، والكشف عن أدوات نحت صورها، ورسم معالمها، والغوص في خبايا تشكيلها، وخفايا بنائها التوسل بعدة تحليلية تنهل من منابع أدبية ومعرفية متنوعة تسعف على الإحاطة بغنى وعمق موضوعاتها المصاغة في قالب شعري موسوم بالتبدل والتجديد لما يبتكر من أساليب شعرية تؤسس لتجربة إبداعية مختلفة ومغايرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.