سأفرغ عيني من غبار ظننته دمعا ساخنا لم أعلم بالأمر حتى أخبرني الحزن، بجفاف أصاب حلقه، وسعال أدمى نايه على أغصان يابسة أحط، و المدفأة بحضنها تترقب سقوطي.. بالجوار أرى حطابا، هو أيضا يترقب حصته من الشجرة.. كعاشق بلهيب الوجد يحترق.. يتأمل الأغصان الآيلة للكسر والانكسار، وزني الزائد المطبق عليها سيقصر من عمر انتظار الحطاب والمدفأة.. هنا و هناك الاحتراق من تحت الرماد لا يتوقف عن التلويح، ياااه..أرى أيضا ألسنة ترصع صوتها بالمجاملات، بطعم العسل المغشوش، تطرق، أبوابا لامعة، تخطف الأضواء والمنابر، ألسنة تخلف مرارة على جلدي كلما حاولت أن تتخذتني معبرا نحو ما تصبو إليه من ضفاف أبذرني حين أنتظر حلول اليوم العالمي، ليذكرني أن هناك أشياء جميلة في الحياة، اسمها، الحب، الشجرة، المرأة، السعادة.. فالوردة هي ماء، وهواء، وضوء وتربة، مكونات لا تأتي في يوم واحد، كذلك الحب، لا يمكن أن يطفو على وجه الاحتفال في رمشة يوم أصابعي تفرقع أصابعي، وشريط الذاكرة يسلط الضوء على وجوه أدخلتني من باب الهزائم الواسع… أتلفت ريشاتي وأجهضت التحليق بي أفكر في الخروج مني، يجب أن أبحث عني، رائحة الموت لا تُحتمل بالداخل، الرياح تشجع هبوبي، وتدفع بي نحوي…تهديني شراعا وابتسامة ووجهات واضحة، تمسك بذراعي وتؤكد لي أن امتطاء هديتها، لن يجعل المشوار ينحرف بي.. لا يد لي في رسم حجم الخطى تقول الطريق لا أدري عند أي خط سيتوقف هذا النبض عند دمعة أو عند ابتسامة.. سأداري الأولى بالثانية، وسأنتزع بمخالب الحب الفرح من عيون المرآة. على ربوة الحكمة يجف الكلام في فم الصمت. الخوف، تهمة بالفزاعة لا يليق.. هو من قش، يصيبني بغضب يُحرق ولا يحترق أجمل الهزائم تلحقها بي ابتسامتك يقول هذا البحر بلهجة المحب، يضيف هامسا: إلى ليل يغزل خيوطه من صوتك، لا تلتفت.. على شفاه الصخر، ارسم فرحك، ازرع ذراعا ثالثة، واحضن العالم، يكفي أن تحضر فيك حتى تحضر خارجك. بعيدا عن الأسلاك الشائكة.. وبالزوايا الحرة، ابحث لك عن مكان.. ضع المصباح جانبا وكن النور كل يوم يذكرني الموت أنه عبد صالح، لا يقطف الأرواح إلا ليعيد زرعها في مكان آخر أجمل وأرحب، مع الوداع يعقد صفقة بأجل مفتوح، يِؤكد أنه طيب ولا يعرف للقسوة طعما أو رائحة، لكنه تحت مقصلة سوء ظن الجميع يقع .. الحياة فرح ناقص وغراب بابتسامته يتربص، وإن آلمك، اشفق على جرحك لماذا أميل إلى تصديقه وهو يخاطبني بنبرة الواثق من نفسه من شرفة التردد، على العالم تطلين تخافين ظلك أبعدَ من أرنبة أنفك لا تريْن شيئا خلف التوقعات تركضين، بطنها الكبير تملئين حاضرك، بابه الخلفي على الذاكرة تشرعين أما بابه الأمامي فعبره، نحو احتمالات غد غامض تتدفقين غائبة بحاضر معنى العيش فيه تجهلين التكرار، موضتك التي عن تجديدها تتغافلين ألم تفكري في ملء شساعة البحر بفراغك؟ سأساعدك على القيام بذلك.. ما عليك فعله هو الوقوف حافية القدمين على الصخرة الملساء التي تطل على ذلك البحر، اتركي يدي تدفع بك إلى الأسفل، وهكذا عيناك بأمواجه ستكتحل وستمسح ما علق بها من حوافر خيول تركض بك جامحة في الاتجاه الممنوع بدل أن تستغبي الأمواج، ثقي في قوة ارتفاعها وانخفاضها، في مدها وجزرها، قد تأخذك هادئة إلى بر الأمان، وقد تكسرك غاضبة على صخور الشواطئ.. فقط اختاري أي وجهة ترغبين. صدى نباح كلب الجيران المنبعث من قلب الليل البارد، يقطع شريط الصوت المتردد داخلها.. في انتظار توقف النباح، بنظرات فارغة تتجول في غرفتها الدائرية الشكل، على الزاوية اليسرى من الكوافوز تضع المجموعة الشعرية الكاملة لفروغ فرخزاد ترتب فوضى خفيفة تحيط بالمرآة، ببطء شديد تستدير برأسها نحو مصدر النباح سكون رهيب، يعود لينتشر بالمكان، لانباح ولا مواء ولانهيق هناك مدينة قُرْبَ ذلك النهر بنخيل متشابك وليل ممتلئ بالأضواء هناك مدينة قرب ذلك النهر.. وقلبي أسير بقبضة ذلك الرجل المغرور . . بكل حواسها تنغمس في إتمام قراءة قصيدة « ذكرى من الماضي» لفروغ. طبعا، ستحاول إنهاء الاطلاع على المجموعة حتى تتفرغ لقراءة ما بخزانتها من كتب، كتب لازالت تنتظر التفاتاتها لا شك أن مدة الحجر المفروضة ستكفيها لتدارك قراءاتها المؤجلة، وقراءة ملامح أزهرت بعيونها وهي على مرآة الكوافوز تخاطب أشياء وأشياء تخاطب أشياء في الماضي أفسدت حواسها، وكسرت الجسر المؤدي إليها تخاطب احتمالات في الغد قد تقع وقد لا تقع، بسرعة رياح قوية، أسوارها تقتحم، لا مقاومة تُبديها، وفي حيرة هذا المكان السائل تستقر.. خارج الماضي، بعيدا عن الآن، ومن داخل الغد، تُسْلم قدميْها لرياح متاهات تجرفها نحو مجهول يعوي .. بعيدا عن غرفتها الدائرية الشكل، كتبها، ومرآتها، تستغرق في الغياب، عند قدم سرير هذا الأخير تصبح شهرزاد، تصنع لنفسها من الحكايات قاربا لا يأخذها إلى أي مكان أو زمان.. أحيانا تجلس أمام مرآة الكوافوز، وتبدأ بالرسم على وجهها بقلم حمرة، ثم تمل من ذلك، تنظر إلى ما رسمته على المرآة، وتقول وقد تملكتها هستيريا من الضحك سرقت منك الكمامة الأضواء يا قلم الحمرة، الشفاه منك ستستقيل ههههه تطورات انتشار الوباء، عبر النشرات الإخبارية، تمديد أيام الحجر، تجديد التمديد المتكرر.. شغلها عن الالتزام بحصص الجيمناز، قلص من مساحات الفرح بها، زاد في وزنها وجعلها على حشو معدتها تقبل.. ما يطل من خلف زجاج الخزانة من كتب يطأطئ رأسه، يتوقف عن الانتظار، ويستعد لاستقبال ما سيعلوه ويثقله من غبار. .. يبتلعها الفراغ، وتملؤها الأراضي القاحلة، حيث تتقلص معاني الأشياء لديها وتنكمش، كطبقة زيت على وجه الماء ستأخذ مكانها بعينيها، ليحل ما في بطن الثلاجة برأسها المتعب، وتغرق في وصفات روتين يومي يحجز لها مكانا بمقبرة جماعية مزدحمة..