سأحاول في هذه الورقة القصيرة أن أقدم قراءة نسبية للحديث المنسوب إلى رسول الله (ص) الذي يقول فيه: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». تستعمل جماعات الإسلام السياسي وعوام المسلمين هذا «الحديث» لتعميق تهميش المرأة وإقصائها من الوصول إلى مواقع قيادية في المجتمع. ويعود ذلك إلى أنهم يعتقدون أنها ناقصة عقل…. وسريعة الانفعال، تتغلب عليها العواطف….، ما لا يؤهلها للوصول إلى مواقع قيادية في المجتمع… يؤكد أغلب الباحثين أن هذا الحديث هو في أصله ضعيف، بل يذهب أغلبهم إلى أنه «حديث موضوع»، ويرون أن وضعه يتصل بالصراع بين على بن أبي طالب وأنصاره، من جهة، وعائشة أم المؤمنين وأنصارها، من جهة أخرى. ويرى هؤلاء الباحثين أن أنصار علي بن أبي طالب هم الذين وضعوا هذا الحديث للتأثير في أنصار عائشة وإثنائهم عن مناصرتها والدفع بهم إلى التخلي عنها. لقد كانت هذه قراءة تاريخية. وهناك قراءة أخرى تاريخية أيضا، يقول أصحابها إن الرسول (ص) قال هذا الحديث عندما علم أن ابنة كسرى قد وصلت إلى الحكم، كما أن العلاقة بين الرسول وكسرى كانت متوترة، لأن الرسول أرسل مبعوثا إلى كسرى حاملا خطابا منه إليه، لكن كسرى رفض استقبال هذا المبعوث. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لقد قتل هذا المبعوث. يعتبر هؤلاء القراء أن الأمر لا يتعلق بحديث، وإنما بقولة، إذ إنها ليست حكما، ولا إقرارا عاما بحكم مطلق، وإنما هي قولة خاصة بابنة كسرى. ويرى ذ. محمد الطالبي أن هذه القولة جاءت في إطار إخبار عن حال بلاد فارس آنذاك، ما لا يسمح باعتبارها تشريعاً عاماً. وإذا تجاوزنا هذا، فكيف يمكن أن يقول الرسول هذا الحديث، ويقول في الوقت ذاته: «خذوا شطر دينكم من هذه الحميراء»؛ أي عائشة؟! ومن جهة أخرى، إذا نظرنا إلى هذه المسألة نظرة إعمال العقل، وافترضنا جدلا أن هذا الحديث صحيح («لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»)، فإننا سنجد أنفسنا ملزمين بطرح السؤال التالي: هل أفلح القوم الذين ولوا أمرهم رجالا عبر التاريخ وفي كل السياقات، وفي كل الأزمنة وكل الأمكنة؟ إذا نقبنا في تاريخ البشرية وجدنا أن هناك من أفلح وهناك من أخفق، شريطة أن نتفق أصلا على تحديد مفهومي «الفلاح» و»الإخفاق». فالفلاح والإخفاق على نسبيتهما ليسا متصلين بجنس أو بنوع اجتماعي معين، بل إنهما متصلان بعوامل أخرى اقتصادية وتاريخية واجتماعية ثقافية. وبشكل من الأشكال، فإن كل الناس يولون أمرهم امرأة: أليست المرأة هي المسؤولة عن تربية الأطفال وتنشئتهم؟! هكذا فالفلاح والإخفاق لا علاقة لهما بالجنس أو النوع الاجتماعي.