مصالح الإنعاش والعناية المركّزة استقبلت 341 حالة منذ 5 مارس نصفها خلال 3 أسابيع الأخيرة لوحدها مهنيو الصحة أنقذوا 30 % من مرضى كوفيد بمستشفى ابن رشد في يوليوز ونسبة الوفيات بلغت مؤخرا 70 %
يتابع الكثير من المواطنين، بقلق كبير وانشغال بالغ، تطورات الوضعية الوبائية المرتبطة بجائحة فيروس «كوفيد 19»، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، على إثر المدّ التصاعدي المتواصل لعدد الإصابات ولحالات الوفيات على حدّ سواء، ويطرحون علامات استفهام متعددة عن أسباب هذه الانتكاسة التي سجّلتها بلادنا مباشرة بعد رفع الحجر الصحي، مرورا بإحياء طقوس عيد الأضحى، خاصة وأن مناسبات متعددة مقبلة تلوح في الأفق، منها ما هو مرتبط بالامتحانات الجامعية وبالموسم الدراسي الجديد فضلا عن عادات وطقوس ذات بعد اجتماعي كما هو الشأن بالنسبة لعاشوراء وغيرها، قد تشكل مجالا لمزيد من انتشار العدوى، في غياب حلول عقلانية وتدابير وإجراءات حكيمة تمكّن من تفادي كل السيناريوهات الوخيمة. اهتمام المواطنين ينصب كذلك حول مصالح الانعاش والعناية المركزة، والخوف من ألا يجد مرضى سريرا فيها بالمستشفيات المختصة، خاصة في المناطق التي تعرف حضورا قويا للوباء، كما هو الحال بالنسبة لجهة الدارالبيضاء- سطات، التي تُوجّه المرضى الذين يوجدون في وضعية صحية متدهورة، صوب مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء، الذي لم يعد يتكفل بالحالات اليومية المرتبطة بالحوادث والأمراض المختلفة، وإنما بات يجد نفسه مطالبا بتقديم الخدمات الصحية والعلاجية المطلوبة لشريحة واسعة من المواطنين، على امتداد تراب الجهة، وللمصابين بالفيروس الذين يكونون بين الحياة والموت. وضعية مستشفى ابن رشد، ومصالح الإنعاش والعناية المركزة به، الاستعدادات التي سطرها منذ البداية والتي رفع من مستواها خلال الآونة الأخيرة لمواجهة تبعات الجائحة، وضعية المهنيين وسبل الوقاية، اختبارات الكشف وغيرها…، أسئلة طرحتها «الاتحاد الاشتراكي» على البروفيسور محمد بنغانم غربي، مدير مستشفى ابن رشد، للإجابة عنها وتسليط الضوء على ما يقع داخل أسوار هذه البناية، وتقديم كل الشروحات عن كيفية التعامل مع مرضى كوفيد وغيرهم بهذه المؤسسة الصحية.
p يتكفّل مستشفى ابن رشد بالحالات الحرجة المصابة بفيروس «كوفيد 19»، كيف تتم هذه العملية وكيف هي وضعية مصالح الإنعاش والعناية المركزة، وما هو عدد الأسرّة التي تم تخصيصها للحالات الحرجة ؟ n بالفعل وكما أشرتم إليه، فإن مستشفى ابن رشد وبتنسيق مع المديرية الجهوية لوزارة الصحة يقوم بالتكفل بالحالات الحرجة والخطيرة التي أصيبت بفيروس «كوفيد 19»، والتي تحتاج للعناية المركزة ولمصالح الإنعاش، التي ترد عليه إما من مستشفيات أو من مصحات خاصة بناء على توجيه المديرية، في حين تتكلف المستشفيات الإقليمية التابعة لوزارة الصحة بالحالات الخفيفة أو قليلة الخطورة. إلى جانب هذه العينة من المرضى نقوم كذلك بالتكفل بالحالات المستعجلة التي تكون في وضعية صحية متقدمة، التي تتقدم إلى مصلحة المستعجلات، وحين التأكد من إصابتها بالعدوى بعد استيفاء الخطوات المطلوبة يتم توجيهها إما إلى العناية المركزة أو الإنعاش حسب الوضع الصحي لكل حالة. وبخصوص الأسرّة التي تم إعدادها لمواجهة الجائحة، فقد اشتغلنا منذ مطلع شهر مارس وإلى غاية أواخر يونيو ومطلع يوليوز بأربع مصالح للإنعاش ومصلحتين للعناية المركزة ومصلحة للاستشفاء، وتقلّص العدد إلى مصلحة للإنعاش وتواجد مريضين بمصلحة الاستشفاء في لحظة من اللحظات، لكن، وبكل أسف، مباشرة بعد رفع الحجر الصحي بحوالي 10 أيام، بدأنا نلمس ارتفاع الحالات التي تتوافد على المستشفى، إذ ارتفع معدّلها خلال الأسبوع الثالث من شهر يوليوز فعملنا على تخصيص 4 مصالح للإنعاش، حيث انتقلنا من 12 إلى 44 سريرا، وافتتحنا مصلحة للعناية المركزة بطاقة تتمثل في 14 سريرا، كما برمجنا مصلحة أخرى لنفس الغاية ب 10 أسرّة، كي يصل العدد المخصص للعناية المركزة إلى 24 في المجموع. p كيف كان معدل استقبال الحالات في بداية الجائحة مقارنة بالأسابيع الأخيرة؟ n لقد كنا في المرحلة الأولى، أي منذ تاريخ 5 مارس وإلى غاية أواخر يونيو، نستقبل ما بين حالة واحدة إلى 7 حالات كأقصى معدّل في اليوم الواحد، هذا الرقم الأخير الذي سجّلناه في 28 مارس، وكمعدل أسبوعي سجّلنا أكبر عدد في الأسبوع الأخير من مارس والأول من أبريل بمعدل 16 حالة، لكن وبكل أسف خلال الأيام الأخيرة، صرنا نستقبل ما بين 6 و 14 حالة في اليوم الواحد، وانتقلنا أواسط يوليوز إلى 67 حالة كمعدل للمرضى في الأسبوع، وهكذا فقد استقبلت مصالح مستشفى ابن رشد منذ 5 مارس وإلى غاية مساء الثلاثاء 25 غشت 2020، ما مجموعه 341 حالة، نصفها خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة. p أرقام الوفيات تثير خوف المواطنين وقلق المهنيين، كم بلغت نسبتها في ابن رشد ونسبة الذين تجاوزوا المحنة وتشبثوا بالحياة؟ n لقد كانت نسبة الوفيات في البداية مرتفعة وتشكل حوالي 65 في المئة، لأن معظم المرضى الذين كان يتم توجيههم إلى المستشفى كانوا في وضعية صحية متدهورة ويعانون من تبعات صعبة، لكن مع التدابير التي اتخذتها وزارة الصحة على مستوى التشخيص والعلاج المبكرين واعتماد البروتوكول الرسمي، تقلّصت نسبة الوفيات مع تعاقب الشهور، وتراجعت خلال شهر أبريل إلى 30 في المئة، وإلى 18 في المئة في شهر ماي، ثم 10 في المئة شهر يونيو. هذه الأرقام التي تأتى تحقيقها بفضل المجهودات الكبيرة التي بذلها ويبذلها مهنيو الصحة بالمستشفى من مختلف الفئات وكافة المتدخلين، مشكورين على ذلك بشكل كبير جدا، تصطدم اليوم بوصول مرضى إلى المستشفى في مراحل متقدمة من المرض ويعانون من وضعية صحية حرجة وخطيرة، بسبب التأخر في تشخيص وضعيتهم، بعد 7 أو 10 أيام من إصابتهم بالفيروس، وبسبب التهاون والتراخي وغياب الحزم في التعاطي مع الوضع الوبائي خلافا لما كان عليه الأمر خلال الحجر الصحي، وهو ما جعل هذه النسبة ترتفع من جديد لتصل إلى 70 في المئة. لكن بالمقابل يحضر الأمل دائما، فقد تمكن 30 في المئة من المرضى من مغادرة مصالح الإنعاش والعناية المركزة وأمكن إنقاذهم بفضل تظافر جهود كافة المهنيين دون استثناء. p هل كل ضحايا الفيروس هم من المسنين ومن المصابين بأمراض مزمنة؟ n الأكيد أن هناك ضحايا فارقوا الحياة بسبب الإصابة الناجمة عن فيروس «كوفيد 19» من المسنين ومن المصابين بأمراض مزمنة، خاصة السكري والضغط الدموي والربو والسمنة وأمراض القلب والشرايين وغيرها، لكن وبكل أسف، استقبلت مصالح ابن رشد مرضى في الخمسينات وفي الأربعينات، وفارق الحياة أشخاص في الثلاثينات من أعمارهم، وهو ما يدفع أطرنا الطبية والصحية بشكل عام تبذل المزيد من الجهد للتعامل مع هذه الحالات الخطيرة التي تصل للأسف بشكل متأخر. p كيف يواجه المهنيون بالمستشفى الوضعية الوبائية وهل أثر الأمر على باقي التخصصات والتدخلات ذات الطابع الصحي؟ n إن المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بمؤسساته يشكّل منظومة صحية مهمة في المنطقة، وبالتالي كان لزاما علينا أمام الوضعية الوبائية، الاستعداد منذ البداية للتكفل بالمرضى المصابين بفيروس» كوفيد 19» في وضعية متقدمة، ومواصلة تقديم الخدمات الطبية لفائدة باقي المرضى الآخرين وللحالات المستعجلة. صحيح، أنه خلال حالة الحجر الصحي كان الإقبال على المستعجلات خفيفا نوعا ما، لكن بعد ذلك ارتفع منسوب الإقبال والضغط على مصالح مستشفى ابن رشد من طرف كل من يحتاج لخدمة صحية ولضحايا الحوادث المختلفة، ونفس الأمر بالنسبة لمرضى كوفيد، لكننا تأقلمنا مع الوضع وتمت إعادة التفكير في طريقة تنظيم العمل بتنسيق تام مع الأطر مشكورة، لتنظيم الفحوصات المباشرة، وكذا تطوير مجال الفحوصات عن بعد متى توفرت الإمكانية لذلك، وتفادي الاختلاط، وتكثيف التدخلات داخل المستشفى من أجل التكفل بالمرضى في وقت أقل وبخدمات أكبر، بالنظر للدور المحوري الذي يقوم به المستشفى في التكفل بالحالات من المستوى الثالث. p ما هي التدابير التي تم اتخاذها من أجل توسيع دائرة الكشف عن الفيروس على مستوى المستشفى وللتعامل مع العيّنات الموجهة إلى مختبره؟ n لقد عُقدت اجتماعات منذ أواخر شهر يناير ومطلع فبراير لتنظيم العمل ومواجهة الجائحة بمستوياتها المختلفة، وتم الاتفاق على أن يتكفل المستشفى الجامعي بالحالات الخطيرة والحرجة كما أسلفت، على أن تتكفل مكونات المنظومة الصحية الأخرى بالجهة بالحالات التي هي بدون أعراض أو خفيفة، حيث يتم تشخيصها وعلاجها بالمستشفيات التابعة لسكنها، إلا أن هذا لا يلغي أن مستعجلات المستشفى تستقبل الحالات التي تكون في وضع صحي يتطلب تدخلا، وحين الشك فيها يتم أخذ العينات من أجل إجراء الاختبار عليها والتكفل بأصحابها. بالمقابل يقوم مستشفى ابن رشد من خلال مختبره بدور كبير وهام في المساهمة في إجراء اختبارات الكشف عن الفيروس على العينات التي يتم أخذها في مستشفيات أخرى ويتم توجيهها إليه، حيث استطاع إلى غاية مساء الثلاثاء إجراء حوالي 92 ألف تشخيص بمعدل يومي يقدّر بحوالي 800 تحليلة، علما بأنه في بعض الأيام يكون العدد أكبر. p كيف يتم إعداد المهنيين لمواصلة القيام بمهامهم والوقاية من العدوى وهل يخضعون لاختبارات الكشف عن الفيروس بين الفينة والأخرى؟ n لقد عملنا منذ شهر فبراير على تنظيم دورات تكوينية وحملات تواصلية تحسيسية وتوعوية لفائدة كافة مهنيي المؤسسة حول المرض وكيفية التعامل مع المرضى والتكفل بهم في كل المصالح وسبل الوقاية من العدوى، إلى جانب العمل على توفير تموين كاف خلال كل هذه المدة في مستلزمات الوقاية المختلفة، لفائدة العاملين بمستشفى ابن رشد الذين يبلغ عددهم 4 آلاف موظف تقريبا، وأغلبهم منخرطون في منظومة العلاج، وهو ما تأتى بفضل المجهودات المبذولة وتدخلات وزارة الصحة. كما تم إحداث خلية للدعم النفسي لفائدة العاملين في مصالح كوفيد، للتعامل مع الضغط الجسدي والنفسي الذي قد يعانون منه نتيجة لظروف العمل، التي تختلف عن العمل في مصالح الإنعاش الأخرى وحين التعامل مع مرضى في وضعيات صحية مغايرة، وقيامهم بواجبهم الذي يؤدونه بكل افتخار واعتزاز ووطنية. إلى جانب ذلك تتم عملية تتبع الأطقم كاملة التي تواصل مهامها في احترام للبروتوكولات التي سطّرتها اللجنة العلمية وتنفيذا لتوجيهات وزارة الصحة، للوقاية من جهة، وللتكفل بالحالات التي قد تتعرض للإصابة وللمخالطين إذا ما سُجّل هذا الأمر. p بعد أشهر من مواجهة الجائحة كيف هي وضعية المهنيين اليوم، وما هي الرسائل التي تودون بعثها إليهم وإلى المواطنين عموما؟ n نحن فخورون بكل أطقم المستشفى والعاملين بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد قاطبة، على الجهد الذي بذلوه والعمل المتواصل الذي تم القيام به على امتداد 6 أشهر، والذي يتواصل بنفس الدينامية، ونشجع الجميع على مواصلة القيام بالواجب الإنساني والوطني بنفس الحماس والعزيمة والجهد، وما التنويه الملكي بمهنيي الصحة لخير دليل على ما تقوم به مختلف مكونات المنظومة الصحية ببلادنا. بالمقابل نتمنى من كافة المواطنين التقيد بالتدابير الوقائية لحماية أنفسهم وذويهم والوطن من هذه الجائحة وألا يتم التعامل مع الوباء باستهانة، والتوجه فور الإحساس بأية أعراض صوب المؤسسة الصحية القريبة من محل السكن لإجراء الفحوصات الضرورية، حتى يتسنى في حالة ما إذا كان الشخص مصابا بالفيروس، التكفل به مبكرا تفاديا لتدهور وضعه الصحي وتفاقمه ووصوله إلى مرحلة خطيرة، ويجب تذليل كل الصعاب على المواطنين ومساعدتهم لتحقيق هذه الغاية، لأنه بتظافر جهودنا جميعا سيمكن تطويق الجائحة. وختاما أدعو مكونات المجتمع المدني إلى مواصلة دعمها المادي والمعنوي، والانخراط بقوة في كل أشكال مواجهة الوباء، تماشيا مع التوجيهات الملكية الأخيرة في الخطاب الملكي لثورة الملك والشعب، ونتمنى من الباري عز وجل أن يحفظ وطننا من هذا الوباء وأن نتصدى له بكل مسؤولية وحزم بشكل جماعي.