أيام قليلة فقط باتت تفصلنا عن حلول شهر شتنبر، وهو إلى جانب كونه يأتي تاسعا في ترتيب شهور السنة الميلادية، يعد موعدا هاما لانطلاق المواسم الدراسية ببلادنا في جميع المؤسسات بالقطاعين العمومي والخاص، في مختلف الأسلاك التعليمية من الأساسي مرورا بالثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي إلى التعليم العالي. لكنه في هذه السنة 2020 يختلف كثيرا عن السنوات الفارطة، لما فرضه عليه تفشي جائحة «كوفيد -19» من متغيرات. إذ سيتزامن الدخول المدرسي برسم السنة الدراسية 2020/2021 المنظمة بالمقرر الوزاري الصادر عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والمحدد لمواعد إنجاز مختلف المحطات والعمليات والأنشطة، مع إجراء الامتحانات المؤجلة، سواء منها ما يتعلق بالامتحان الجهوي الموحد الخاص بتلميذات وتلاميذ السنة الأولى من سلك البكالوريا، الذي سينظم خلال يومي 4/5 شتنبر 2020 وستشمل مواضيعه فقط الدروس الحضورية إلى حدود تعليق الدراسة في 16 مارس 2020، على غرار ما تم اعتماده في الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا. أو ما يخص الامتحانات الجامعية التي ظلت بدون تحديد أيامها. ذلك أنه في ظل تفشي عدوى فيروس كورونا المستجد أو ما يطلق عليه «كوفيد -19»، واتخاذ السلطات حزمة من التدابير الاحترازية اللازمة للحفاظ على السلامة الصحية للمواطنات والمواطنين، تقرر تأجيل موعد امتحانات الجامعات المغربية إلى غاية شهر شتنبر 2020، تفاديا للمغامرة بأرواح الطلبة وذويهم. وبقدر ما شكل هذا التأجيل عائقا أمام عدد من الطلبة الراغبين في استكمال دراستهم بالبلدان الأوربية، وخاصة منهم أولئك الذين تم قبول طلباتهم من لدن جامعات فرنسية تشترط إرسال بيانات النقط للسنة الجامعية الأخيرة في أقرب الآجال. فإن القرار لقي استحسانا واسعا من طرف عديد الأسر المغربية وأبنائها من الطلبة الجامعيين… فلا أحد منا ينكر أن الوزارة تحت إشراف الوزير سعيد أمزازي، اعتمدت بتعاون مع بعض الفعاليات التربوية والنقابات التعليمية على إنقاذ السنة الدراسية في جميع المستويات التعليمية من خلال الإبقاء على امتحانات البكالوريا والجامعية وتعويض الدراسة الحضورية بدينامية «التعليم عن بعد». والمرونة في جعل المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود وبعض المسالك الانتقائية (الإجازة المهنية والماستر) تقوم بتنظيم الامتحانات ابتداء من منتصف شهر يوليوز 2020، وأن تعمل مؤسسات الاستقطاب المفتوح على إرجاء الامتحانات إلى شهر شتنبر 2020، بسبب ارتفاع أعداد الطلبة المسجلين وصعوبة تدبير تنقلهم وضمان استفادتهم من الخدمات الاجتماعية، المتمثلة في الإطعام والإيواء… كما لا يمكن أن ننفي أنه بالرغم من الظروف العصيبة والاستثنائية التي تمر منها بلادنا وسائر بلدان العالم، جراء تفشي الفيروس التاجي الذي ما انفك يحصد آلاف الأرواح، دون أن يتوصل الباحثون في الوقت الراهن إلى لقاح مضاد يخلص الإنسانية جمعاء من مخاطره، استطاع المغرب أن يكسب رهان تنظيم الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا في الدورتين العادية والاستدراكية، حيث وزعت على كافة المترشحات والمترشحين كمامات واقية عند بداية الاختبارات وهيئت لهم قاعات رياضية ومدرجات جامعية، وحجرات دراسية لا يتجاوز عدد المترشحين بداخلها عشرة أشخاص فقط، قصد احترام التباعد الاجتماعي وتفادي انتشار العدوى. بيد أنه في إطار تطور الحالة الوبائية خلال هذه الأسابيع الأخيرة التي تلت رفع الحجر الصحي، وبالنظر إلى ما عم المجتمع من تهاون وإهمال للتدابير الوقائية، صار الوضع جد مقلق ويدعو إلى الكثير من الحيطة والحذر، مما انعكس سلبا على عديد التلاميذ والطلبة وأفقدهم حماسهم وقدرتهم على التركيز الجيد، فأصبحوا متخوفين من تأجيل الامتحانات ثانية واستحالة تنظيمها خلال شهر شتنبر، في حالة استمرار تدهور الوضع الوبائي إلى ما بعد نهاية شهر غشت، لاسيما في ظل ما أضحت السلطات الصحية تسجله مساء كل يوم من أرقام مرعبة وغير مسبوقة، حول ارتفاع مؤشر الإصابات المؤكدة بداء «كوفيد -19» وتزايد عدد الوفيات، فضلا عن تمديد حالة الطوارئ للمرة الخامسة إلى غاية العاشر من شتنبر ومنع التنقل من وإلى عدة مدن مغربية. إن وزارة التربية الوطنية أمام محك حقيقي، وعليها أن تكشف لنا عن مدى قدرتها على تخطي هذه العقبة الصعبة، فهي اليوم مطالبة بالخروج عن صمتها لطمأنة الرأي العام الوطني، والحرص على أن تمر هذه الامتحانات المؤجلة في ظروف صحية ملائمة، من حيث توفير شروط السلامة للتلاميذ والطلبة أثناء تنقلهم وخلال فترة الامتحانات وتهييء فضاءات إيواء وإطعام الوافدين من مدن أخرى، سواء في الأحياء الجامعية أو غيرها. وأن تواجه السلطات بصرامة المستهترين بصحة وسلامة أنفسهم وغيرهم، خاصة أن الأخصائيين يؤكدون أن الحالة الوبائية خطيرة ومرشحة للأسوأ، إذا ما تواصل التراخي والتسامح مع المستخفين بالأزمة الصحية الخانقة، ويدعون إلى تكثيف جهود الجميع وتشديد عمليات المراقبة من أجل تطويق الجائحة. فمن غير المقبول أن يصبح المغرب من ضمن الدول غير الآمنة وفق تصنيف الاتحاد الأوروبي، بعد أن كان يضرب به المثل في اليقظة والتعبئة الشاملة خلال المراحل الأولى من تفشي الوباء الفتاك.