ألقى رئيس الحكومة حجرا كبيرا في البركة، رمى بدوره ظلالا من الشك والحيرة وسط الرأي العام. فقد ورد على لسانه، في لقاء الدشيرة الجهادية، أن « هناك من يهددنا ونحن نعرف قراءة الرسائل، لكننا لا نريد أن نفضح المستور، وإذا مات سي باها، فنحن مستعدون للموت في سبيل الله». التحليل الأولي لتصريحات السيد رئيس الحكومة، يبين المعطيات التالية: 1- وجود تهديد في حق رئيس الحكومة، من طرف أشخاص أو جهات يعلم أنها «توجه إليه رسائل» يعرف «قراءتها». 2- الإحجام الطوعي عن عدم إفشاء «المستور» 3- التنصيص على موت باها، في العلاقة بين الامتناع عن كشف المستور والاستعداد للموت. 4- الخلوص الى أن موت باها موت في سبيل الله، وأن الرئيس، صديقه ورفيقه، مستعد للموت في سبيل الله. ويستفاد من هذه العناصر أننا أمام خطاب قائم، متماسك، في ذهن رئيس الحكومة، وأن مواصفات التهديد الذي يستهدف حياته قائمة بدورها، بل هي موجودة بفعل الموت السابق للمرحوم عبد الله باها، وهو بدوره رجل دولة حظي رحيله بمتابعة الرأي العام. وهو ما يفرض التنبيهات التالية 1- على عكس البيان الذي سبق لزعامة الحزب أن نشرته حول الوفاة، والاحتكام الى قضاء الله عز وجل وقضائه، تأتي التصريحات الحالية لتعيد طرح السؤال مجددا حول وفاة باها من جهة، وربطها بتهديد يستهدف الشخصية الثانية في بروتوكول الدولة من جهة ثانية. وهو ما يرمي بظلال كثيفة على الاستقرار والشعور بالأمن لدى المغاربة، والثقة في المغرب كبلاد تسوق، عن جدارة واستحقاق، صورة البلاد المستقرة، والآمنة. من حق الرأي العام الداخلي والخارجي أن يشعر بالقلق، ومن حقه أن يشك في الخطاب الرسمي للدولة المغربية عندما يكون الرجل الثاني دستوريا موضع تهديد وتوجس. 2- يدخل التلميح الصريح الذي عبأ به عبد الإله بنكيران الحضور في تجمعه الانتخابي، في منطق التوظيف الملتبس والحمال للأوجه، لكل الاحداث التي طبعت المغرب الحديث، منذ أن أصبح الإسلام الحزبي جزءا من المشهد الوطني. فقد سبق أن شكك رئيس الحكومة في أحداث 16 ماي علانية، رغم الجراح التي كانت تنغل في صدر البلاد، وسبق له أن اشتغل، إعلاميا وخطابيا وسياسيا، على أحداث 20 فبراير، بما تعنيه من فرص التغيير والتهديد بعودة الربيع العربي في كل مرة يكون أمام استحقاق سياسي أو حكومي جاد. واستقر في نهاية التوظيف السياسوي الملتبس على قضية المرحوم عبد الله باها، وألبسها غموض قضية لا أحد يعرف سرها ومستورها، أحد سواه. 3- اللغة الاستشهادية التي زكى بها رئيس الحكومة نفسه (الموت في سبيل الله ) تفترض جهة كافرة، أو مشركة تتربص به، وهذا النزوع الجهادي، والتبشيري، في كلامه ليس اعتباطيا، بل يمتحه من المناخ الذي فرضته أطروحة المظلومية التي يروج لها، إضافة الى القرابة البلاغية والنظرية مع الجهاديين والإخوان ودعاة الخلافة.. وإذا كان كلام بنكيران يسائل المسؤولين، من نيابة عامة ووزارة العدل والقرار الأمني بالذات، فإنه أساسا يطرح علينا الالتفات إلى السياق الذي ورد فيه، وهو سياق انتخابي. ولا يمكن أن يفهم من خطاب رئيس الحكومة سوى أنه عاد الى ممارسة سبق له أن سلكها عندما ابتز البلاد باسم الاستقرار، الشيء الذي استوجب ردا شعبيا عارما من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم 5 أكتوبر 2013. ويبدو أن «فوزه» في استعمال «الأرض المحروقة» جعله يعود إليها من جديد، بالضغط على المكونات السياسية والسيادية في الحقل الوطني . وفي الوقت ذاته، يمكنه سلوكه الجديد من الهروب الى الأمام لعجز واضح في تدبير الملف الانتخابي، بعد أن استصدر قرار الإشراف عليه. إنه لمن اللافت للنظر أن النزعة الجهادية ، مسنودةً بالانفرادية في القرار ، هي التوليفة التي وجدها عبد الإله بنكيران لتبرير العجز السياسي في تدبير استحقاقات انتخابية هي الأولى في عهد حكومته . وهذا الارتباك الانتخابي، هو الذي يجعله يبحث في غيبيات الشهادة عن تبريرات واهية، ويقوي بالمقابل من صدقية خطاب المعارضة ومواقفها، ومنها الموقف الأخير بالانسحاب من اللجنة البرلمانية لمناقشة القوانين الانتخابية. ولعل التشكيك في قضية حسمها التشريح والقضاء وكان بلاغ لحزب الرئيس قد زكاهما، لوحده كاف للتشكيك في قدرة رئيس الحكومة على تدبير انتخابات سترهن البلاد المستقبل كله. والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، دفع الثمن غاليا من أجل استقرار البلاد وخدمة صورتها الاستثنائية في دائرة إقليمية وقارية موسومة بالقلاقل، يجد أن من واجبه أن ينبه الرأي العام وكل من يهمه الأمر، إلى أن الكلام اللامسؤول لرئيس الحكومة، بمثابة لعب بالنار قد تأكل الأخضر واليابس، إذا لم يتم التعامل معه بحزم.