أعترف منذ البداية أنه الحماس… قد يكون مبالغا فيه بعض الشيء، أو حتى مشكوكا فيه، كأشياء كثيرة تحملها الاندفاع الوطني أحيانا بشكل لا يخلو من طراوة.. ويتم النظر إليها بغير قليل من التوجس… أعترف بأنها قد تكون أفكارا منذورة للنسيان، لكني مع ذلك، أتشبث بها، كما يثق طفل في يديه وهما تكبران في التجربة لمعرفة الطريق.. وأنبه أيضا من أي سوء نية، قد يعطي لهذا الحماس شيئا غير الحماس. فهو لا يضمر أي خيال يقارن بين الخروج من اللحظة الاستعمارية والخروج من لحظة الوباء، وإن كانت الحرب حربا. الفكرة: لماذا لا ينهض حلف البرجوازية الوطنية، والقوى العاملة والقوى المنتجة وعموم الشعب، حلف يتقدمه الأثرياء والأعيان والبرجوازيون، بكل أشكالهم، في تعبئة شاملة من أجل البلاد، ويضحون بغير قليل من الثروة لفائدة البلاد- الضريبة على الثروة – مادام أن زمن السجون والاعتقالات والمنافي في زمن العدو الأول قد ولى؟ لنا أن نحلم، في هذه الفترة، من خارج القاموس الذي يتم تداوله الآن في المجابهة مع الوباء، وجزء فيه معتاد في اللغة الاقتصادية، والقوانين المالية.. نحلم أن أثرياء وبرجوازيين وطنيين يتابعون الوضع الصعب للبلاد وتراجع مداخيلها، كما هو مسموح به في الأرثودوكسية المالية… ضريبة على الدخل وضريبة على الشركات وضريبة القيمة المضافة والاستهلاك. وكلها عرفت تراجعات مهولة، وقد يستمر إلى ما لا يمكن أن نتصوره، لكي تعود الحياة إلى ما قبلها.. ونحلم أن هناك من لن يعير لهذا الضيق سوى قوة الحجة لكي يبادر إلى ما يفوق السخاء الخاص والطارئ. لنتصور بضعة مئات يتطوعون من أجل وثيقة وطنية يعلن فيها الميسورون بأنهم قادرون ومستعدون لتقديم ضريبة تقدرها الأوضاع، وتحددها الضائقة المالية للأمة أكثر من القوانين المالية والنقاش البرلماني وتوازن السلط. هؤلاء الوطنيون الذين يعتبرون بأن لهم حق في التاريخ والأبد القادم، كما فعل الوطنيون في السابق عندما غامروا بحياتهم الرغيدة من أجل استقلال البلاد. هؤلاء السابقون السابقون الذين التفوا حول محمد الخامس ودخلوا معه إلى رحابة الأبدية. سيكونون نموذجا لثلة من الآخرين في نفس الروح، ويوقعون وثيقة يتم التنافس في التوقيع عليها، من أجل وضع جزء يسير من ثرواتهم للأمة، لتجاوز الوضع الحالي، كما الذين سبقوهم من أقوياء النفوس… لدينا قرابة 4800 مليونير، أقل بكثير من الميسورين في تلك الفترة الصعبة من حالات البلاد في الأربعينيات من القرن الماضي، وهم الآن، في وضع دولي للثراء، يصنفون دوليا، ويصنفون قاريا ويعيشون بإيقاع العالم العالي البعيد عن عتبات الفقر، وصعوبة العيش بالنسبة للدولة. لنتصور نسبة من هؤلاء مائة.. مائتان.. وزد أو انقص منهم قليلا يتطوعون لوثيقة الضريبة الوطنية للتضامن التاريخي مع البلاد ومع الضعفاء… لنتصور هذه المبادرة الطوعية، التي تعفينا من موازين القوى وسنده النقاش الإيديولوجي، ومن المصالح الطبقية، ومن منازعات الثراء والخصاص.. لنتصور أننا البلد الذي يحتل المرتبة السادسة في القارة الإفريقية من حيث عدد المليونيرات، معظمهم يعيشون في الدارالبيضاء ومراكش و.. غيرهما من المدن الكبرى. هنا حيث تمتحن كورونا انسجامنا وتماسكنا وقدرتنا على العطاء والتضامن، وعلى الوحدة في السراء والضراء… وسنرى الهبَّة الوطنية الكبرى، والشحنات العاطفية والعملية التي تسري في عروق الأمة وشرايينها وقتها، من آثار هذه المبادرة، من أجل البلاد، وحول ملك البلاد الذي يقود تعبئة عميقة، صلبها الجهاد الأكبر الثاني، كي تخرج البلاد من المحنة الآنية وتنظر إلى مستقبلها بروح جماعية…