نظم فريق البحث في القانون الجنائي والعلوم الجنائية التابع لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، يوم السبت 21 فبراير الماضي، مائدة مستديرة تحت عنوان «الظاهرة الإجرامية بالمنطقة الشرقية، مدينة وجدة نموذجا» ، قصد تقديم نتائج دراسة ميدانية أعدها الفريق. وكان هذا اللقاء، الذي احتضنه مقر مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، فرصة للتداول حول موضوع الظاهرة الإجرامية من طرف المهتمين بالشأن المحلي عموما، وشارك في تأطيره نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بوجدة الأستاذ محمد حميدي، ونائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بوجدة الأستاذ الحسن الملكي، إضافة إلى ثلة من الأساتذة الجامعيين والمحامين مع عدد من الفعاليات الجمعوية. وجاء تنظيم هذه الندوة لبحث وتحليل الأرقام والإحصائيات المرتبطة بمعدلات الإجرام بمدينة وجدة المتحصل عليها من طرف الأجهزة الأمنية والقضائية بالمدينة، وذلك لرصد مستوى الإجرام بالمنطقة وأسبابه، لاسيما بالنظر إلى الخصوصيات المميزة لها ، سواء على المستوى الجغرافي باعتبارها منطقة حدودية من جهتين، جهة الشرق مع الجزائر وجهة الشمال مع إسبانيا، أو على المستوى الاقتصادي من خلال انتشار القطاع غير المهيكل وتفشي عمليات تهريب السلع والبضائع القادمة من الشرق والشمال، أو على المستوى الاجتماعي حيث الهشاشة والفقر وانتشار البطالة وقلة فرص العمل بالنسبة لمجموعة من الأسر. وحاولت الدراسة الميدانية التي أعدها فريق البحث في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، رصد مدى تأثير العوامل والخصوصيات المذكورة في تفشي أصناف إجرامية معينة. وقد خلصت الدراسة إلى اعتبار جرائم الأموال كسرقة وإصدار شيك بدون رصيد ، في صدارة الجرائم بمدينة وجدة حسب الإحصائيات المقدمة من قبل أجهزة العدالة الجنائية بالمدينة، تليها الجرائم الماسة بالأسرة والأخلاق الحميدة والجرائم المرتبطة بالأشخاص، وذلك نتيجة مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة. وتميز اللقاء بنقاش جاد ومسؤول تم خلاله إثارة مجموعة من التساؤلات، كسبب ودلالة ارتفاع جرائم الأموال والجرائم الماسة بالأسرة والأخلاق الحميدة خاصة، على حساب جرائم التهريب رغم الطابع الجغرافي للمدينة. كما تم نقاش الأسباب الاجتماعية والاقتصادية ودورها في تفشي الإجرام بالمدينة، مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل المرتبطة بالسياسة الأمنية والقضائية وتنفيذ العقوبات السالبة للحريات، بحيث اعتبر الأستاذ محمد حميدي نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بوجدة، في مداخلته، بأن التفكك الاجتماعي يلعب دورا كبيرا في تنامي الإجرام، إضافة إلى التغيرات الحديثة التي لا تتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع، وبالتالي تغير في سلوكيات الأفراد من سلوكيات هادئة إلى سلوكيات عنيفة. وفي نفس الوقت سجل الأستاذ الحسن الملكي، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بوجدة، الأسباب والعوامل الرئيسية والمباشرة التي تساهم في انتشار الإجرام بمدينة وجدة والتي تتمثل في استهلاك وإدمان المخدرات بجميع أنواعها، إضافة إلى الاختلال العقلي والنفسي للمجرم، زيادة على النمو الديمغرافي وتزايد السكن العشوائي. وقد خلص اللقاء إلى أنه رغم الأرقام المخيفة التي تنذر بتصاعد ارتكاب الجرائم بمدينة وجدة، إلا أنه لم تصل بعد إلى اعتبار ذلك «ظاهرة إجرامية»، وعلى هذا الأساس وجب التفكير الجدي والفعال لاتباع استراتيجية وقائية واضحة لمنع ذلك، من خلال الدعوة إلى تنسيق الجهود من طرف مختلف الفاعلين لبذل المزيد من الجهود في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية، ووضع سياسات محلية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة، والاهتمام بالجانب الوقائي في مكافحة الجريمة من طرف المؤسسة الأمنية وكذا إعادة النظر في الوظيفة الردعية للقانون الجنائي. (*) متدرب بمكتب وجدة