مساء يوم الأربعاء 24 أبريل 2020، تم لقاء الأحزاب الممثلة في البرلمان -الكتلة الوطنية- مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بتقنية التواصل عن بعد، لقاء تمحور حول الظرفية التي تمر منها بلادنا بسبب انتشار وباء فيروس كورونا «كوفيد 19» وسبل مواجهة تداعياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية، كما كان اللقاء مناسبة لتوسيع دائرة التفكير وتوسيع النقاش وفسح المجال للأحزاب السياسية للقيام بدورها في التأطير والتعبئة الوطنية لمواجهة تبعات جائحة كورونا… 1_ دعم الفئات الهشة وكان هذا الاجتماع فرصة أكد خلالها الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأهمية القصوى لحماية المواطنين والمواطنات، وخاصة الفئات الهشة والقطاع غير المهيكل وضمان المساعدات إليهم، كما نبه إلى أهمية حماية المال العام من العبث، وضمان وصول الدعم للمستحقين والمستحقات، واتخاذ الإجراءات الصارمة حتى لا تمتد إلى الأيادي الآثمة وغير المستحقة لأموال الصندوق… إن وزارة المالية، يؤكد ذ لشكر، مطالبة بضمان حماية المال العام. وإذا كانت الأمور تسير الآن بشكل إيجابي، فهذا يتطلب استمرارا ومزيدا من الحرص مستقبلا؛ فلا يعقل أن نقدم الدعم لقطاعات خاصة مازالت تتوصل بمستحقاتها من المواطنين، كما هو شأن البعض في القطاع الخاص. إن الاستفادة يجب أن تخضع لمعايير مضبوطة وقائمة، ولايجب أن يستفيد مدراء وأصحاب هذه المؤسسات من الأموال، لأن المعني الأساسي بها المتضررون، من هنا وجب الدعم المباشر. إن الأولوية اليوم، يشدد الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، هي لأداء أجور الموظفين العموميين بهدف ضمان استمرار المرفق العمومي، إذا لا قدر الله واستمرت الأزمة، وكذا دعم الفئات الهشة المستحقة، كما شدد على أهمية استفادة المحتاجين في البوادي والجبال وتقديم الدعم لهم بمختلف الأشكال الممكنة، ومن ضمنهم الفلاحون الصغار المتضررون وحاملو بطاقة «راميد» والضمان الاجتماعي، وباقي القطاع غير المهيكل، ومنهم الأرامل والنساء في وضعية صعبة… إن الأولوية اليوم، يؤكد ذ لشكر، للجانب الاجتماعي قبل أي شيء آخر…» من هنا، إذن، وجب دعم الفئات الهشة المستحقة: الأرامل والنساء في وضعية صعبة، المحتاجون في البوادي والجبال، الفلاحون الصغار المتضررون، البائع البسيط الذي جمع طاولته من الشارع ودخل بيته استجابة لقرارات السلطات العمومية، ماسح الأحذية الذي لن يجد زبناء في الشارع، «الكسال» في الحمامات الشعبية التي أغلقت كتدبير وقائي، حلاق درب الفقراء الذي أغلق باب محله، نادل المقاهي البسيط… إن الانضباط للاحتجاز المشروع داخل البيوت واجب وطني، بطبيعة الحال هناك حجر صحي مريح في الأحياء الراقية، وهناك حجر باذخ في المناطق الأكثر رقيا، إلا أن الأغلبية الساحقة من المواطنين يعيشون في علب سردين، وعلبة فوق علبة، تغطي منزلا بحي شعبي آيل للسقوط. هؤلاء يعيشون قساوة الحجر ومرارة الحؤول بينهم وبين نشاطاتهم الهامشية التي كانت تساعدهم على البقاء على قيد الحياة، وليس عيش الحياة. كثيرون من شباب هذه الأحياء هم من يدخلون في مناوشات مع رجال السلطة، بحيث إن المخازنية يجدون صعوبات في تنزيل القرارات الحكومية الصارمة، من أجل تطويق الوباء داخل متاهات الأزقة والدروب الضيقة في كل المدن، يفرض التزام البيوت والخروج للضرورة بترخيص، أو منع التجول ولو بترخيص بعد السادسة مساء، أو الاستعمال الإجباري للكمامات الطبية. إن رأس الدرب لم يكن يوما هو الخارج بالنسبة لهذه الأحياء الشديدة الاكتظاظ، ولكن البيت هو الدرب، وحتى الدار الواحدة التي تضم في طابق -بما في ذلك السطح- عشرات الأسر يعيش أفرادها مختلطين ذائبين في هموم بعضهم البعض. رغم كل هذا، فقساوة الانعزال أهون من فداحة خسارة من نحب، ومن تهديد استقرار بلادنا. يجب أن ننضبط اليوم، لتكون عندنا الفرصة غدا لتصحيح المسار، والعمل على أن يتشارك الجميع كمغاربة في تقاسم الحلو والمر، وكي يتم ذلك لابد أولا أن نبقى على قيد الحياة، وهذه هي معركة الجميع في هذه الساعة. 2_ قطاع التعليم الخاص قطاع ريعي بامتياز نبه الأستاذ إدريس لشكر إلى أهمية حماية المال العام من العبث وضمان وصول الدعم للمستحقين والمستحقات، واتخاذ الإجراءات الصارمة حتى لا تمتد الأيادي الآثمة وغير المستحقة لأموال الصندوق… لا يعقل أن نقدم الدعم لقطاعات خاصة مازالت تتوصل بمستحقاتها من المواطنين؟ كما هو شأن البعض في القطاع الخاص… لا يجب أن يستفيد مدراء وأصحاب هذه المؤسسات من الأموال، لأن المعني الأساسي بها هم المتضررون… كورونا عرت كثيرين، وعلى رأس هؤلاء تجار الأزمات، سواء في التجارة أو الخدمات، لكن تبقى بعض مؤسسات التعليم الخاص حالة مثيرة للدهشة. فقد لجأت بعض مؤسسات التعليم الخاص إلى قطع الدروس عن بعد مطالبة أولياء أمور التلاميذ بدفع المستحقات الشهرية. وقبل هذا أصدرت ثلاث تمثيليات لأرباب هذه المدارس، وعلى رأسها رابطة التعليم الخاص، بلاغا عجيبا تتوسل فيه رئيس الحكومة أن يشملها برنامج الدعم الذي وضعته الحكومة لتطويق تداعيات جائحة كورونا… تجار التعليم الخاص في رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة أعلنوا فيها «هشاشة» قطاعهم، وطالبوا بدعم الحكومة بإدراجهم ضمن الإجراءات التي ستقوم بها، انطلاقا من المبالغ التي تبرع بها المغاربة من أفراد ومؤسسات لفائدة صندوق تدبير ومواجهة جائحة كورونا، وطالبوا بإعفائهم من مجموعة مستحقات لمؤسسات الدولة، والأخطر مطالبتهم رئيس الحكومة بتحمل أجور مستخدمي التعليم الخاص العاملين في مدارسهم وثانوياتهم الخاصة… جشع هذه الرابطة ليس وليد اليوم بل يعود لسنوات، فقد بدأته عندما ظلت تتستر بل وتدافع عن ممارسات تقوم بها بعض المؤسسات الخاصة، عنوانها الوحيد والأوحد هو ابتزاز جيوب المغاربة الفارين من التعليم العمومي، وبدأته أيضا عندما امتنعت مؤسسات كثيرة عن أداء واجبات صندوق الضمان الاجتماعي، حيث تجاوزت ديونها لدى الصندوق ملايير السنتيمات. وهاهي الآن تستمر في هذا المسلسل بطلبها تخصيص مبالغ من صندوق جائحة كورونا لها، بدل أن توجه لدعم بنية الاستقبال في المستشفيات. فالمؤسسات الخاصة لم تر في ما يحدث من أزمة سوى أن تستغلها لتكدس في جيوب أصحابها أرباحا ظلت دوما عصية على كل مراقبة. مع العلم أن هذه المؤسسات ستستفيد من الإجراء المتعلق بصندوق الضمان الاجتماعي. ففي الوقت الذي انتظرنا من بعض أرباب المدارس الخاصة أن يتخذوا قرارات مواطنة لتدريس أبناء المغاربة مجانا، وخصوصا المساعدة في ما يسمى بالتعليم عن بعد لفائدة أطفال العالم القروي، هاهم يسارعون إلى المطالبة بنصيبهم من أموال المتبرعين ويمارسون الابتزاز على أولياء التلاميذ بالتهديد بقطع الدروس عن بعد. نسي أو تناسى أثرياء التعليم الخاص أن الفترة فترة «حرب ضد وباء كورونا» وسمحوا لأنفسهم بكل وقاحة بطلب شيء ليس لهم بحكم القانون والأخلاق والإنسانية. تجاهلوا الوطن في هذا الظرف الاستثنائي الصعب، وأعلنوا عن هشاشة قطاعهم قبل أن يعرفوا ماذا سيحصل بالضبط، وهل سننجو من هذه الكارثة أم لا؟! فكروا في مبالغ صندوق ساهم فيه المغاربة بأغنيائهم وبسطائهم، صندوق من أولوياته الآن تدبير ومكافحة جائحة كورونا. وإذا كان أثرياء التعليم الخاص قد ادعوا «الهشاشة» وطلبوا دعم الحكومة، فماذا تبقى للفئات الاجتماعية الهشة؟! بشكل موضوعي، ليس هناك أي داع يبرر الطلب الغريب لأثرياء التعليم الخاص، لسبب بسيط هو أن قرار إغلاق المدارس تم بعد أن توصلت كل المدارس الخاصة بشكل مسبق بمستحقات التمدرس… وبدل أن يبادروا إلى التبرع، وخصوصا المجموعات التربوية الضخمة التي تملك عشرات المدارس، ها هم ككل تجار الأزمات يستغلون خوف الجميع من ضياع السنة الدراسية لابتزاز الدولة. لقد كنا ننتظر من أثرياء التعليم الخاص أن ينظموا للمغاربة ويعلنون أنهم سيفتحون مدارسهم مجانا خلال ما تبقى من السنة الدراسية لفائدة أبناء عائلات ستتضرر من جائحة كورونا، ويعلنون أنهم سيخصصون شهرا من مداخيل الآباء التي وصلتهم لحد الآن للتبرع إلى صندوق المغاربة، إلا أنهم سلكوا سلوكا خطيرا، غريبا وصادما، سلوكا لا وطنيا. إن الأمر لا يتعلق بمجرد خطأ في التقديرات سقط فيه أرباب المؤسسات الخاصة بل ببنية فاسدة يستغل فيها البعض أزمات الوطن ليربحوا، فكما ربحوا طيلة سنوات من أزمة التعليم، هاهم يسعون أيضا إلى المتاجرة بأزمة كورونا، لعلهم يستفيدون من أموال قدمها متبرعون من جيوبهم من أجل إنقاذ البلاد والعباد.