كتاب “تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل مباشر . العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي، وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد. في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى مواضيع عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن الإرهاب ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب، أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟. لم يتوقف الكتاب عند طرح الأسئلة فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير معاني العديد من الآيات القرآنية الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص) ،لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة. الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور، فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى، ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال عالقة. لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها. ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان.
تجفيف منابع الإرهاب، كتاب للمفكر الراحل الدكتور محمد شحرور، ،مؤلف جاء لتوضيح الصورة أكثر، ويرفع التهمة عن الإسلام كدين سماوي ، بعدما لاحظ أن أحداث 11شتنبر 2001 التي تعرضت لها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بسبب الهجمات الإرهابية ،تسببت بهزة عنيفة في نظر الكثير من الناس في العالم، للإسلام كدين، مع أن الذي دفع إلى هذه الأحداث، يقول الدكتور محمد شحرور، هو الإسلام كثقافة موروثة صنعها البشر، ابتدأت من عصر التدوين. ويرى الدكتور شحرور في مؤلفه، أن الثقافة الإسلامية الموروثة، ربطت بين القتال والقتل، والغزو والشهادة والشهيد، وكذلك قللت من قيمة الحياة والحرص عليها، وطلبت ممن يحب الحياة ويكره الموت أن يشعر بالذنب،وأن الذي يقتل في سبيل الله سيدخل الجنة مباشرة بدون انتظار، كل ذلك حسب ما جاء في هذا الكتاب، شجع الناس على الموت، كما ربطت الشهادة بالموت بالمعركة. كما يرى محمد شحرور، أن الفقه الإسلامي الموروث، لم ينبس بكلمة عن احترام حرية الناس في اختيار عقائدهم وشعائرهم وحرية الكلمة وحرية الضمير، في هذا الباب، يقول، إن هذا الفقه بدأ في عصر الاستبداد، ابتداء من نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، أي في القرنين الثاني والثالث الهجريين، فكان لا مجال إطلاقا إرضاء للسلطة، الفصل بين الشهادة والموت والقتال وحرية الناس في اختيار عقائدهم ليتم ترسيخ قتل المرتد وجعله من توابث الدين الإسلامي وطاعة السلطان، وإن كان ظالما، هو في طاعة الله ورسوله. الحروب كما جاء في كتاب “تجفيف منابع الإرهاب “،كانت على أساس أممي، أي أمة إسلامية مقابل أمة كافرة، أو بعبارة أخرى، دار الإسلام مقابل دار الكفر، مع أن الهدف الأساسي كان ابتداء من العصر الأموي، هو الفتوحات لكسب وجمع الجزية وإبعاد المعارضة،لكن في العصر الجديد صارت فيه الحروب لكسب المصالح وللاحتلال وللدفاع عن المصالح، أي اصبحت الحروب بين مجموعات من الناس تعيش في دول، وهذه المجموعات هي الشعوب، فتحولت الحرب يقول محمد شحرور،من أساس أممي إلى أساس وطني ومصلحي، لكن بقي التقسيم السابق على ماهو عليه. ولم يقف الكتاب عند هذا الحد، بل تطرق إلى مفهوم الوسطية،التي جاءت كشعار إسلامي، ويرى أن ذلك ماهو إلا تخريجة للخروج من مأزق أحداث شتنبر وماتلاها ،شأنها شأن كثير من التخريجات خلال تاريخنا الطويل ،ويستشهد في هذا الباب، بما يسميه بتخريجات فقه الأقليات وفقه الأولويات، فاخترغوا الناسخ والمنسوخ لتلافي التضاد الظاهري بين بعض الآيات القرآنية، وخاصة لحل التناقض بين آيات القتال، وبالأخص في سورة التوبة وبقية آيات القتال، وبين آيات “لا إكراه في الدين “و”وقل الحق من ربكم من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر “و”أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة “،وبهذا يقول المفكر السوري، أصبحت الثقافة الإسلامية انتقائية، فمن يريد القتال يورد آيات القتال، ومن يريد السلم، يورد آيات السلم،ويرى محمد شحرور أن كتابة “تجفيف منابع الإرهاب “حل هذه المشكلة دون اللجوء إلى الناسخ والمنسوخ، كما يقول، إن الدعاة لجأوا إلى استعمال مصطلح “مقاصد الشريعة “،لتبرير الكثير من الأمور والإفتاءات نحن هذا الشعار. وفصل الكتاب بين موضوعي الجهاد والقتال، وتم تبيان أن هناك جهادا وقتالا في سبيل لله، وآخر ليس في سبيل الله و قد يكون مشروعا، كما حدد تعريف الإرهاب على أنه عندما يتحول القتال إلى قتل من طرف واحد، كما أوضح أن الشهادة والشهيد لاعلاقة لهما بالموت والقتال والقتل، وأن الشهيد لايمكن أن يأخذ هذا اللقب إلا وهو على قيد الحياة، ولايوجد كما يقول المفكر محمد شحرور، شيء اسمه عمليات استشهادية، بل هي عمليات انتحارية بامتياز. وبخصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الدكتور شحرور، إن المحرمات هي حصرا ماورد في كتاب الله، وأن ماورد عن النبي(ص)هو نهي وليس تحريما، وأكد أن التحربم هو شمولي أبدي، وهو بالتالي إلهي حصرا، في حين أن النهي هو ظرفي، فالله سبحانه وتعالى يحلل ويحرم ويأمر وينهى، والرسول يأمر وينهى فقط، و كذلك السلطة تأمر وتنهي فقط، وحدد الكتاب أن هيئات المجتمع المدني تمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه لايحتوي على أي إكراه، والدولة تمنع لأن الأساس في الحياة هو السماح، وقدم نموذجا في هذا الباب، بالطبيب الذي ينهي عن التدخين، والسلطة تمنع التدخين في الأماكن العامة، ومن يفتي بأن التدخين حرام فهو لايدري بأنه سن بهذا أمرا إلى أن تقوم الساعة، وينطبق على كل سكان الأرض، لكن من يملك الحق بذلك هو الله وحده سبحانه، ومن ثمة يقول محمد شحرور، إن كل إفتاءات التحريم خارج التنزيل الحكيم التي وردت خلال تاريخنا باطلة، ويجب أن نرمي بها عرض الحائط.