مالي تحتج على إسقاط "طائرة مسيرة" بتحرك عدائي للجيش الجزائري    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة.. نبيل باها: من أجل التتويج باللقب لابد من بذل مجهودات أكثر    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (ربع النهائي).. المنتخب المغربي يواجه نظيره الجنوب الإفريقي يوم الخميس المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توقيف إفريقيين مقيمان بدول أوروبية بمطار طنجة لحيازتهما ل46 كيلوغرام من المخدرات    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    خريبكة تلاقي تطوان بكأس العرش    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    عطاف يستقبل دي ميستورا بالجزائر    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها بين طنجة وطريفة بعد تحسن الأحوال الجوية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    عشرات آلاف المغاربة يتظاهرون في الرباط "ضد الإبادة والتجويع" في غزة    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    وزير الخارجية الفرنسي يعلن الاتفاق على بناء "شراكة هادئة" مع الجزائر    بيانات: المغرب ثاني أكبر مستورد للقمح الطري من الاتحاد الأوروبي    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    بعد انخفاض أسعار المحروقات وطنياً.. هذا هو ثمن البيع بمحطات الوقود في الحسيمة    آلاف المعتمرين المغاربة عالقون في السعودية    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تواجه رفضا واسعا للتعديلات القانونية الجديدة    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    المغرب يحدد منحة استيراد القمح    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    توقيف مروجين للمخدرات الصلبة بحي الوفاء بالعرائش    لوبن تدين "تسييس القضاء" بفرنسا    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    الذكاء الاصطناعي.. سوق عملاق يُهدد العدالة الرقمية    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    السفارة الأمريكية توجه تحذيرا لرعاياها بالمغرب    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    المغرب يتوعد بالرد الحازم عقب إحباط محاولة إرهابية في المنطقة العازلة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



28 فبراير 1976 28 فبراير 2015
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 28 - 02 - 2015

كيف اعترفت بريطانيا بمغربية الصحراء سنة 1895، وكيف طالب الإتحاديون بمنح الصحراويين المغاربة حكما ذاتيا منذ 1976
ما قصة المطامع الإنجليزية والإسبانية في الصحراء المغربية منذ 1875؟
كانت لحظة مفعمة بإحساس وطني خاص، تلك التي عاشها المغاربة، من جيل السبعينات، حين كانت تتتابع في نشرة الأخبار الرئيسية، في القناة التلفزية الوحيدة لدار البريهي بالرباط، تلك اللقطات القليلة، التي ينزل فيها الجنرال الإسباني سالازار علم بلاده من بناية عسكرية بالعيون، بالصحراء الغربية للمغرب، ويرفع فيها مستشار الملك الراحل الحسن الثاني ومبعوثه الخاص، المرحوم أحمد بنسودة، راية المغرب، التي على قدر ما كانت راية إسبانيا تنزل شبه مطوية على نفسها، كان العلم المغربي يسابق الريح في عنفوان وهو يعلو سماء الصحراء (حتى ريح الصحراء كانت فرحة بالعلم المغربي ومنحته أن يحلق عاليا).
كان ذلك يوم 28 فبراير 1976. أي أنه قد مرت، اليوم، 39 سنة كاملة، على ذلك الحدث التاريخي الكبير. الحدث الذي رسخ نهائيا الوجود المغربي في صحرائه الغربية الجنوبية. مثلما كان البداية لخروج، ليس فقط الإسبان من أرض مغربية، بعد 92 سنة كاملة من استعمارهم لها، بل أساسا خروج خصوم للمغرب، بشكل سافر الوجه، إلى واجهة الأحداث. حينها اصطفت الجزائر علنيا ضد المغرب، حين دفعت جبهة البوليزاريو إلى إعلان تأسيس ما يعرف ب «الجمهورية الصحراوية» (بدون أرض) في ذات يوم 28 فبراير 1976، وأن تكون هي أول دولة في العالم تعترف بها، يوم 6 مارس 1976، أي أسبوعا واحدا فقط بعد رفع العلم المغربي في العيون، وباقي القصة معروف إلى اليوم، التي عنوانها الأكبر أن «المغرب في صحرائه والصحراء في وطنها»، كما ورد في الخطاب الأخير للعاهل المغربي محمد السادس، بمناسبة ذكرى المسيرة يوم 6 نونبر 2014.
الحقيقة، إن استعادة ذلك اليوم التاريخي (الذي نعد حوله هذا الملف)، هو مناسبة لإعادة موضعة ملف صحرائنا الغربية الجنوبية، في سياقها التاريخي والوطني والإجتماعي، وأيضا في السياق المؤطر للقانون الدولي، أمميا. وأن تلك الإستعادة تقدم، للأجيال الجديدة، مغربيا ومغاربيا وعربيا، الكثير من الضوء حول المسارات التي قطعها المغاربة منذ نهاية القرن 19، من أجل المحافظة على ترابهم الوطني في تلك المنطقة الإستراتيجية والحيوية لمعنى وجودهم كدولة (لأنه لا معنى للمغرب بدون عمقه الصحراوي الإفريقي، الذي صنع الكثير من قصته الحضارية والسياسية كدولة وكمجتمع متمايز ضمن المجموعة العربية والإسلامية والإفريقية). المسارات، التي تلزمنا بالعودة بالمشكل إلى جدوره الأصلية.
إن مشكل الصحراء الغربية المغربية، لا يمكن فصله، بهذا المعنى، عن السياق العام الذي أطر علاقات المغرب مع فضائه الدولي، في أبعاده الأروبية والمتوسطية والإفريقية، الذي كان عنوانه الأكبر منذ أواسط القرن 19، ما ظل يعرف في العواصم العالمية الصانعة للقرار الدولي بمقاييس جديدة، حينها، هي مقاييس التوجه التوسعي لاقتصاديات أروبا ودور مؤسساتها العسكرية، التي بلورت ما يعرف ب «أحزاب الفكرة الإستعمارية».. أقول، ما ظل يعرف عندها، في صحافتها وفي تقارير ديبلوماسيتها، ب «القضية المغربية». القضية التي هي جزء من الرؤية الإستراتيجية إلى المجموعة العربية الإسلامية، كما بلورتها الديبلوماسية البريطانية (قائدة ذلك التوجه التوسعي الإستعماري والصناعي بالعالم حينها)، التي تمتد من المغرب حتى أفغانستان، والتي سيؤكد وزيرا خارجيتها سالزبوري ولا نزدوون (1896/1904)، أنها بلاد فاشلة تستوجب تدخلا لإعادة هيكلتها وإصلاحها. بالتالي، فإن التعامل مع المغرب، كان مندرجا ضمن هذه الإستراتيجية الكبرى الجديدة. لكن باستحضار أن للمغرب ميزة خاصة في كل تلك الجغرافية، كامنة في أنه بلد بلور أبناؤه شكلا لدولة لها نظامها التدبيري الخاص والواضح، الذي أنتج نخبا سياسية وتجارية وعسكرية، ولها إطار قانوني ينظمها كدولة. وهذا ما يفسر، ذلك التمييز الذي خص به المغاربة، من قبل منظومة تلك القوى العالمية، من خلال ما عرف ب «القضية المغربية». التي تترجم في الواقع، أن كل تلك القوى، كانت تعتبر المغرب مغنما لها الحق فيه جميعها، اعتبارا لموقعه الجغرافي الإستراتيجي بين قارتي أروبا وإفريقيا، وبين حضارتين (مثله مثل تركيا) هي الحضارة المسيحية الغربية والحضارة الإسلامية العربية.
بالتالي، فمنذ معركة إيسلي الشهيرة، التي تدخل فيها المغاربة ضد الإستعمار الفرنسي للجزائر، بطلب من المقاومة الجزائرية التي كان يتزعمها، الزعيم التاريخي، الأمير عبد القادر الجزائري (الذي بايع السلطان المغربي مولاي عبد الرحمان في نص مكتوب هو وكل منطقة الغرب الجزائري بعاصمته تلمسان)، يوم 14 غشت 1844، والتي انهزم فيها الجيش المغربي، الذي كان يقوده ولي عهد السلطان المغربي محمد بن عبد الرحمان، الذي سيصبح في ما بعد السلطان محمد الرابع، أي السلطان محمد بن عبد الرحمان والد السلطان المغربي الأشهر في القرن 19 الحسن الأول. منذ تلك المعركة، وما تلاها من حرب تطوان سنة 1860، التي انهزم فيها المغاربة، أيضا، أمام الإسبان، وتدخلت بريطانيا لإخراج الإسبان من تطوان وطنجة، لأنها لم تكن لتقبل أن تستفرد مدريد بالتحكم في مضيق جبل طارق لوحدها، من حينها دخلت القضية المغربية التدويل. بدليل أنه ستعقد أربع مؤتمرات دولية حول ما أصبح يعرف اصطلاحا ب «القضية المغربية» سنوات 1877 و 1878 بطنجة، و1880 بمدريد، ثم 1906 بالجزيرة الخضراء. وفي كل مؤتمر منها، كان يتبلور شكل جديد للتدخل في المغرب، اقتصاديا وجمركيا وضريبيا وماليا في البداية، قبل قرار التدخل فيه حمائيا وعسكريا سنة 1912.
القصة التاريخية للصراع المغربي الإسباني حول صحرائه
ضمن هذا السياق العالمي، سيصبح شكل علاقات المغرب مع إسبانيا، محكوما بالتوتر. وستكون لندن وبرلين الجهة المنافسة، التي كان السلاطين المغاربة يلتجؤون إليها (من خلال استغلال التناقضات المصالحية بينها) لتلجيم الطموح التوسعي لمدريد في الأراضي المغربية. وبسبب تطورات حرب تطوان، سنة 1860، التي فرضت فيها، بوساطة بريطانية، عقوبات مالية كبيرة على المغرب كتعويض لصالح مدريد، ستستغل إسبانيا عدم قدرة المغرب على سداد أقساط تلك العقوبات المالية، من أجل التحرك لاحتلال مواقع استراتيجية في صحرائه الجنوبية، قبل أن تحتل أجزاء واسعة منها في الساقية الحمراء ووادي الذهب، ابتداء من سنة 1884، أي أربع سنوات فقط بعد مؤتمر مدريد حول القضية المغربية. معتبرة أن ذلك حقها بسبب عدم سداد المغرب لما فرض عليه من غرامات مالية. حتى والحقيقة أن أمر ذلك الإستعمار، مرتبط أكثر (بالدليل التاريخي) بسياق تنافسي دولي آخر.
كان التنافس حينها، قد انطلق بين القوى الأروبية (باستراتيجيتها الإستعمارية) من أجل إيجاد موقع قدم اقتصادية لها في السواحل المقابلة لمنطقة الساحل والصحراء الكبرى، الزاخرة بثروات طبيعية جد مغرية، ليس أولها الذهب والعاج، وليس آخرها الحديد. لهذا نجد أنه قد بدأت عدد من القوى الأروبية تبعث سفنها إلى تلك الشواطئ لغاية إيجاد موقع رسو فيها. فبدأت تتوالى إطلالة السفن الهولندية والسفن الألمانية والسفن الإنجليزية والسفن الفرنسية والسفن الإسبانية، على الشريط الأطلسي من سيدي إيفني حتى نهر السينغال. وبدأ التنافس التجاري بين تلك العواصم الغربية حول تلك المنطقة يتعاظم ويشتد. بل وبدأ يظهر بعض ما عرف ب «المغامرين التجار»، الذين شرعوا يؤسسون لواقع تواجد أروبي في المنطقة. يهمنا منها، هنا، التواجد الإنجليزي والإسباني، من خلال المطامح التوسعية الإسبانية المعروفة حول قصة منطقة رأس جوبي، التي ظلت مدريد، تروج أن لها فيها حضورا تاريخيا بمرجعية كنسية دينية. وهي المنطقة، التي ليست في الواقع سوى موقعا لميناء استراتيجي ولتواجد قبلي جد منظم وفاعل يستحق استقطابه. ثم أيضا من خلال قصة المغامر الإنجليزي دونالد ماكينزي سنة 1875 (الذي سبقه من قبل مغامرون آخرون إنجليز، أهمهم دجون دافيندسون سنة 1836)، الذي سيؤسس ما عرف ب «الشركة الشمال غرب إفريقية لبريطانيا»، وشرع في بناء مرفأ تجاري أطلق عليه إسم «ميناء فيكتوريا»، نسبة إلى الملك فيكتوريا سنة 1879، والذي عرف تاريخيا أكثر باسم «مرفأ كازا ديل مار». ولا تزال آثار جزء من بناية تلك الشركة قائما إلى اليوم بأحد شواطئ طرفاية.
بريطانيا تعترف بمغربية الصحراء سنة 1895
إنه بسبب هذه الشركة، وهذا المغامر التجاري الإنجليزي، الذي قصته تستحق فيلما سينمائيا مشوقا، الذي قاوم وجوده جزء مركزي من أبناء الصحراء الغربية، الذين كانوا يعلنون أنهم لا يمتثلون في تعاملاتهم سوى للسلطان المغربي (الحسن الأول حينها)، وأنه لا يمكن السماح بالتواجد الأجنبي سوى بعد الإتيان بإذن مكتوب من السلطان بفاس. بسبب شركته تلك، سيدخل المغرب في مفاوضات طويلة وشاقة مع الحكومة البريطانية لأكثر من 15 سنة، انتهت بالتوقيع على اتفاقية رسمية بين لندن وفاس، يوم 13 مارس 1895، تعترف فيها بريطانيا رسميا أنه لا يمكن التحرك تجاريا وعسكريا في منطقة الصحراء الغربية، من واد نون (درعة) حتى رأس بوجدور، الذي هو مجال طموح تلك الشركة التجارية الإنجليزية، سوى بموافقة مسبقة من السلطات المغربية، لأن تلك الأراضي تابعة للدولة المغربية (نص الإتفاقية الأصلي موجود بأرشيف الخارجية البريطانية إلى اليوم كما نبهنا إلى ذلك في بحثه القيم المؤرخ المغربي خالد بن الصغير، الأستاذ بكلية الآداب بالرباط).
بعد توافق القوى الدولية على تقسيم الدولة المغربية بين الإستعمارين الفرنسي والإسباني والإبقاء على إقليم طنجة كمنطقة دولية لأهميتها الإستراتيجية بمضيق جبل طارق، في آخر مؤتمر حول القضية المغربية بالجزيرة الخضراء الذي دام 4 أشهر، من يناير حتى أبريل 1906، سيدخل المغاربة زمن الحماية ابتداء من مارس 1912. الحماية التي عمليا حدد شكلها وإطارها في الإتفاق السري الذي وقع قبل ذلك، سنة 1904، بين لندن وباريس (اتفاقية وزير خارجيتي البلدين ديلكاسي ولانزدوون) الذي يحدد بدقة صيغ التواجد الفرنسي والإسباني نهائيا بالمغرب وحقوق بريطانيا التجارية فيه، في مقابل التواجد الإنجليزي بمصر والسودان وحقوق باريس التجارية بهما، خاصة بقناة السويس.
من حينها دخل المغاربة صدمة الإستعمار، لكن بصيغة خاصة، سميت «حماية»، لأنه لم تلغى أبدا السلطة الحاكمة بالمغرب، أي ذلك البناء التدبيري الإداري القديم (المخزن) للدولة المغربية. بل إن باريس ومدريد، قد ظلتا تحرصان على منح شرعية لكل قرارات مقيميها العامين بالرباط وتطوان، حين تكملها بموافقة خطية للسلطان بالنسبة للفرنسيين ولخليفته بالشمال بالنسبة للإسبان. هنا يمكن التذكير بالبروز الوطني للملك محمد الخامس، الذي ابتدأ صراعه مع الإستعمار الفرنسي بسبب رفضه التوقيع على قوانين إستعمارية منذ الحرب العالمية الثانية بخصوص وضعية اليهود المغاربة ضد قوانين حكومة فيشي، ثم رفض شروط الجنرال جوان سنة 1951 ثم الجنرال غيوم سنة 1953، التي انتهت بنفيه وأسرته الملكية يوم 20 غشت من نفس السنة.
هذه الخصوصية، هي التي جعلت المغرب كدولة قائمة قانونيا، قد ظل يستعيد أراضيه منذ مارس 1956 من فرنسا ومن إسبانيا باتفاقيات ثنائية تؤكد عودة الأمور إلى نصابها بعد قوس الإستعمار.
هذا أمر نبهني إليه في ملاحظة ذكية وعميقة منه مرة الدكتور فتح الله ولعلو، الذي أكد لي أن الخطأ المغربي الكبير في ما يرتبط بقضية استكمال وحدته الترابية في أقاليمه الصحراوية الجنوبية الغربية، هو مبادرته سنة 1964، إلى تسجيل قضية أراضيه تلك ضمن اللجنة الرابعة للأمم المتحدة لإنهاء الإستعمار، لأنه قام بتدويلها. بينما علينا الإنتباه أن المغرب استعاد أراضيه بالتفاوض مع الدول المستعمرة منذ 1956، عبر اتفاقيات إنهاء احتلال بين دولتين وحكومتين. فذلك ما حدث مع باريس يوم 2 مارس 1956، لاستعادة الجزء الأوسط من المغرب (وبقيت هناك مطالب بخصوص إقليم شنقيط قبل تأسيس دولة موريتانيا من قبل فرنسا). وأيضا ما حدث مع مدريد يوم 7 أبريل 1956 لاستعادة المناطق الشمالية المحتلة عدا مديتني سبتة ومليلية والجزر الجعفرية التي لا تزال مستعمرة من قبل الإسبان إلى اليوم. وأيضا ما حدث يوم 1 أبريل 1958 مع ذات الدولة لاستعادة إقليم طرفاية الشاسع والكبير من خلال الإتفاقية التي عرفت ب» اتفاقية سنترا». ثم ما حدث سنة 1958 لإنهاء المنطقة الدولية بطنجة. ثم ما حدث مع ذات الدولة الإسبانية، يوم 4 يناير 1969 لاستعادة سيدي إيفني في ما عرف باتفاقية فاس. وهو عمليا ذاته ما وقع سنة 1975، لاستعادة الصحراء الغربية (لكن بظروف تفاوضية مختلفة فرضت على المغرب قبول تدبير منطقة وادي الذهب من قبل موريتانيا، قبل استعادتها في غشت 1979، بعد تنازل نواكشوط عنها لصالح البوليزاريو، بعد الإطاحة في انقلاب عسكري بالرئيس المختار ولد دادة).
اليوم، وبعد صراع عسكري وديبلوماسي طويل وشاق ومعقد، منذ توقيع اتفاقية مدريد التي سجلت بالأمم المتحدة، ارتكبت فيه أخطاء تدبيرية عدة وتحققت فيه انتصارات عسكرية وسياسية وديبلوماسية كثيرة أيضا. مثلما تحققت فيه تنمية هائلة للصحراء على مستوى البنى التحتية، فإن المبادرة المغربية للحكم الذاتي، تعتبر تتويجا لنضال مغربي طويل حول حقوقه الترابية في صحرائه الجنوبية الغربية، منذ 1884. وهي المبادرة، التي تأتي في سياق تغير إيجابي للمغرب صوب الخيار الديمقراطي ودولة الحق والقانون، الذي لا يتحرج من الإعتراف لمختلف مناطقه وجهاته بخصوصياتها الثقافية والإجتماعية ضمن وحدة الدولة ووحدة التراب، التي لها عمق تاريخي راسخ.
هذا التطور، هو في الحقيقة نوع من العودة إلى موقف كان قد عبر عنه منذ 1976، حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية (أنظر ضمن هذا الملف وثيقة بيان لجنته المركزية ليوم 4 أبريل 1976، حول ذلك)، ضمن نضاله السياسي السلمي والوطني لتعزيز دولة الحق والقانون والحريات بالمغرب، والذي طالب فيه بمنح إقليم الصحراء شكلا معينا لجهوية موسعة أقرب للحكم الذاتي، والذي ووجه حينها بتهم الخيانة من قبل بعض الإفتتاحيات الصحفية.
من هنا، معنى استعادة أهمية تلك اللحظة التاريخية التي أنزل فيها العلم الإسباني بالقيادة العسكرية للحاكم العسكري الإسباني على بعد 10 كلمترات من العيون، ورفع العلم المغربي، يوم 28 فبراير 1976. لأنه حينها طويت مرحلة صراع استعماري طويل عانى منه المغاربة منذ النصف الثاني من القرن 19، أي منذ سنة 1884. أما تطورات الصراع بعد 1975، فهو منطق جديد لصراع جديد، للأسف الطرف الأساسي فيه، بلد شقيق وجار، لنا معه قدر تاريخي لا ينفصم، هو الجزائر. وكما انتصر المغاربة والجزائريون تاريخيا على الكثير من فخاخ التاريخ، زمن الإستعمار، ستنتصر القوة الكامنة للأخوة بين الشعبين (فقوة المجتمعات هي التي تصنع المستقبل) على أعطاب اليوم. لأنه سينتصر منطق العقل، عقل الدولة، في المستقبل مهما طال الزمن.
إن المغرب والمغاربة في صحرائهم والصحراء في بلدها، والشرعية التاريخية والإجتماعية والقانونية بمنطق إنهاء الإحتلال للأراضي المغربية من استعمارات متعددة، هي إلى جانب الحق المغربي في تعزيز وحدته الترابية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.