تجارب ملهمة تنبعث من قلب العاصمة .. العقل المغربي يشتغل قام باحثون مغاربة ونظراؤهم من البرتغال والبرازيل بتوحيد جهودهم لتطوير حل لمساعدة المصابين بفيروس كورونا على التنفس؛ والحل عبارة عن جهاز تنفس آلي ذكي. وحسب بلاغ لمعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، فإن الأمر يتعلق بفريق متعدد التخصصات شكل فريقا دوليا (المغرب والبرتغال والبرازيل) يشرك مراكز للبحث ومقاولات صاعدة، من بينها معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، بهدف تطوير جهاز تنفس آلي ذكي، تم إنجاز أول نموذج له وتحسينه بفضل انخراط مهنيي الصحة. وأوضح البلاغ أن هذا الجهاز المسمى (إفون في1) يتميز بإمكانية تعديل صبيب الهواء، ويمكن أن يتكيف مع الدورة التنفسية لكل مريض، ومراقبة مدة الشهيق-زفير، مشيرا إلى أن هذا النظام تم تصميمه بشكل يمكن من تحقيق إنتاج محلي بشكل سريع. ويتيح هذا المنتج، الذي يتميز بتصميم دولي وتصنيع وإنتاج محلي (مغربي)، الاستجابة للطلب المتزايد على حلول المساعدة على التنفس في سياق الوباء العالمي لفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). وتتوخى هذه الشراكة تطوير حل منفتح على مصادر مختلفة، تكون مخططاته ووثائقه الهندسية والإنتاجية قابلة للولوج، وذلك بهدف تمكين أكبر عدد من المرضى على المستوى العالمي من هذا الجهاز. وسيتم إنتاج السلسلة الأولية خلال الأيام المقبلة وسيتم تجريبها من قبل مهنيي الصحة في المغرب والبرتغال والبرازيل، لإعداد شهادة بالمعايير الدولية. تجارب ملهمة تنبعث من قلب العاصفة قبل أسابيع، لم يكن ليدور في خلد أحد أن كفاءات وطنية ستتمكن، خلال بضعة أيام، من ابتكار جهاز تنفس اصطناعي، من صنع مغربي مائة في المائة، أو أن مقاولين مغاربة في مجال النسيج سينجحون، في وقت وجيز، في تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني من الكمامات الواقية. وإلى وقت قريب، كان الاعتقاد السائد أن فكرة التعليم عن بعد هي فكرة طوباوية، حتى بالنسبة لصناديد التكنولوجيا داخل القطاعات الحكومية المعنية، لكن كان كافيا إفساح المجال أمام العقول العبقرية والمبدعة في مجال المعلوميات، الذين يعانون الملل داخل مكاتبهم، وتحرير طاقاتهم، ليجعلوا منها واقعا، لا حلما من الصعب بلوغه، وإن كانت العملية لا تزال في بداياتها، لكن لابد لكل حلم من بداية. فالانتقال الرقمي، الذي كان يؤخر إلى أجل غير مسمى، أصبح ، ما بين يوم وليلة، في متناول اليد، إذ سرعان ما وجدت مؤسسات تعليمية عمومية وأبناك وشركات تأمين وغيرها، الطريق لتقدم خدماتها عن بعد، مجنبة الزبناء والمستخدمين مخاطر الانتقال، وصفوف الانتظار الطويلة.. مبادرات ومحاولات كثيرة تناسلت من قبل فاعلين من مختلف الآفاق وباحثين وخبراء وتقنيين، وجدوا أنفسهم في الصفوف الأمامية، يسارعون إلى المساهمة، كل بطريقته، في الهبة الوطنية التي أوقدتها الحرب الضروس التي تخوضها البلاد للخروج من جائحة فيروس كورونا المستجد. فعند الشدائد والمحن، يظهر المعدن الأصيل للشعب، وإرادته العنيدة في التغلب على الأزمات وتجاوزها، عبر إيجاد أجوبة جماعية للتحديات والمخاطر التي تتهدد وجوده وكينونته. لذا، فالبلاد تعيش على وقع تعبئة عامة حقيقية، وإرادة مواطنة فريدة، تستلهم أسسها من الإرادة الشخصية السامية لجلالة الملك محمد السادس، الذي أرشد الجميع، من خلال تفاعل جلالته وتدبيره عن قرب وتحديده الواضح والشفاف للأولويات، نحو السبل التي ينبغي اتباعها، والممارسات الفضلى التي يتعين الالتزام بها، في ظل هذه الظرفية العصيبة والاستثنائية. ثم إن التدابير الصارمة والاستعجالية التي اتخذتها السلطات العمومية على المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، كانت لتكون بدون معنى أو جدوى، ما لم يواكبها عمل خلاق على صعيد الابتكار، للاستجابة لبعض الاحتياجات الضرورية والآنية للأمة. الهبة الصناعية والتكنولوجية والعملية جاءت الهبة الصناعية والتكنولوجية والعملية لتضفي مزيدا من المصداقية على الاستراتيجية الخاصة التي انتهجها المغرب لمحاصرة التداعيات المدمرة لأزمة غير مسبوقة، والتي صارت تجربة يقتدى بها، وتحدد معالم الطريق، حتى للدول الأكثر تقدما وغنى. ومن ذلك نجاح عناصر القوات المسلحة الملكية، في وقت قصير، في إعداد وتجهيز بنيات صحية ذات جودة عالية (خيام وبنايات) لاستقبال المرضى المصابين بالفيروس، ممثلة في المستشفيات العسكرية الميدانية بكل من بنسليمان والنواصر، مما أتاح توفير قدرة استيعابية إضافية بلغت 560سريرا، منها بالخصوص خدمات الإنعاش، وهو ما سيساعد على تخفيف الضغط عن المستشفيات العمومية على مستوى الدارالبيضاء الكبرى في القادم من الأيام. وفي الوقت الذي تعاني فيه دول تمتلك تكنولوجيا متطورة ووسائل ضخمة، وتجد صعوبة في توفير الكمامات لمواطنيها، استطاع رجال الصناعة المغاربة أن يتجاوزوا المعيقات ويكسبوا الرهان، ويضمنوا هذه الكمامات الواقية لمواطنيهم، وبأسعار جد مناسبة. وعندما يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى السوق الوطنية، وضمان كميات وافرة من الكمامات، يمكن حينها للمغرب القيام بتصديرها، حيث يتوقع أن يصل حجم الإنتاج اليومي إلى 5 ملايين وحدة ابتداء من منتصف أبريل الجاري. وخلال أيام، نجح مهندسون وتقنيون شباب في تصنيع ما لا يقل عن 500 جهاز تنفس اصطناعي مغربي مائة في المائة، ابتداء من وضع التصاميم، مرورا بتصنيع القطع المكونة للجهاز، وإلى غاية التجميع. وهذه النماذج، وغيرها كثير، تبين أن البلاد تزخر بكفاءات ذات قيمة عالية، وبأطر موهوبة، ومؤهلات كبيرة في مجال الابتكار، ومهارات، غالبا ما تهدر بسبب منعرجات البيروقراطية، ومتاهات السياسة، التي يستعصي على أصحاب المنطق السليم سبر أسرارها. ولتحقيق هذه الإنجازات التي تشعر بالفخر كل مواطن مغربي، كان لا بد من التحلي بإرادة سياسية صريحة من أعلى قمة هرم السلطة بالبلاد، لتحرير الطاقات وإفساح المجال أمام العقول المبتكرة، مرفوقة بعمل منظم من قبل السلطات العمومية من أجل تفاعل حقيقي بين الفاعلين من كل الآفاق. والآن، فإن المغرب بصدد جني ثمار اختياراته خلال العقد الأخير في القطاع الصناعي، ومنها إحداث منظومات صناعية متخصصة، وتشجيع المهن العالمية الجديدة في قطاعات السيارات وصناعة الطيران والطاقات والصناعات الغذائية. فأجهزة التنفس الصناعي تم تصنيعها داخل شركة الدراسات والإنجازات الميكانيكية الدقيقة «SERMP»، الموجودة بالقطب الصناعي النواصر بالدارالبيضاء، والتي دشنت في 2013 لتكون موقعا للتميز الصناعي، إلى جانب المنطقة الحرة (ميد بارك)، التي تحتضن كبريات الشركات الرائدة في صناعة الطيران عبر العالم. إن تثمين البحث العلمي داخل المدارس الكبرى بالمغرب، وإن كان لا يزال محتشما لحد الآن، أعطى، بدوره، نتائج ملموسة لا يمكن إنكارها، كما يدل على ذلك تتويج عدد منها في مسابقات علمية دولية للابتكار. ومن ذلك قيام أحد خريجي المدرسة العليا لصناعة النسيج والألبسة، التي يتميز مهندسوها في مجال النسيج ذي الاستعمال التقني، وخاصة الطبي، بتصميم وتصنيع كمامات واقية مغربية، ما يعزز من مساهمات هذه المدرسة في تحقيق الريادة للمغرب في هذا النوع من الأنسجة. فالكفاءات الوطنية قدمت البرهان الأكيد على أنها منخرطة في عالم الغد، متطلعة نحو المستقبل، يمكنها أن تقدم الكثير، شريطة تجنيبها الحسابات الضيقة لثلة منفصلة عن واقعها.