يقول الأستاذ إدريس لشكر في لقاء عن بعد، استضافته فيه «مؤسسة الفقيه التطواني» في حلقة نقاش حول «الأحزاب السياسية وقضايا الساعة»، بمشاركة عدد من الإعلاميين، مساء الثلاثاء 07 أبريل، «أعتبر أنه من منطلق، أنني كفاعل سياسي، يأخذني التفكير إلى التساؤل والبحث عن كل الصيغ والحلول التي يمكن أن تساهم في مواجهة هذا الواقع الذي نعيشه اليوم… في هذا الإطار، أعتقد أن العديد من المفاهيم ستتغير…» أشياء كثيرة ستتغير في الاقتصاد والثقافة والمجتمع، في القيم والسلوكات والعلاقات الإنسانية، وأن أسئلة كثيرة ستثار، وأن أفكارا ومقاربات جديدة سترى النور. كورونا زلزال هز وسيهز ثوابت واقتناعات ومنظومات فكرية وسياسية وجيوسياسية. كورونا حدث، والحدث هو كل شيء يقع في الزمان والمكان ويغير المفاهيم والمعاني. هو حدث بالمعنى القوي، قسم البشرية إلى قسمين وسيؤرخ للأجيال القادمة… هو تحول نوعي وحدث صاعقة لأن الإنسانية لم تكن تنتظر عدوانا بمثل هذه الشراسة والحجم. هناك عنصر الفجائية الذي تم معه تخطي كل التوقعات لأن العلم والتقنية كانت مطمئنة على ذاتها بعد الانتصار على عدة أوبئة، بعد تحجيمها والتحكم فيها في شهور… لكن يبدو أن هذا الفيروس يتطور ويتكاثر بشكل رهيب حيث يبدو وكأنه من الصعب التغلب عليه رغم الاحتياطات… هو إذن حدث ضخم ومفصلي غير كل التصورات والمفاهيم والباراديغمات والحلول، كما أنه صادم يخلخل كل البنيات والتوقعات وأشكال الوعي، وبهذا المعنى فهو أبان عن أنه حدث Evénement جاء ليغير الماضي والحاضر والمستقبل. العالم سينجح لا محالة في محاربة هذه الجائحة، لكن بأي تكلفة؟ لا أحد يعرف، لكن المؤكد أنها ستكون باهظة، وسينجح هذا الفيروس القاتل في تغيير العديد من عاداتنا ومن نظرتنا للحياة، وسيكون البشر مجبرين على التفكير في رسم ملامح عالم ما بعد «كورونا»، في الوقت الذي كنا نتحدث سابقا عن عالم ما بعد الحداثة. 1 – العودة إلى الذات العلاقة مع الأنا هاته النقمة العالمية المسماة كورونا أتتنا على حين بغتة، ولم نتوقعها، لكنها حملت عديدا من النعم في طياتها، وأعادت إلينا كثيرا من الإيمان بأن العودة إلى المرتكزات الأولى، الأساسيات، البديهيات، هو ما كان ينقصنا في جرينا الحثيث نحو اللاشيء، ونحو الوهم الذي نمسك به أبدا في العادي وفي سابق الأوقات. نسينا أنفسنا أو كدنا، فأعادنا هذا المرض إلى التذكير القاسي بضرورة الاهتمام أولا بالذات والاشتغال عليها. نعم، هي نقمة عالمية، نعم هو وباء كبير وابتلاء صعب للغاية، لكنه في الوقت ذاته درس رائع وبليغ أهدته لنا الحياة، في لحظة خاصة من نوعها سيتذكرنا بها كل من سيأتون بعدنا، وهم يقولون على سبيل الحكي اللامفر منه «في سنة 2020 مر وباء عالمي على الكرة الأرضية، هذا ما حدث فيه، وهذا ما وقع.» وسط كل هذا الرعب الذي ينشر أجنحته الخرافية على العالم، هناك فرصة وهبتها لنا هذه التجربة القاسية، وهي أن نخلو إلى أنفسنا ونجلس مع ذواتنا، ونطرح أسئلة أعمق من أسئلة الأيام العادية، أو لنقل أننا في الحجر الصحي أصبحنا مضطرين لمواجهة الأسئلة التي عادة ما نجيب عنها بالهروب منها. إنها مخاطرة، والامتحان يومي للناس في علاقتهم بواقعهم وأسرهم وبانتمائهم، وبمدى أهمية أهدافهم التي يكرسون حياتهم للجري وراء تحقيقها. عاد الآباء لاكتشاف سحنات الأبناء، التأمل مليا في القسمات وفي تفاصيل الملامح، في مقارنة السنوات بالأشهر والساعات والوقوف على ما تغير وعلى الزمن الهارب منا دون أن ندري… يكشف الغائبون قسرا، راكضين وراء ثقوب اليومي التي لا يمكن رتقها مهما بالغت في التفاؤل، أن الصغير يتقن اللغة الأجنبية الأولى، ويجد مشاكل في الثانية، وأنه متأخر بعض الشيء في الرياضيات، وأنه يحفظ عن ظهر قلب كثيرا من آيات القرآن… تجلس العائلة مع العائلة، ويعود المغربي إلى اكتشاف المغربي في حميميته الأولى، تلك التي تفرضها رفقة المنازل على من ألفوا أن لا يلتقوا إلا نادرا في اليوم، وقبل ساعات النوم بقليل… تذكرنا في أيام العزلة هاته أن لدينا كتبا مرمية على رفوف يعلوها غبار مثير. لم نعد نشغل بالنا بقراءة أي شيء، طالما أن أحدا أو جهة، أو إحساسا وهميا، أخبرنا أن القراءة لم تعد ذلك الشيء المهم، المقدس الحيوي، الضروري، اللابد منه، مثلما علمنا القدامى، وأنه من الممكن تعويضه بكثير التفذلك الفارغ، وترديد العبارات الساذجة والغبية، التي نطالعها في مواقع اللاتواصل الاجتماعي وكفى… لم يعد لنا قبل أو قدرة أن نرى تلك التفاهات، التي كنا نشغل بها وقتنا العابر الماضي. لم نعد قادرين أن نبتسم للسخافة هنا، أو للتفاهة هناك. فهمنا أو نفهم الآن أن الحياة أثمن من أن تضيعها وأنت تتابع معتوهين ومرضى نفسيين يصفون حسابهم مع الوقت على الأنترنيت، وأن هناك أشياء أهم في الدنيا لابد من الانتباه إليها وإيلائها الأهمية القصوى قبل أن يفوت الأوان. هذا الظرف الاستثنائي، العصيب والعسير، نتمنى أن يكون مؤقتا، نضعه بين قوسين لنرفع القوسين في القريب العاجل، القريب الذي يبشر بالانفراج، القريب الذي يتكلم لغة الأمل والحياة، سننتصر إذا أردنا، سننتصر فمفتاح مقاومة الوباء بأيدينا، وإذا لم ننضبط للتعليمات ولم نلتزم بالتوجيهات فوجودنا سيصبح عدما… من الشيء إلى اللاشيء، وفي أحسن الحالات، إلى شيئية المعدوم… هذا الظرف الأليم، لحظة انطولوجية، لحظة فارقة بين الوجود والعدم، بين الحياة والموت…إنها فرصة للتأمل… للعودة إلى الذات… للرجوع إلى الأنا في علاقته بالأنا وب «النحن»… لست وحيدا في هذا العالم، أنا في ومع، أنا في العالم، في الوطن، في المجتمع… ومع الغير الذي هو أنا الذي ليس بأنا… إذن هي فرصة للعودة إلى الذات، لمحاورتها والتواصل معها، للخروج من عزلة الأنا، سبر أغوارها، وفتح أبوابها التي كانت موصدة في وجهي زمن التيه… أريد الآن، والآن أكثر من أي وقت مضى، الولوج إلى داخلها لأصارحها وأتصالح معها… أريد أن أكسر الجدار الذي يفصل بيني وبينها… أريد أن أعي ذاتي بالخروج من حالة الاغتراب والاستلاب… إذن، سأحج إلى سكني… سأحج إلى أناي… سأقطع مع التيه… وأبقى في تواصل مع الغير الصديق… تواصل بدون سلام ولا عناق… سنتواصل بغير المباشر… سنتواصل من بعيد… البعد المكاني والقرب الوجداني… البعد الجسدي والقرب الفكري… سنلتقي ذهنيا ونتصافح عاطفيا، كل في سكنه.. 2 – العلاقة مع الغير إن ارتباط مفهوم الغير بمفهوم الأنا أو الشخص، هو ما يثير المجال الإشكالي لمفهوم الغير على اعتبار أن علاقته بالأنا علاقة إشكالية لها مستوياتها وتجلياتها ومترتباتها. فالأنا ليست مستقلة أو معزولة، بل وجود الغير ضروري لوجودها، كما أن معرفة الذات تمر عبر معرفة الغير، وعليه فمن اللازم أن يدرك كل طرف الآخر باعتباره ذاتا واعية، مريدة وحرة، ذات شبيهة بالأنا ومختلفة عنها، قريبة منها وبعيدة عنها، صديقة لها وغريبة عنها في نفس الوقت… وكل ذلك ينبغي أن يكون في إطار من العلاقات الإنسانية القائمة على أسس أخلاقية وعقلية وكونية. إن العلاقة مع الغير، ينبغي أن تتأسس على قاعدة الغيرية، باعتبارها نكرانا للذات وتضحية من أجل الغير، وتقيم قطيعة مع الأنانية، فهي الكفيلة بتثبيت مشاعر التعاطف والمحبة بين الناس، فتجد الإنسانية غاياتها الكبرى في نشر قيم العقل والعلم والتضامن والاستقرار في العالم. يقول اوكست كونت «وحدها دوافع التعاطف الإنسانية تصنع الانطلاقة الحقيقية الثابتة لحياة من أجل الغير». وفي سياق العلاقة الإيجابية مع الغير، الغير-الجار، توجه ذ. إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بنداء إلى الجارة الجزائر لاستغلال هذه الظرفية قصد التعاون وفتح الحدود، معتبرا في دعوته أن «الجزائر في حاجة إلى المغرب، وأن الشعب المغربي في حاجة إلى الشعب الجزائري، وأن فتح الحدود وتأسيس علاقات جديدة سيساهم في تجاوز كل المشاكل العالقة في ما بيننا…» يقول ذ. لشكر «…لما توجهت إلى جيراننا الجزائريين، استحضرت في دعوتي لهم، أن ما ينتظرنا يتطلب القدرة على المواجهة… وأن فتح الحدود من أجل التعاون اقتصاديا وتجاوز هذه القطيعة ما بين البلدين… ولنترك المكانة للحكمة تتصدر مستقبل الشعبين الجزائري والمغربي»… 3 – العلاقة مع المرأة على الرغم من الهلع والخوف والإرباك كشف فيروس كورونا وجها مشرقا للمغرب والمغاربة، صورة المغرب النابعة من المعدن المتأصل فينا، تراءت لنا في أشكال مختلفة ومتنوعة في تفاصيل صغيرة لكنها معبرة. كشف الوباء صورة نساء السلطة كنا إلى وقت قريب نجهل عنهن الشيء الكثير. اكتملت الصورة عن نساء أخرجهن الخطب الجلل للداء من مكاتبهن وانتشرن في الشارع العام كل في حدود مجالها الترابي. خرجن للتوعية ولتقديم الخدمات الإنسانية وللسهر على إنفاذ القانون ولتطبيق إجراءات الطوارئ الصحية ولتفقد حالة المواطنين. لقد شاهدنا في شبكات التواصل الاجتماعي قايدات بزي العمل الرسمي وهن يتحدين الوباء ويحرصن على ضبط النظام العام ويخاطبن المغاربة بلغتهم، شاهدناهن في صورة جنديات في قلب المعركة يعطين المثال لما بلغته المرأة المغربية وما تمتلكه من قدرات علمية ومعرفية وميدانية. شاهدنا نساء السلطة يقدمن دروسا في الوطنية ودروسا في نكران الذات والعمل المتواصل من أجل حماية المواطن…. في الصورة أيضا نساء ورجال الأمن والدرك والقوات المساعدة والجيش بهدف واحد موحد هو هزم الوباء اللعين. عمل متواصل في الليل والنهار وفي ظروف صعبة جدا، لكن الواجب بالنسبة لهم فوق كل اعتبار. في الجبهة الأمامية مغربيات استجبن لنداء الواجب بعلمهن ومعارفهن وتقنياتهن، لكن أيضا بصبر كبير وعزيمة أقوى. هن ممرضات وطبيبات يقدمن صدورهن عالية في وجه العدو بعزيمة وقوة شكيمة وبإيمان بالوطن وبالإنسانية، بنات المغرب من النخبة التعليمية التي اختارت التخصصات الصحية كن في الموعد بكل ما يحمله الموقف من عزيمة وتحد… المرأة المغربية كذبت وتكذب أساطير وخرافات شيوخ الفقه الأسود، أولئك الذين يحتقرون النساء ويسلبون إنسانيتهن، ويشككون في قدراتهن وكفاءاتهن… أولئك الذين يتاجرون بالدين ويوظفونه توظيفا سيئا، توظيفا يهين المرأة بتشييئها وإهانتها… الواقع أصدق أنباء من أصنام شيوخ الإيديولوجية الداعشية بمختلف أقنعتها… المرأة المغربية، الوطنية هي العنوان والمواطنة سيدة الميدان… إرادة وتحد، شجاعة وتضحية، صبر وصمود، عقل وعلم، ذكاء وفطنة… وقفت المرأة «منتصبة القامة، مرفوعة الهامة» لتعلن أنها جندية مجندة في خدمة الوطن وحماية المواطنين، ولتدين الخيانة التي لبسها شيوخ الفقه الأسود الذين يرمون بالمغاربة إلى التهلكة… أيها الظلاميون، محترفو القتل، عودوا إلى مقابركم ودعوا الوطن لحماته؛ أبناء وبنات المغرب، الوطنيون الصادقون…