واصف منصور... لعله أبرز غائب عن الدورة الحالية للمعرض الدولي للنشر والكتاب التي تستضيف دولة فلسطين التي كرس حياته وقلمه وقدراته الخطابية والإقناعية لخندقها... لم يكن الفلسطيني / المغربي والمغربي / الفلسطيني يخلف موعد المعرض، مشاركا في فعالياته أو زائرا متجولا بين الأجنحة والأروقة ومعانقا أصدقاءه المغاربة والعرب الكثر. ولم يكن ليخلف دورة هذه السنة بالذات التي تتوشح بالكوفية وتعانق القدس. في دورة 2013، كان الفلسطيني حتى النخاع الشوكي، الصادح بلا ملل ولا ملل بمغربية هواه، سعيدا ومرحا وهو يقدم ويوقع، في رواق وزارة الثقافة، مؤلفه "بعض مني" الصادر ضمن منشورات جريدة "الاتحاد الاشتراكي". لم يكن يعلم أن ملاك التغييب الجسدي سيزوره قريبا خلسة. ولا كنا نحن نتخيل أننا سنشيعه إلى منفاه الأخير بعد أسابيع قليلة. يغيب واصف منصور هذا العام عن المعرض، لكن فلسطين تحضر بقوة، ليكون جناحها المحج الأكثر استقطابا للمشاركين في فعاليات الدورة وزوارها. هنا فلسطين بتراثها الفني والمعماري، بتجذرها التاريخي، بمنجزها الإبداعي بمختلف أشكاله الكتابية واللونية والموسيقية، هنا جناحها المتميز تصميما وهندسة وتأثيثا بعرسه الذي لا ينتهي ولا يتوقف طوال اليوم. النخلة تتوسط الجناح. يلمح الوافد بورتريه محمود درويش فيحيله منظرها على مطلع قصيدته "وطن" الذي يتكرر قبل نقطة ختمها: "علقوني على جدائل نخلة واشنقوني فلن أخون النخلة." تتمعن مليا بورتريه ياسر عرفات وسميح القاسم، قبل أن تنتبه إلى تسارع رواد الجناح، كبارا وشبابا وأطفالا، في اتجاه علم فلسطين وخريطتها والصور الموثقة لتاريخها ودما المهدور، قصد التقاط صور لهم جنبها، صور سيحتفظون بها لتشهد أنهم يمروا هناك كمجرد عابرين في كلام عابر. تترك يسارا معرض المنتوجات التقليدية الفلسطينية التي يقتنيها الزوار بكثرة عربونا على انغراس فلسطين وقضية شعبها في وعيهم وقلوبهم، تتأمل الملصقات المعبرة بفنية عن وعي "شعب الجبارين" وفق توصيف ياسرعرفات، ثم ترحل بين عناوين الكتب المعروضة. كل الكبار هنا: أسماء شكلت الوعي المغربي بفلسطين العربية عبر الشعر والسرد والدراسة والموقف، مع أسماء جديدة تسلمت المشعل. أزيد من ألف عنوان في مجالات الأدب والفكر والعلوم الإنسانية والتاريخ والسياسة وكتب الأطفال تهب نفسها للزوار، وهي صادرة عن حوالي 15 دار نشر ومؤسسة فلسطينية. من يستطيع رسم معالم هذا المنجز المعروض بعضه في الجناح أفضل من الأديب يحيى يخلف، رئيس الوفد الفلسطيني إلى الدورة؟ خلال ندوة صحفية احتضنها يوم السبت الرواق، قال وزير الثقافة السابق لدولة فلسطين إن الثقافة الفلسطينية تنمو في جو من التحدي بالرغم من ممارسات الاحتلال العنصرية، مؤكدا أنها تواصل مسيرتها في تعزيز الهوية وإعلاء شأن القيم الإنسانية، حاملة مشعل الهوية والحقوق الوطنية، وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين". أما محمد الأسمر، مدير معرض فلسطين الدولي للكتاب، فيقول: "المشهد العام للجناح الفلسطيني، ما بين تصميم باب العمود واللوحات المكملة أعطاه تميزاً خاصاً، لاسيما أن المعرض منح فلسطين التي هي ضيف الشرف فيه، قرابة مائتي متر مربع، وهي مساحة كبيرة ساهمت في هذا التميز على مستوى الشكل أولاً، حيث قامت وزارة الثقافة المغربية مشكورة بتنفيذ التصميم الذي أرسلناه لها من رام الله، وجرى العمل عليه من قبل الفنان التشكيلي حسني رضوان، إضافة إلى معروضات التراث، وشاشة العرض اليومي، ورسومات الفنانة أريج لاون". يوميا يحتضن الرواق لقاءات فكرية وأدبية وفنية تغني الحضور الفلسطيني في الدورة وتشكل إضافة نوعية للفعاليات الأخرى التي يتضمنها برنامج ضيف الشرف ضمن البرنامج الثقافي العام للمعرض. وفي هذا الإطار، عرضت في الجناح ثلاثة أشرطة فلسطينية هي: "وحدن" لفجر يعقوب، و"نون وزيتون" لامتياز دياب و"فدوى: حكاية شاعرة من فلسطين" لليانا بدر. كل يوم، يتوقف كثيرا زوار الجناح قرب النخلة التي تتوسطه، صباحا وزوالا، ليرقبوا أنامل التشكيلية أريج لون، وهي تبدع لوحات وبورتريهات في حضرتهم تندرج في مشروع سمته "لغة الزيتون". ولا توظف الفنانة في عملها العاكس ببعض لحظات القضية الفلسطينية المفصلية ولبعض شخوصها غير حبات الزيتون. وبموازاة حضور فلسطين كضيف شرف عبر رواقها وأنشطته والبرنامج للعام للدورة، أصدرت وزارة الثقافة كتابا جماعيا بعنوان "فلسطين... ذاكرة مغربية"، يتضمن شهادات وقصائد لحوالي سبعين مفكر وشاعر ومسرحي وناقد وأديب وإعلامي مغربي، بالإضافة إلى عثمان أبو غربية، رئيس اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، وأبو مروان، سفير فلسطين الأسبق في المغرب، والكاتب الصحفي الفلسطيني العامل في المغرب محمود معروف والكاتب الإسباني خوان غويتيسولو. ولا يغيب الإبداع البصري، إذ تختتمه 12 صورة فوتوغرافية بالأسود والأبيض للقدس التقطتها عدسة الفنان سلمان الزموري.