استهلال لا بد منه… كنا نعتقد بأننا عرفنا كل شيء عن السبعينيات، وعن الأجواء الثورية، وعن تفاصيل الثوار ومجيئهم إلى المغرب.. كنا نعتقد بالحكي، ومن خلال محاضر المحاكمات، أن التاريخ استكمل دورته حول نفسه وأن كل شيء قد قيل وانتهى الكلام! لم يكن الأمر كذلك، أو على الأقل، هذا أول درس وخلاصة يمكن الخروج بها من كتاب عباس بودرقة… مضانٌِ كثيرة ما زالت بها طراوة السر، وأركان كثيرة في الذاكرة، لم تصلها ساعة الشمس، ولهذا ربما اختار الشاهد الكاتب المناضل القائد أن يعرف ما جاء به بوحا من الذاكرة وبها ولها.. لأحكي قصتي مع عباس والثورة. كان عباس بودرقة قد عاد في مارس 2001، وكان دخوله حدثا سياسيا ونضاليا بامتياز، تزامن مع المؤتمر الوطني السادس للاتحاد. وكان العبد الفقير لمغفرة ربه، قد بدأ في كتابه سلسلة عمر دهكون ومن معه، عن ثورة مارس 1973.. كنت قد دخلت في عملية تدوين فصول من هذه الثورة، بكثير من الاندهاش، والجهل، وكثير من الإعجاب بثوار أعدموا ليلة عيد الأضحى! تراوحت كتاباتي ما بين الشهادات التي نقلتها عن الثورة، من الجرائد التي كانت تصدر وقتها، وقد توجهت إلى وزارة الاتصال، الأنباء سابقا، وبحثت عن يومية الأنباء الرسمية، التي كانت تنقل تفاصيل الجلسات والمحاضر وتقدم الرواية الرسمية، لكن المادة كانت فعلا موجودة وكثيرة، ومن يومية لوبنيون والرأي العام، التي كان يديرها المرحوم أحمد بنسودة، الذي أصبح مستشار الملك الراحل وكان رئيس تحرير جريدة الرأي العام، عبد الهادي بوطالب رحمه لله … استجمعت الكثير من الوثائق، وكذا العديد من الشهادات والكتب، وتوكلت على لله صبف 2001. وكان بجوارنا رفقة الشهيد عمر دهكون، اجميعة ازغار التي عاشت تجربة فريدة هي وعائلتها معه. وقتها كتبت في تقديم السيرة، بلغة تعوض نقص المعلومة بالشاعرية المنحازة. كتبت أنه صباح اليوم الثاني من نونبر 1973، أصدرت وزارة الأنباء بلاغا صحفيا جاء فيه أن المحكوم عليهم بالإعدام في ما سمي بمحاكمة القنيطرة من طرف المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية، المعروفين بقضية «مولاي بوعزة» قد نفذ فيهم الإعدام يوم الفاتح من نونبر 1973 في الساعة السادسة صباحا و 38 دقيقة بالسجن المركزي بالقنيطرة، بحضور رئيس المحكمة ووكيل الملك ومحامي الدفاع. الذين نفذ فيهم الإعدام في ذلك اليوم الذي صادف احتفالات عيد الأضحى كانوا عمر دهكون، عبد لله بن محمد، أيت لحسن، بارو مبارك، بوشعكوك محمد، حسن الإدريسي، موحا نايت بري، تفجيست لحسن، أجداني مصطفى، يونس مصطفى، أمحزون موحى ولحاج، بيهي عبد لله الملقب بفريكس، دحمان سعيد نايت غريس، أيت زايد لحسن، حديدو موح، محمد بلحسين الملقب بهوشي منه». من هم؟ ماهي قضيتهم التي استنجدت الدولة المغربية للحد منها إلى العقوبة القصوى؟ كيف تراكبت عناصر السياسة والنضال والقمع، في ثلاثية مستحيلة الحل، إلى أن وصلت بعدة مناضلين إلى الوقوف أمام فرقة الإعدام، وجها لوجه أمام الموت؟ وما هي الأحداث التي حدثت في مولاي بوعزة أو أحداث 3 مارس 73 أولا؟ منذ بداية تلك السنة، اجتاحت المغرب موجة من الأعمال المسلحة استهدفت المؤسسات الحكومية في بعض المدن والبوادي، وكانت هذه الأحداث التي أعقبت انقلابي 71 و 72، تتويجا لعمل سرّي فرضته على مجموعة من المناضلين آنذاك ظروف الانحسار السياسي والتزمت «المؤسساتي في البلاد، ومع بداية شهر مارس 1973 «تسللت» مجموعة من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الحدود الجزائرية المغربية، والتحقت بأعالي الأطلس لإشعال فتيل الثورة المسلحة ضد «النظام» المغربي وموروثه الاستعماري، بناء على التحليل الثوري الحالم وقتها، ولأسباب كثيرة، ليس هذا مجال سردها، انتهت المغامرة بمحاصرة مجموعة المقاتلين الثوريين وتم تبادل الرصاص في فجاج الأطلس وسفوحه ولقي بعض الثوريين حتفهم في تلك المواجهات ومنهم محمد بنونة المعروف باسم محمود، والذي نعتته البيانات الرسمية بزعيم الإرهابيين»، وأسكور محمد وإبراهيم التيزنيتي… في حين حاول آخرون العودة إلى الجزائر، وقد نجحوا في ذلك، ومن ضمنهم أومدة، في حين تعرض آلاف المناضلين إلى الاعتقال، وتم الحكم بالإعدام على مجموعة منهم، ذكرنا بعض الأسماء التي نفذ فيها الحكم. في كل حديث عن تلك الفترة، يعود على لسان أصحابها أو المهتمين بتلافيف دمائها وبشهدائها، اسمان رئيسيان أو هكذا يبدوان لشباب لم يعش الفترة جسديا، وهذان الإسمان هما محمود بنونة وعمر دهكون. سيرة محمد بنونة، مهندس الثورة، وحدها تستوجب عملا جبارا للإحاطة بشخصيته ونضاليته ونهايته المأساوية الاستشهادية هو ومن معه، والتي استحقت عن جدارة، تلك الصفة البليغة التي أطلقها ابنه المهدي على التجربة «أبطال بلا مجد»، لكن قبل ذلك، نذكر أن وزارة الداخلية آنذاك أصدرت بلاغا مفعما بالحبور! تخبر فيه بمقتل زعيم الكوماندوهات الإرهابية»، وألحت أيضا على ألا يعرف قبره حتى «يمحو الموت وجوده من الذاكرات» على حد قول ابنه المهدي، وعندما يحكي عن دفن أبيه، يتذكر الإبن الذي يعيش حاليا في سويسرا ما قاله له شهود عيان، عن وصول ثلاث طائرات مروحية بقيادة ضابط فرنسي إلى مدينة الرشيدية التي كانت تسمى وقتها قصر السوق وعن محاصرة مستشفى المدينة حصارا شديدا ومنع التقاط الصور للجثمانين اللذين سلمهما الضابط الفرنسي المشرف على العملية للعاملين بالمستشفى قصد التعرف عليهما، ويذكر أيضا ما قاله أحد هؤلاء العاملين بمجيء عميد شرطة لاستيلام الجثتين قصد دفنهما: الجثة الأولى، جثة الزعيم، كانت لمحمود بنونة والثانية لأحد المناضلين معه»…، وحدث أنني كنت، وقد بلغت الحلقة 17 متوجها إلى فجيج ووجدة لاستجماع شهادات رجال أحياء، وعلى رأسهم الفقيد محمد ساعة. كنت رفقة السي احمد العباسي تغمده لله برحمته، وعند وصولنا إلى وجدة، في ذلك الصيف القائظ، أخبرت من مركز الجريدة أنه تقرر إيقاف السلسلة، حتى إشعار آخر. وقد تضاربت الأقوال في تفسير المنع، غضبت للأمر وقررت أن أتوقف نهائيا، وقد كنت في الطريق الى فجيج للقاء محمد ساعة. وقبل ان نرحل اليه، توفي رحمه لله في اليوم ذاته، وكان السي احمد عباسي هو الوحيد الذي دهب بدوني. على كل تلقيت اتصالا من عباس بودرقة، الذي أكد لي خبر وقف السلسلة، بدون تفاصيل كثيرة، وطلب مني أن أنهيها بمقالة أخيرة، حتى ولو كانت قبل الأوان، لكي لا يبدو أن هناك ابتسارا وتوقيفا لا مبرر له..… وقد أكبرت فيه ذلك.. واليوم وأنا اطلع على ما نشر من معطيات ثابتة، يبدو لي أن تلك السيرة التي كنت أكتبها قليلة جدا جدا جدا في حق الحركة وأبنائها وأنها كانت عملا تحذوه الرغبة الإعلامية أكثر من التوثيق التاريخي والتدوين النضالي الطويل النفس… بعدها ستجمعني بعباس محطات من هنا وهناك، إلى أن بدأ يحدثني كلما التقينا عن مخزون الوثائق والمعطيات التي حافظ عليها هو وحده دون غيره.. وكان كتاب بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة.. **************** عندما تنتهي من قراءة مذكرات مبارك عباس بودرقة، ترتسم ملامح الثوار أولا، ثم تتضح صورة ثورة، كانت أقرب إلى مصيدة منها إلى حركة تريد تثوير الوضع المغربي. تجد أيضا الوثائق التي تنير الكثير من الأسئلة التي رافقت جيلا أوجيلين من العناد النضالي. كنت أعتقد حقا، أنني اطلعت عل حيثيات الثورة والسياسة وتاريخ الاتحاد الذي أنتمي إليه، واعتقدت في لحظة من لحظات العمل الصحافي أنني بالفعل «خبير في مملكة النمل الثور، كما سماني أحد الرفاق اليساريين الأعزاء.… لكن، حقا كتاب عباس مصنف حقيقي في ما وقع.. إن فيه الكثير من «أحاديث في ما جرى. وفيه الكثير من: «كذلك كان» . لكنه يتفرد بالكثير أيضا من التاريخ المكتوب، والذي أضاء بأضواء خاصة قضية الثوار الذي جاؤوا لإشعال الثورة، فوجدوا أنفسهم غرباء في تاريخ ملتبس.. لنبدأ بمحمود بنونه، والذي يكن له عباس محبة خاصة ووصفا فريدا، ذلك الثوري الناضج العميق الودود العقلاني، الخبير بكل دروب التفاني. قرأنا الكثير عنه، لكنه في الكتاب الحالي كاد أن يجالسك، ويتحدث عن الثورة، وهو يسير إلى حتفه. إنه البطل الأسطوري آخيل الذي يعرف أن كعبه سبب وفاته، لكنه يسير إلى قدره ببسالة الرجال الذين لا يضاهون! أول سؤال: هل كانوا يعرفون أنهم ذاهبون إلى الموت؟ الجواب نعم! يقول مبارك بودرقة في الصفحة 146/145، كان بنونة يصر على لقاء الفقيه البصري ليبلغه أن الترتيبات الجارية غير سليمة وأن البناء هش والخطوط غير متماسكة والأرضية غير جاهزة لإطلاق العمل المسلح. وقبيل دخوله إلى المغرب عمد إلى التوجه لتناول العشاء عند صديقه عبد الفتاح سباطة بفرنسا في ما يشبه الوداع الأخير فحذره هذا الأخير، أي سباطة بأنه يسعى إلى حتفه فأجاب بهدوء أعرف ذلك لكن لم يعد لي من خيار آخر احتراما لقناعاتي ولرفاقي الذين لا يمكنني أن أتخلى عنهم». ويحدد العلاقة بين الالتزام بالثورة والوعي بالفاجعة في سؤال طويل، يقدر بأن الثورة كانت انتحارا ثوريا، وتراجيديا فيه الكثير من الهواية.. يقول عباس »كان محمود شخصيا يعي هذا الأمر، كما أسلفت الذكر، لم يكن متوهما ولا مندفعا ولا فاقدا للبوصلة. وجد نفسه أمام أمر واقع المتوقع منه أشد من الواقع، جاء ليهيئ شروط الثورة فإذا بالبساط يسحب من تحت قدميه، نتيجة ثلاثة أمور لم يحسب حسابها: انتفاء التحضير وعدم الانضباط والوشاية. ساد اعتقاد آنذاك أقرب إلى الوهم وأبعد عن العلم، مفاده أن الضغط يولد الانفجار، ولم ينتبه أصحاب هذا الرأي إلى أن المحدد في الانفجار هو وجود المادة القابلة للانفجار وليس الضغط، فماذا لو جرى الضغط على كيس بطاطس؟ أيفرز ماء أم ينفجر؟ جرى تبسيط الأمور واستسهالها، ولم يتم الاستثمار في الناس بتأطيرهم وتعبئتهم بالمادة القابلة للاشتعال وعيا وقناعة لا حسا وحماسا. مساحة شاسعة من البيئة المستهدفة (كلميمة، خنيفرة، قصر السوق، تنغير، إملشيل السونتات، أملاكو…) يعاني سكانها الحرمان والتهميش ومن ثم الرهان على استثمار مستبطنات النقمة ومنطلقات الرفض لديهم لهذا الواقع البئيس، وقابليتهم للتفاعل والاشتغال بشكل تلقائي مع إطلاق شرارة الثورة. على هذا المستوى من الفهم، يتقاطع هوس الثورة بوهمها، ساعتها يسقط المشروع الثوري برمته في معادلة الفراشة والنور. كانت عملية انتحارية طبعا، بدأت الهفوات منذ الانطلاقة، مع قصة الشخص المجهول بنواحي فكيك، الذي التقى الثوار فأدخل الشك في نفوسهم، حاولوا تصفيته فنهاهم محمد ساعة عن ذلك وأقنعهم أنه مقاوم وأنه يضمن كتمانه للسر (أنظر الوثيقة). ثم ماذا يعني اللباس العسكري الموحد والسلاح والرجال مجتمعين في شاحنة واحدة؟! غير سهولة افتضاح الأمر وانكشاف السر والوقوع في الخطر. كان دخولا استعراضيا عوض أن يكون سريا، كما دأب الثوار. يكفي أن تصادف الشاحنة في طريقها الطويل الممتد من الحدود المغربية الجزائرية إلى كلميمة، حاجز مراقبة لرجال الدرك حتى تنتهي المغامرة قبل أن تبدأ. كانوا مكشوفين مجمدين في شاحنة يتهددهم الموت بفعل البرد القارس، ألم يقل النجار في تقريره: («أما نحن جميعا فكنا بقيادة الرفيق المناضل محمود، راكبين في الشاحنة، وحسبما اتفق عليه مع تنظيم كلميمة كنا سنجدهم في مكان معين يتنظرون بشاحنة أخرى لتتمة سفرنا ولكن هذا لم يتم فواصلنا طريقنا الذي بدأ بعد الغروب بقليل في شاحنة مكشوفة، متعرضين لبرد الصحراء القاسي حتى وصلنا إلى درجة الجمود حيث تأكدنا أننا لا نستطيع أن نمسك بالسلاح في حالة حدوث أي شيء طارئ)». هي معجزة إذن أن يصلوا سالمين إلى كلميمة، ثم أن يستمروا دون انكشاف أمرهم لمدة شهرين في بيئة تنظيمية مترهلة وقابلة للاختراق. لاشك أن هذا الواقع الذي أنتج الإخفاق قد خلق حالة من الارتباك والاحتقان. خاصة بعد ما اكتشف محمود أن خطة الدخول التي رُسمت في الجزائر مبنية على الوهم وأن لا شيء مما بنى عليه خطته متوفر ميدانيا. ماذا عن التوتر بين الداخل والخارج بعد أن جرى الاصطدام بالأمر الواقع، فحلت لغة «تحملوا مسؤوليتكم»؟ لم أكن مشاركا في هذا الأمر، لأنقله كشاهد متفاعل مع ما حصل في الميدان، لكن التقارير التي كتبها ثلاثة ناجين من هذه الأحداث، وباقي التقارير والتقييمات التي حرصت على جمعها ووضعها كمنطلق لإعادة التنظيم بالجزائر، عندما تحملت مسؤولية قيادته، تجعلني أعيد التذكير بأن التجربة الكوبية كانت فلتة ثورية، يصعب تكرارها. هناك عبارة شهيرة لباسكال يقول فيها: «ما يصلح في البِّريني لا يصلح بالضرورة في الألب». هذه استحالة داخل جغرافية فرنسا فقط، وشتان بين جبال سييرا مايسترا وفيافي قصر السوق وجبال الأطلس. عمل محمود على توزيع رجاله إلى ثلاثة مجموعات: الأولى في كلميمة والثانية توجهت إلى تنغير والثالثة إلى خنيفرة. شرع في ما يمكن تسميته بتدبير الأزمة لأن الأرضية التنظيمية التي كان يتحرك عليها لم تكن صلبة. كانت تعليماته واضحة يمنع بموجبها رجاله منعا كليا من إطلاق أي رصاصة قبل أن يأذن لهم بذلك بعد استكمال ترتيباته. لكن فعلا معزولا قاده إبراهيم التزنيتي المعروف بالنمري ليلة ثاني مارس 1973 بمنطقة مولاي بوعزة للاستيلاء على مخزن للسلاح لدى مركز القوات المساعدة بالمنطقة انتهى بالفشل، وأربك حسابات محمود. خلق هذا الفعل غير المنضبط، الذي جعل الأحداث تنطلق قبل أوانها وضعا نشازا بين تقديرين لقائدين: تقدير لقائد ميداني في الجزائر كان يتصرف مثل قائد عام للثورة التي يرى ظروفها مهيأة وثمارها ناضجة لا تنتظر سوى القطاف، وتقدير لقائد ميداني منقذ للفعل الثوري المسلح بالمغرب، إلى الحسرة على موت مجاني بسبب انتفاء كلي لشروط النجاح. من الطبيعي أن تسود في مثل هذه المواقف لغة «تحملوا مسؤوليتكم،» فكل فعل فاشل يتحول صاحبه إلى بعير أجرب ينفر منه الجميع. ألم يتحدث أصحاب التقارير الثلاثة (النجار وسي إبراهيم والقاضي) بمرارة، عن الخذلان الذي لاقوه في مواقع مختلفة، ومن طرف الاتحاديين أنفسهم أثناء رحلة الضياع بعد فشل الثورة؟ عندما تنجح الثورة، أي ثورة، فقادتها ثوار أبطال، يخطب ودهم وتحمل الشوارع أسماءهم وتزين بصورهم وتحتضن الساحات العامة تماثيلهم. لكن إن هي فشلت انفض من حول أصحابها الجميع وجرى وصفهم بالعتاة العصاة المتمردين عليهم أن يتحملوا وزر ما فعلوا. كان هؤلاء الرجال الصادقين المؤمنين بخيارهم الثوري ضحية سلوك أرعن في التخطيط محكوم بهوس الثورة فأدوا ثمن وهم الميدان الجاهز وسراب الأرض القابلة للاشتعال». كان بين محمود بنونة واخليوس قرابة مأساوية، فهو مثله يعرف أنه سيموت إذا دخل الحرب، …عندما بلغ أخيل التاسعة من عمره توقعت إحدى العرافات له أن يموت ميتة الأبطال في حربٍ ضد الطرواديين، وعندما جاء جيش الإغريق يقابل جيش الطرواديين، دخل أخيل الحرب بالرغم من معرفته بأنه سيموت، لقد قادته رغبته في الثأر للقتيل باكروكلس، إلى الحرب وهنا سيلقى حتفه.. مدفوعًا برغبةٍ مستمرة في الانتقام لصديقه، عاد أخيل للقتال وهزيمة الطرواديين، ليتدخل أبولو مجددًا ويُخبر شقيق هيكتور وهو الأمير باريس بقدوم أخيل. وقد قتله الأمير باريس الذي اختطف هيلين، وبسببه قامت الحرب. لم يكن باريس فارسًا قويًا، لكنه اختبأ منتظرًا عبور أخيل الحصن ليطلق عليه سهمًا تكفل أبولو بتوجيهه إلى نقطة ضعف أخيل الوحيدة وهي كعب قدمه، ليموت أخيل نتيجة ذلك دون أن ينهزم في أية معركة. كعب أخيل هو أيضا كعب الثوار الذين دخلوا ليموتوا.. يقول درويش: مشيًا على الأقدام أو زحفًا على الأيدي، نعودُ قالوا .. وكان الصخر يضمر والمساء يدًا تقودُ .. لم يعرفوا أن الطريق إلى الطريق دم، ومصيدة، وبِيدُ كل القوافل قبلهم غاصت، وكان النهر يبصق ضفّتيه قطعاً من اللحم المفتت في وجوه العائدين وهم الآن في رحاب الما وراء، يوروثون الفاجعة والأسطورة معا، لأن القيادة الثورية كانت مخطئة. غدا مع رسالة محمود، وانتقاد الفقيه البصري (يتبع)