يدي كانت تبتسم في يده. وكان علي أن أفلت اللحظة، وأن أخفي ارتباك الأشياء وأوقف رقصة لوحة الغورنيكا المزيفة المعلقة وراء المكتب. وللنافذة، كان علي أن أهمس: أخفضي الإضاءة قليلا. أنا التي لست أما. اغتسلت ذاك الصباح. إنه ليس أمرا بديهيا على كل حال. فالمدينة تعاني من انقطاع في تزويد المياه. ثم جففت شعري وصففته بشكل رتيب. كل شيء الآن عادي. صدمة النهار الجديد، هالات التعب، وكآبة الهرمونات، وثقل العمر. لو أنني شخصية في فيلم أمريكي، لكنت مدمنة على شيء ما: شراب العنب (كما يترجمونه في القنوات العربية)، أو السكر الأبيض، وربما كنت مدمنة على الجنس… لن أتجرأ على أن أحدثكم عن التفاصيل. لنتفق منذ الآن. هناك سقف ضروري يجب أن نحافظ عليه بخصوص حرية ما سأخبركم به الآن. وإن كنت مدمنة فسأخبركم، أنا التي لست أما، سألمح بالأحرى، ولكم أن تفهموا ما يجب أن تفهموه. عندما عاد أبي من السفر تلك المرة، جلب لي ألبسة داخلية مختلفة الألوان، أحمر وأسود وأصفر. ولأنني منذ ذاك الوقت لم أحب الأصفر، ولأنني لم أكن قد تعلمت بعد أن أحب هشاشة الأسود، فقد لبست في صباح اليوم التالي أولا الثوب الأحمر. كان أبي جالسا في صالة الضيوف. الله كان أحد ضيوفها البارزين، هذا ما اعتقدته طويلا، بما أن أبي، الوحيد الذي كان يصلي في أسرتنا، كان يلجأ إلى تلك الغرفة النظيفة والمرتبة دوما، لكي يلاقي ربه. وعندما جلبت له الشاي ذاك الصباح، سألني إن كانت الهدية قد أعجبتني، وابتسمت فرحة: – نعم أبي. – هل لبست أحدها؟ – نعم. – أريني ذلك. ولكن، أمي أخبرتني مرات عديدة أن لا أرفع ملابسي للرجال. هل أبي رجل !؟ لم أكن كبيرة كفاية لأقرر ذلك أو لأقول لا، فلم أنطق بها… والآن، أنظر إلى الفتى الذي يبتسم بوجهه المثل قطعة بلور. في عينيه بريق نقي. هل أخبره أحد أنه بوسامة الباز وهو يحلق حرا؟ أريد أن أسأله، لكني لم أتعلم الأسئلة ولا الكلام الكثير. في الأفلام الأمريكية يتحدثون كثيرا. في أحدها كنت سأقف أمام الحانات ونوادي الرياضة، وأشاهد الفتيان يتنقلون بفرح الحياة قبل أن ينمو لهم ريش الديكة، وكنت سأحب أجسادهم الفتية التي بلا تجاعيد ولا شعر أكثر من اللازم أو أقل. أنا التي لست أما، أنتظر أن يطلب لي الفتى/ الشاب بطاقة بنكية جديدة. يده تنقر الآن على لوحة المفاتيح. تنتقل بخفة العارف. وأنا لا أنتقل من اليدين إلا لكي أهرب إلى الجيد وامتداد الجبين ونصف التفاحة في العنق، والتي كلما تحركت شفتاه تراقصت مثل طفل يجرب لعبة الكرة في بطن أمه. ثم أهرب أبعد إلى صباح شتوي. قال لي أبي: – ارفعي تنورتك لأرى ثوبك الجديد. وعندما رأى، امتدت يده إلى كأس الشاي وابتسم لي فرحا. ثم خرجت من غرفة الله، في تلك اللحظة، كنت صغيرة وكبيرة في آن واحد. شعرت أنني خرقت وعدي لأمي، وكان يمكن أخبرها أن أبي ليس رجلا؛ لقد فرح لأنني كنت سعيدة بالثوب الأحمر، ويا أمي، أبي لم تتدلى من عينيه شراهة الرجال الآخرين. لماذا إذن أتذكر طلبه، لماذا ترددت؟ وعندما استمرت الأيام عادية لأن شيئا غريبا لم يحدث حقا، لماذا لم أخبر بذلك أحدا، حتى أمي وهي تسألني في آخر الأسبوع عندما نذهب إلى حمام الحي. تحك لي ظهري. تمشط شعري. تقيم جردا لأعضائي، وتسألني وتحذرني. هي من أخبرتني أنني سأكون امرأة. أنا كنت صغيرة، وهي كان تصر: امرأة. أنت امرأة… أبي الذي كان يحبني لم يراني أكبر، وأنا لم أتمكن من أظل صغيرة فلا يرتبك شيء ما بداخلي وينكسر. والآن، وأنا كبيرة كفاية، ولستُ أما. أنظر إلى الفتى مرتبكا يطلب مساعدة موظف آخر. أدرك أنه وظف حديثا. الفتى الذي في العشرين، كان يمكن أن أكون أمه، ولكني أراه جسدا طريا قابلا ل… ولكنها تفاصيل، لا داعي أن أخبركم بها. إنها تفاصيل الشهوة. وأمي أخبرتني أن المرأة لا تشتهي إلا إن كانت حاملا. أنا التي لست أما، أشتهي الآن. في فيلم أمريكي تقول البطلة المدمنة على شيء ما، يمكنني أن أشفى إن كانت لي رغبة في ذلك. الرغبة أم الإرادة، أفكرُ. أنا أرغب الآن، ولكني لا أريد.