لاشك أن العالم العربي شهد قفزة كبرى خلال السنوات العشر الماضية على صعيد الإعلام الرقمي وخاصة الإعلام الفضائي، فقد وجد الاعلاميون أنفسهم فجأة أمام (اندلاع) غير مسبوق في التكنولوجيا الرقمية وتيسرها وسهولة استخدامها حتى صارت مقولات عالم الاتصال الشهير ?مكلوهان? من الماضي والتراث الاتصالي. رافق ذلك هذا الاندماج الملفت للنظر للتقنيات والوسائل الاتصالية الرقمية كلها جميعا في منظومة برامج الكومبيوتر وشبكة الإنترنت وهو ما ساعدها وشجع على انصراف الكثيرين عن وسائل الإعلام التقليدية كالصحافة الورقية والراديو واتجهوا إلى الاستثمار في الفضائيات. ولهذا تشهد الساحة العربية تسابقا ملحوظا وتكاثرا غير مسبوق ومثيرا للدهشة في تكاثر الفضائيات فضلا عن الخدمات المناسبة والتشجيعية التي يوفرها نظام القمر الصناعي من ترددات وقنوات بث، وبحسب آخر الإحصائيات فقد فاق عدد الفضائيات العربية 1300 قناة فضائية بل إن هنالك فضائيات جديدة ستظهر خلال هذا العام ليصل العدد إلى قرابة 1500 مع نهاية العام المقبل. لقد شهدنا وسط هذا العدد الضخم من الفضائيات نوعا مما يطلق عليه قناة فضائية وإن هي إلا جهاز كومبيوتر محمول (لابتوب) مربوط بالقمر الصناعي، لوحات معمولة بالفوتوشوب ترافقها أغان أو موسيقى، قنوات تتراوح بين الترويج لطب الأعشاب أو شراء البيوت أوالسيارات فيما هناك قنوات شتائمية شغلها ذم الخصوم والحط منهم والتشهير بهم بل إن هناك فضائيات لم تبتعد عن الشعوذة والدجل ناهيك عن أخرى ليست إلا محطة للطائفية والكراهية المذهبية والعنصرية أضف إليها قنوات مختصة بالأغاني الهابطة والرديئة من خلال أجور يتم تقاضيها من أولئك المغنين المغمورين لغرض بث أغنياتهم. ويمكننا أن نضيف إلى ذلك فضائيات الأحزاب والجماعات السياسية وهذه السوق رائجة هنا وهناك فوجود هذا الحزب أو ذاك يعني أن أجور إنشائه ومصاريفه تعني من ضمن ذلك إطلاق فضائية وصحيفة قد لايقرأها أحد. ومادام الحديث سينصرف مباشرة إلى الجمهور المستهدف من هذه الفضائيات وهو السؤال البديهي والأساسي الذي يجب أن يرافق أي فكرة لأي مشروع إعلامي، فإن هناك فوضى حقيقية في هذا الجانب بسبب غياب المسوحات الميدانية التي توفر بيانات صحيحة عن جمهور هذه الفضائيات وأوقات المشاهدة ومستوى الاداء البرامجي والمضون الفكري.. ولعل من الحقائق المهمة التي لابد من الانتباه إليها من طرف من أقام فضائيته أو يفكر في إقامتها سواء أكان تاجرا أم رجل أعمال أو حزبا أو مؤسسة أو حكومة، أن قرابة النصف من سكان العالم العربي هم من الأميين وأن أكثر من النصف هم في سن الشباب.. فأين هي الفضائيات التي تتوجه إليهم؟ ذلك هو السؤال..