محمد أسليم :الكتاب يشكل إضافة نوعية للمكتبتين المغربية والعربية أصدر الكاتب المغربي محمد بوبكري كتابه الجديد»لماذا يجب أن نقرأ». هذا المؤلف يأتي بعد كتاب «في القراءة «الذي أصدره في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وجاء المؤلف الجديد وفاء للمسار الذي دشنه الأستاذ محمد بوبكري من خلال مقاربة موضوع القراءة ، تمثل ذلك في العديد من المقالات الرصينة التي نشرت في العديد من المنابر الإعلامية، وكذلك في العديد من المحاضرات والندوات التي شارك فيها ، وهي هموم تبناها محمد بوبكري ليس بصفته مدرسا ومهتما بعلوم التربية فقط ، بل لكونه مثقفا وحالما بمشروع مجتمعي،لاتستقيم ملامحه إلا بالقراءة التي يرى فيها المدخل الرئيسي لكل مشروع نهضوي. «لماذا يجب أن نقرأ؟» سؤال طرحه محمد بوبكري عنوانا لهذا المولود الجديد، والإجابة عنه تطلبت منه مائتي صفحة مركزة ومعززة بقائمة بأهم المراجع ،حيث كما سيلاحظ القارئ أن العنوان السؤال ستتولد عنه العديد من الأسئلة والزوايا للقراءة المتعددة والشاملة التي تتعدى المفهوم الضيق للقراءة ، لتلامس قراءة الحياة والمجتمع والنفس البشرية والتاريخ… الأستاذ محمد أسليم قام بكتابة تقديم لهذا الكتاب، حيث عرج في هذه المقدمة على المواضيع العديدة والمتنوعة التي تناولها الباحث محمد بوبكري، ونشرها في عدد من الصحف الورقية والمنابر الرقمية تتناول قضايا شتى اجتماعية وحزبية وسياسية وثقافية وفكرية . ولاحظ الأستاذ محمد أسليم أنه بين صدور الكتاب الأول والكتاب الحالي للأستاذ بوبكري، طرأ مستجد كبير يتمثل في وصول الطوفان المعلوماتي إلى كافة بلدان العالم، فكان من الطبيعي أن تتأثر القراءة بهذا المد وعلى أكثر من صعيد، من ذلك شعور البلدان المتقدمة بالارتفاع المطرد لنسبة العزوف عن القراءة بين كافة الأجيال ومن مختلف الفئات العمرية لدرجة شيوع الحديث عن وجود «أزمة عالمية للقراءة «في أيامنا هذه. وذكر الأستاذ محمد أسليم بما جاء على لسان العديد من المنظرين في هذا المجال كالمنظر السيبراني سفن بركتس الذي لاحظ عزوف طلبته عن قراءة النصوص الطويلة، فألف سنة 1994كتابا تحت عنوان «مرثية جوتنبرغ، مصير القراءة في العصر الإلكتروني «طرح فيه أن تقنية الحاسوب رجس من عمل الشيطان موجه ضد الكتب، وأن قراءة المكتوب سائرة في طريق الانقراض، وأن الخطأ في ذلك يعود إلى شبكة الإنترنت، فحذر تحذيرا شديدا من العواقب الوخيمة لما أسماه بالتحولات النسقية التي تؤثر في الثقافة بكل مستوياتها ،كما ذكر بما كتبه الناقد السيبراني نيقولا كار سنة 2008 تحت عنوان «هل يجعلنا غوغل بلهاء؟» أورد فيه أنه نتيجة إدمانه القراءة في النت انتهى به الأمر إلى فقدان القدرة على قراءة النصوص الطويلة، فأصبح يعجز عن التركيز بمجرد ما يقرأ بضع صفحات، فيطرح الكتاب جانبا ويسعى للقيام بشيء آخر. الطارئ الكبير الذي حدث على هذا المستوى،لايخفى على محمد بوبكري ،ووقف عنده بالذات يقول محمد أسليم من خلال تخصيصه الفصل الأول ل»ضرورة الكتاب «والثاني ل»مجالسة الكتب ومعاشرتها «إلى جانب تأكيد المؤلف على حقيقة أن «مجتمعنا يعيش اليوم وضعية شاذة، حيث يتعمق النفور من القراءة »، يشير إلى الدور السلبي الذي تلعبه الشبكة كما يقول بوبكري «أصبحنا مع الإنترنت أمام معان مجزأة تتدفق بسرعة كبيرة على هذه الشبكة العنكبوتية، إذ تمر أمامنا بدون ترتيب ولا تسلسل، لا أستطيع توقع العواقب الثقافية والفلسفية والأخلاقية لمثل هذا التحول التكنولوجي، ولكنني أتساءل لمعرفة ما سيحدث نتيجة هيمنة الإنترنت وتجزيئها للمعاني وتنميطها للثقافة، مما سينجم عنه وضع حد لتأثير المؤلفات والنصوص الكبرى «. ويضيف الأستاذ محمد أسليم أن الباحث محمد بوبكري ،على امتداد فصول الكتاب، يتجول بقارئه في أنحاء شتى من قارة القراءة الشاسعة، متسلحا في ذلك بتجربته القرائية وآراء واقتباسات من مختلف المشارب(تاريخ القراءة، الأدب، الفلسفة، علم الاجتماع، التحليل النفسي، علوم التربية وما إلى ذلك )،أحال من خلالها على عدد كبير من الأعلام (زينون، سقراط، أفلاطون، سبينوزا، باسكال، مونتسكيو، نيتشه، هوسرل، فرويد، برونو بتلهايم، باشلار، دانتي، شكسبير، لافونطين، فلوبير، همنغواي، دستويفسكي، بالزاك، بروست، بورخيس، ألبير كامو، بول كلوديل، دانيال بيناك، جان بياجيه، بيير ماشيري، ألبرتو مانغويل، بورديو، بول ريكور، ديريدا، ميشال سير، إلى آخر القائمة )وعشقه لكبريات النصوص الأدبية مع الاحتراز من تقديم أي وصفة للقراءة، لأنه ليست هناك كما يقول قواعد للقراءة بل إنها مفقودة كما ليست هناك وصفة سحرية للكتابة، بيد أن هذا لايعني أن المؤلف يقول محمد أسليم ، يساوي بين الممارستين، فلو خير بين الانقطاع عن القراءة أو الكتابة، لاختار عدم الكتابة في حين يستحيل عليه أن يتخلى عن القراءة. الخلاصة التي خرج بها الأستاذ محمد أسليم في تقديمه لكتاب «لماذا يجب أن نقرأ «أننا إزاء كتاب ممتع ومفيد لكل مهتم بالقراءة، سواء لمجرد الفضول والرغبة في المعرفة أو بحكم التخصص، أو لدخول القراءة في نطاق ممارسته المهنية، أو لانشغاله بتحولات الكتابة والقراءة في ظل ظهور الحامل الرقمي وما أفضى إليه من ظهور ممارسات كتابية وقرائية جديدتين أفضتا إلى قيام صراع بين أنصار الكتابة والقراءة الرقميتين والمنافحين عن الكتابة والقراءة الورقيتين، ويقر الأستاذ محمد أسليم أن كتاب الأستاذ والباحث محمد بوبكري، يشكل إضافة نوعية للمكتبتين المغربية والعربية على السواء.