تقرير موجز حول أطروحة دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية تخصص القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، يحمل عنوان : الديمقراطية التشاركية والحق في تقديم عرائض وملتمسات في مجال التشريع، دراسة مقارنة في ضوء دستور 2011. بداية، أشكر الأستاذ المشرف الدكتور محمد السالمي الإدريسي على مواكبته العلمية لهذا البحث حتى استكمل مراحله، كما أتوجه بالشكر الجزيل للأساتذة الأفاضل الدكتور احمد بوعشيق، والدكتور الرحموني الإدريسي،والدكتور محمد سليم الورياغلي على تفضلهم لقبول مناقشة هذه الأطروحة، رغم مشاغلهم الكثيرة والتزاماتهم العلمية . أما فيما يتعلق بالأطروحة التي تحمل عنوان الديمقراطية التشاركية والحق في تقديم عرائض، وملتمسات في مجال التشريع،دراسة مقارنة في ضوء دستور 2011 فالموضوع يمتح مشروعيته، من الدستور المغربي الصادر سنة 2011، خاصة ماله علاقة بالمجتمع المدني، وأدواره الدستورية. والدارس للدستور في هذا المجال، يستشف أنه يخضع لتركيب هيكلي وموضوعي محكم، مما سهل علي نحت موضوع الأطروحة ، ومضمون الإشكالية، التي ركزت على العلاقة الجامعة بين الديمقراطية التشاركية والحق في تقديم العرائض والملتمسات في مجال التشريع. إن الاختيار الديمقراطي ثابت من الثوابت الجامعة التي تستند الأمة عليها في حياتها العامة، كما يقوم النظام الدستوري للمملكة على مجموعة من الأسس، من ضمنها الديمقراطية المواطنة والتشاركية. وهذا الترتيب ليس عبثا. فالاختيار الديمقراطي ثابت، والديمقراطية التشاركية قاعدة شرعية ومؤطرة، والعريضة والملتمس آليتان لتنزيل مبدأي التشاركية والإشراك على مستوى الرقابة والتشريع.فقد جمع الدستور بين الحق الوطني الذي يؤسس للعلاقة بين المجتمع المدني، والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والحق الجهوي الذي يؤشر للعريضة المدنية على مستوى الجماعات الترابية والسلطات العمومية في إطارالديمقراطية المحلية،إذ نحن أمام دائرتين: ملتمس يهم السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعريضة تجوب الوطن على مستوى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية . بناء على ما ذكر، قسمت هذا البحث إلى قسمين أساسيين : القسم الأول، متعلق بمرجعيات العرائض والملتمسات في مجال التشريع، والقسم الثاني شمل شروط وكيفيات تقديم العرائض والملتمسات في مجال التشريع. والعلة من المزاوجة بين المواطنة والتشاركية، الربطُ الذي لامناص منه لتأطير التنزيل ، لذلك ركز الخطاب الدستوري على المواطنة باعتبارها تلازما بين الحقوق والواجبات ، وكون الاختيارالديمقراطي هو المحرك الاستراتيجي للعريضة، والملتمس. إن الهدف من الفصلين معا، هو الجواب عن سؤال المرجعيات، واحتراما للسياق، والتخصص. استحضرت الأبعاد السياسية، والدستورية والحقوقية والمدنية. ومن أجل تشريح البعدين السياسي والدستوري، ركزت ابتداء على الاختيار الديمقراطي: الثابت والمتحول ، المرجع والمنهج. فبقدر ما يشكل مركزا مرجعيا، فهو بناء مؤسساتي تتناسل من خلاله الفاعلية الديمقراطية التمثيلية والمواطنة ، والتشاركية ، وانطلاقا من هذا التقعيد، نعرج على الامتداد الأفقي والعمودي لمبدأي المواطنة والتشاركية مجيبين عن سؤال استراتيجي يهم الحكامة الديمقراطية التشاركية، وانعكاسها المباشر على تنمية التراب الوطني والجهوي والمحلي. ومن أجل تفكيك بنية القسم الأول ، بنيته على أساس فصلين : الأول شمل المرجعيات الدستورية والسياسية، والثاني المرجعيات المدنية والحقوقية . وفي هذا السياق، تناولت علاقة الديمقراطية التشاركية بالبعد التربوي،لأن الآلية السياسية تكون مؤطرة بمنظومة معرفية، وفكرية ، وتربوية، ويبقى سؤال التنزيل مطروحا مقارنةً بالتراكم التأصيلي والتقعيد، بين النص والواقع وبين التصور والفعل.وفي ظل هذا التدافع، يتشكل تراكم عالمي يؤرخ للممارسة الجماعية الدولية. بعد هذه الجدلية المعرفية والسلوكية، من خلال تجارب دولية ، ختمت الفصل الأول من القسم الأول المتعلق بالمرجعيات الدستورية والسياسية، بالشأن الترابي المغربي، انطلاقا من القوانين التنظيمية المنظمة للعرائض والملتمسات ، والتي تعتبر مقتضيات مفسرة للنص الدستوري، وقد تحط أحيانا من القيمة الديمقراطية للنص . واستحضرت كذلك نصوصا قانونية عادية حتى نوسع دائرة المعرفة العلمية ، وتناولت في هذا المحور الغايات المنشودة من آليات تصريف الديمقراطية التشاركية ، وربطها بطبيعة النظام السياسي ،وهذا مؤشر قوي على نجاح أو إخفاق هذا التنزيل . ويظل دور المجتمع المدني ضروريا. مهما كانت طبيعة النظام السياسي هرميا. وهل سنوفر خيطا ناظما بين المشاريع، والمقترحات والملتمسات أم أن الأمر يحتاج إلى تأهيل ووعي ، وتفاهم تجنبا للاصطدام والاستعلاء التشريعي. أما الفصل الثاني من القسم الأول المتعلق بالمرجعيات الحقوقية والمدنية، فيمتح وجوده والتنصيص عليه من النص الدستوري نفسه، حينما اعتبر تقديم العرائض والملتمسات في مجال التشريع حقا من حقوق المواطنات والمواطنين، بناء على الفصلين 14 و 15 من الدستور المغربي لسنة 2011. وهذا باب كبير عبر عنه النص الدستوري في بابه الثاني بالحريات والحقوق الأساسية. في هذا المضمار، ركزت في هذا الفصل على تعريف تقريبي لدلالات حقوق الإنسان. ومدى تأثيرها، وانعكاسها على التنمية السياسية والمدنية، مركزا على البعد الذاتي، والوطني والدولي في المجال الحقوقي. ومن أجل التقعيد المرجعي للعرائض والملتمسات، قمت بقراءة لبعض التجارب التاريخية مشيرا إلى البعد التشريعي المدني. والعلة في ذلك ، وبناء على السياقات التي برزت فيها هذه الاجتهادات، فقد عرفت عملية المد والجزر أثناء التنزيل، وهذا طبيعي في أفق التدافع السياسي للتجاوب مع المبادرة التشريعية، والرقابية للمجتمع المدني، الذي يحتاج إلى استراتيجية ذكية للتفعيل السلس. ومن أجل تنويع المراجع بينما هو سياسي ومدني، ركزت على مضامين مجموعة من المذكرات التي تناولت مفاهيم المشاركة المدنية والمبادرات الشعبية. وفي نفس المقام، استحضرت العلاقة بين العريضة والملتمس والمواطنة، باعتبار هذه الأخيرة تلازما بين الحق والواجب . ويمكن اعتمادها حماية فكرية وواقعية للمراقبة والتشريع المدني . وللمواطنة شروط أهمها التشاركية الصادرة عن مجتمع مدني فاعل ومؤهل ومدى تأثير فعله على الممارسة العامة الرقابية والتشريعية ومنطق التدبير المدني. أما القسم الثاني، فقد أجاب عن سؤال الشروط وكيفية تنزيل الديمقراطية التشاركية في شقها التشريعي والرقابي للمجتمع المدني، من خلال فصلين أساسيين: الأول استهدف البعد التشريعي، والثاني تناول مساهمة العريضة والملتمس في البناء المؤسساتي. ومن أجل تفكيك مضامين المحور الأول، أكدت على المقتضى الدستوري والتنظيمي من حيث التقعيد للمبادرة المدنية وأجرأتها، معرجين على جدلية الكوني والخصوصي. وباستحضاري النصوص العضوية التأسيسية، تبين أن موضوع الهيكلة والتنظيم للعريضة والملتمس، أمر حتمي لاقتحام التشريع العملي المتناغم مع النظري ، مجيبين عن سؤال الكيف ؟ مع الإشارة إلى تجارب دولية، مبرزين موضوع الكيف بين التنظير والفعل مع تبسيط شروط إنجاحه. وأثناء الحديث عن الشأن المغربي، أشرت إلى مأسسة العلاقة بين الدولة والمجتمع، من خلال المهمة الرقابية والتشريعية المدنية، انطلاقا من مفهوم التعاقد والشراكات،وهذا عمل يحتاج إلى حماية. إن العريضة والملتمس مندمجان في وضع السياسيات العمومية ، وتتبعها وتنزيلها ، وتقويمها، وهذا هو التنزيل الحقيقي للعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني. وكون العريضة المقدمة إلى السلطات العمومية، تمارس مركزيا، بالتعامل المباشر مع السلطة التنفيذية ، فإن المشرع فتح لها باب الجماعات الترابية، سواء على مستوى الجهة أو مجالس الأقاليم والعمالات أو الجماعات. ومن هنا يتم التلازم بين المفاهيم الثلاثة: الترابية والتشاركية، والمواطنة في أفق البناء المؤسساتي الترابي القائم على الحكامة التنموية ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، لذلك ورد في الدستور الحديث عن مؤسسات الحكامة، حيث يحضر المجتمع المدني ، ويساهم في بلورة تصورات واستشارات ، من منطلق حر، غير مضغوط بإكراهات السلط المتعارف عنها، لأن المجتمع المدني في العمق سلطة خامسة، باعتباره شريكا استراتيجيا في بلورة القرار الوطني والجهوي، وهذا هو الغاية الكبرى من المهمة التشريعية والرقابية للمجتمع المدني. وكون القاعدة القانونية ، أساسية للتأصيل للفعل ، فإن التحليل تناول كذلك تفكيكا للنصوص الواردة في كل من القانون التنظيمي 64.14 المتعلق بالملتمسات، والقانون التنظيمي 44.14 المتعلق بتقديم العرائض، مجيبين عن مدى احترامها للمقتضيات الدستورية، وعلاقتها بالمراسم المنظمة لبعض موادها، واستحضار بعض الأنظمة الداخلية للجماعات الترابية التي وضحت مراحل الديمقراطية التشاركية وشروط تقديم العرائض إلى المؤسسات المنتخبة محليا وجهويا. بعد هذه المرحلة العلمية المتواضعة خلصت إلى نتائج أهمها أن الديمقراطية التشاركية بكل آليتها من مقررات ، ومشاريع، واستشارة ، وعرائض وملتمسات وغيرها اختيار ديمقراطي، جديد رغم وجود بعض الإرهاصات الأولية .ويجيب عن سؤال جوهري ، ويتجلى في إمكانية بناء الثقة بين مؤسسات الدولة وجمعيات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية والمواطنات والمواطنين عامة، وبناء عليه، هل المؤسسات المنتخبة قادرة على التحرر من منطق الشرعية الانتخابية، وتتصالح مع الشرعية المدنية لإنجاح هذا التمرين الديمقراطي؟ هل السلطات العمومية مهيأة للتحرر من مفهوم السلطة الضيق إلى مفهوم أوسع، لأنها في العمق توزيع عادل لقيم الديمقراطية بين المجتمع؟ هل المجتمع المدني مستعد للانتقال من كائن عادي إلى فاعل ترابي يؤصل لنادي المواطنة القائمة على التلازم بين الحق والواجب؟. إننا اليوم في حاجة ماسة إلى التربية على مجموعة من القيم الفكرية، والسياسية، والمدنية لتستوعب ما ترمز إليه الديمقراطية التشاركية في علاقتها بالديمقراطية التمثيلية.إنها لحظة تكامل ومصالحة، وليست لحظة صراع وتضاد، اعتمادا على مرتكزات التنظيم الدستوري للمملكة القائمة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها ، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، وبذلك نضمن العيش المشترك في أعلى قمة الديمقراطية. كل هذا مرتبط بمنظومة تربوية تعليمية متحررة من ضغوطات الذات والسياقات والتخطيط الترابي وإعداده وإنجاح اللامركزية واللاتمركز، والاهتمام بمركزية الإنسان في الحكامة الديمقراطية . إن الرقابة المدنية والتشريعية حقوق لابد من تعزيزها لأنها مؤشر على حماية الحريات واحترام القانون. وبالتالي، فمنظومة الحقوق تعلقت بالفعل السياسي والمدني. وتحقيق تقدم على مستوى العريضة والملتمس، مرتبط بتوفير إرادة جماعية تعزز الكرامة وتؤمن العدالة الإنسانية والقيم الكونية،كما تلعب هذه المبادئ دورا مهما في تطويرالآليات المدنية نحو التكاملية والتعاقد في بناء الالتقائية ، والتشاركية والتعاون، فالكل يساهم في بناء السيادة ويعيش تحت ظلها. إن التكاملية حاصلة بين مشروع قانون ومقترح قانون، وملتمس في مجال التشريع. ومن ثم ضرورة الجمع بين الديمقراطية النيابية والمباشرة في إطار السيادة وبناء على العقد الاجتماعي. إن المجتمع المدني قطاع ثالث في مثلث الدولة والمجتمع وتأهيل الإنسان، وجعله في قلب المبادرة الشعبية، لا يتجزأ عن صميم الاختيار الديمقراطي. إن نجاح المبادرة التشريعية والرقابية للمواطنات والمواطنين، مرتبط بالوعي بما سطرناه معرفيا وسياسيا ومدنيا ، ثم ضبط التنظيم والهيكلية على مستوى الأجرأة، واستحضار التجارب الدولية، وتقويم الآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئة للعرائض والملتمسات، مع استحضار البعد الإنساني لهاتين الآليتين، وضبط المصاحبة القانونية والسياسية لهما. وإذا كان المبدأ القائل الشعب صاحب السيادة والوطن سلطة تشريعية، فإن العريضة والملتمس آليتان للتصريف، ويتطوران بتطور منظومة حقوق الإنسان والحريات. علاوة على هذه الاستنتاجات الاستراتيجية، ثمة ملاحظات همت البعد التشريعي المؤطر للعريضة والملتمس، بناء على قانونين تنظيميين 44.14 و 64.14 و تستهدف تبسيط الشروط والقبول والدعم والحماية للفاعلين في هذا المجال. والنظر في بعض المصطلحات التي تبدو فضفاضة،وفك لغزالتضارب الذي قد يحصل بين السياسي والمدني والنقابي. وأخيرا و ليس آخرا، تبقى أسئلة عالقة في هذا المضمار: هل يمكن اعتبار المهمة التشريعية والرقابية للمجتمع المدني آليتين لتعزيز المصالحة بين السياسي والمدني؟ كيف نبني مبدأ التكاملية بين النيابية والتشاركية ؟ كيف تكون السلطات العمومية مرنة في قبول العريضة والملتمس دون استعلاء السلط والادعاء بانفرادية التشريع ؟كيف نجعل من السياسات العمومية الأرضية المشتركة بين المدني والسياسي وأثناء الوضع والتنزيل والتتبع والتقويم ؟ كيف نؤهل المواطنات والمواطنين لهذه المهمة التشريعية والرقابية؟ إن هذا البحث، لبنة متواضعة يفتح شهية البحوث المستقبلية لتقارب مجموعة من الأسئلة . وقبل الختم، أشكر من جديد الأستاذ المشرف الدكتور السالمي الادريسي على مواكبته العلمية والإنسانية لهذا المولود، كما أحيي الدكاترة الأفاضل الذين تفضلوا بالمشاركة في هذه المناقشة العلمية،رغم انشغالاتهم الكثيرة فشكرا لكم.