قال محمد عبد الرحمان برادة : « ها نحن اليوم مع الأخبار المتدفقة تبحث عنا، تسائلنا، تهاجمنا، تعتدي علينا تارة وتغازلنا تارة أخرى وفي كل مرة تترامى بين أعيننا ونتلقفها بشعور وبلا شعور، وطبعا بالمجان. هي المفارقة اليوم بين الصحيفة التقليدية الخلوقة والصحيفة الرقمية الإلكترونية الحديثة والجريئة» . وأضاف محمد برادة، الذي حل ضيفا على ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء ضمن الاحتفاء بالذكرى 60 لتأسيسها حول موضوع : « أي نموذج اقتصادي للصحافة اليوم ..هل ستختفي الصحافة الورقية ؟ « صباح أول أمس الثلاثاء بمقر الوكالة : « لقد كنا نبحث عن الخبر، كنا ننتظر وصول الجريدة من المطبعة، كنا نؤدي ثمنها، كنا نتأبطها، كنا نتباهى بالعثور عليها، نستجدي مودة البائع لكي يحتفظ لنا بنسختنا من الصحيفة إياها قبل نفادها». وتساءل مدير سابريس سابقا حول الصحافة اليوم وما تعيشه، هل هو موت معلن أم بطيء في ضوء ظهور الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي؟ وسجل برادة على أن الصحافة الورقية أصبحت يتيمة لا هي بقارئها ولا هي بمعلنها. ضاع الاثنان كما ضاع نموها بعد رحيل من كان يدعمها، وضاع المراسل الصحفي ليحل محله المواطن الصحفي، هو واقع باغت الكثيرين وارتبك في شأنه العديدون. واقع جاء نتيجة احتضار الوسيلة الورقية، في انتظار انبعاثها المنتظر بشكل حديث وعقلية الإلكتروني ومنطق الرقمي، يقول برادة . وشدد برادة على أن « الصحافة الورقية هي أنبل وسيلة للإخبار والأرشيف القومي للشعوب وقال فيها الفيلسوف الفرنسي Albert Camus: «الصحيفة ضمير الأمة»، هي الخبر المقدس في أبهى وأرقى صوره بمنتهى المهنية واحترام الأخلاقيات والابتعاد عن الإشاعة والإثارة. قد نتفق وقد لا نتفق بأن عصر الورق قد انتهى، حتى في الإدارات وبعيدا عن الصحافة نسعى لتحقيق «صفر ورق» كل الوثائق تحت تصرف المواطن عبر الكمبيوتر». وأرجع محمد برادة أسباب التراجع في انتشار الصحف التقليدية، لهشاشة النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية التقليدية والزحف الرقمي واعتماده على بلورة صحافة حديثة إلكترونية توفر الآنية والحينية، والتحولات الاجتماعية التي أفرزت قارئا جديدا باهتمامات ونزوات وميولات مختلفة، قارئ يهوى الخبر السريع والصور والفيديو والتفاعل والمختصر المفيد وحتى اللامفيد، لا تهمه اللغة ولا ينزعج من الأخطاء، فهو يرضى بالقليل ولا يبحث عن التفاصيل إلا عند الحاجة. وتأسف لحال الصحافة المغربية اليوم وتراجعها، حيث قال في هذا الصدد:» هذا الواقع نعيشه في المغرب كما في باقي دول العالم، مع العلم بأن لدينا خصوصياتنا في مجال الصحافة كما في مجالات أخرى. صحفنا الوطنية وخاصة منها اليوميات لم يرق توزيعها إلى معدلات تعكس حقيقة تطور بلدنا وطموحات الناشرين وحتى في العصر الذهبي الذي عرفته الصحافة الوطنية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي لم تكن مبيعات كل الصحف لتتجاوز 500.000 نسخة يوميا ليبدأ الانحدار منذ العشرين سنة الأخيرة لتصل مبيعات الصحف اليومية إلى 120.000 نسخة على أكبر تقدير. 20 صحيفة يومية تصدر ببلادنا ومجموع المبيعات حققتها صحيفة واحدة كانت تفوق مبيعاتها 150.000 نسخة «. وأضاق: « تصدمنا الإحصائيات والأرقام وتدفعنا للإحباط والتشاؤم ومع ذلك نعترف بأن صحافتنا بإمكانياتها المتواضعة لعبت أدوارا مشرفة في التعبئة والتأطير والدفاع عن المصالح العليا لبلدنا. لم تكن الصحافة الوطنية تتلقى أي دعم في الوقت الذي كانت فيه تحقق مبيعات مرتفعة ولم يكن بلدنا ينعم بهامش الحرية الذي نعيشه اليوم وكأن المفارقة الغريبة أرادت بأن تكون النتائج في الاتجاه المعاكس : كلما زادت الحريات والدعم كلما نزلت المبيعات. هنالك إذن خلل ما يتوجب البحث عن أسبابه وعن آليات تجاوزه». وناشد برادة ذوي النيات الحسنة للنهوض بالصحافة الورقية بهدف مواكبة الأوراش الكبرى حيث قال : « في غمرة التحديات التي تواجه الصحافة الورقية تتكاثر منابر إلكترونية يزيد عددها ببلادنا على 400 «جريدة» وهذا التمييع الذي يلقى التشجيع المباشر وغير المباشر يبرر نفور القارئ ويجعل اندثار الصحافة الورقية حتميا قبل الموعد، إلا إذا تجددت الإرادة في أن تكون لنا صحافة نستحقها لأن دورها لا يزال مفتوحا بل ضروريا لمواكبة الأوراش الكبيرة التي تعرفها بلادنا». وختم محمد برادة قائلا إن « البحث عن التكامل بين الورقي والرقمي خير وسيلة لتعايش يستجيب لرغبات كل الأطراف وهذا ما بدأنا نلمسه لدى العديد من المؤسسات الصحفية «، وأن « يبقى الأمل كبيراً كي يحظى موضوع الإعلام والصحافة بشكل خاص بالعناية اللازمة ويكون من بين الأولويات التي سوف تناقشها لجنة دراسة النموذج المغربي الجديد والشامل».