وصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء إلى السعودية لتقديم العزاء للعاهل السعودي الجديد الملك سلمان في وفاة سلفه الملك عبد الله في زيارة تبرز أن التحالف الأمريكي السعودي يتجاوز المصالح النفطية ويمتد إلى الأمن الإقليمي. وصرح بن رودز، نائب مستشارة الأمن القومي الأمريكية للصحفيين بأن اوباما يود أن يناقش مع العاهل الجديد الحرب ضد الدولة الإسلامية والموقف الهش في اليمن والمحادثات لإنهاء النزاع الطويل بشأن طموحات إيران النووية. وتجيء الزيارة التي لم يكن جدول أعمال أوباما يتضمنها بينما تواجه واشنطن صراعا متفاقما في الشرق الأوسط وتعتمد على الرياض كواحدة من عدد قليل من الشركاء الدائمين في حملتها ضد الدولة الإسلامية التي سيطرت على مناطق واسعة من العراقوسوريا. وتفاقم القلق الأمني الأمريكي الأسبوع الماضي بسيطرة الحوثيين، الذين تدعمهم إيران، على الحكومة في اليمن في انتكاسة لجهود واشنطن لاحتواء جناح القاعدة هناك والحد من النفوذ الإقليمي لإيران الشيعية. وانهيار الحكومة اليمنية مصدر قلق للسعودية لأن بينهما حدودا مشتركة طويلة وبسبب التقدم الذي أحرزته إيران المنافسة الرئيسية للمملكة السنية على النفوذ الإقليمي. وعملت السعودية على حشد الدعم العربي للانضمام إلى الدول الغربية في تحركها ضد الدولة الإسلامية وقوبل ذلك بالثناء من واشنطن التي تقدر هي ودول غربية المملكة كسوق هام للمعدات العسكرية. وبعد وفاة الملك عبد الله يوم الجمعة الماضي سيحاول أوباما تسيير العلاقات بسلاسة مع الملك الجديد سلمان الذي يتولى السلطة بعد فترة شهدت قدرا من التوتر في العلاقات بين واشنطنوالرياض. وفي إبراز لمدى أهمية التحالف السعودي بالنسبة لأوباما قطع الرئيس الأمريكي زيارته للهند التي كانت ستستغرق ثلاثة أيام وتوجه إلى الرياض على رأس وفد كبير يضم 30 عضوا من كبار المسؤولين وجمهوريين مخضرمين. وقال البيت الأبيض إن الجمهوريين جيمس بيكر وزير الخارجية في إدارة جورج بوش الأب وبرنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي للرئيسين جيرالد فورد وبوش الأب سينضمان إلى أوباما لتقديم العزاء في وفاة الملك عبد الله. وترافق أوباما أيضا كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس جورج بوش الابن وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في نفس الإدارة والسناتور الجمهوري جون مكين الذي عادة ما ينتقد سياسة أوباما الخارجية. ويضم الوفد أيضا وزير الخارجية جون كيري ومدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان إضافة إلى سوزان رايس وليسا موناكو مستشارتي أوباما. وكتب صمويل هندرسون الخبير في العلاقات الأمريكية السعودية في معهد سياسة الشرق الأدنى «بغض النظر عما سيجيء في البيان الختامي فإن المواضيع المرجحة للنقاش هي سورياوإيران والدولة الإسلامية وأسعار النفط.» واستطرد «أهم سؤال بالنسبة للرئيس أوباما هو ما إذا كان الملك سلمان وفريق مستشاريه لديهم أولويات تختلف عن أولويات الملك عبد الله.» وكان العاهل السعودي الجديد وكبار الأمراء والمسؤولين السعوديين في استقبال أوباما وزوجته ميشيل وكان من بين المستقبلين ولي العهد الأمير مقرن وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف ووزير النفط علي النعيمي. وعادة ما يحتل الانتقاد الأمريكي لسجل السعودية في حقوق الإنسان مرتبة متراجعة. ومن المتوقع أن يظل كذلك في الأولويات الأمريكية. وفي مقابلة مع شبكة سي.ان.ان التلفزيونية الأمريكية قال أوباما إنه يضغط على حلفاء مثل السعودية في قضايا حقوق الإنسان لكن عليه أن يوازن بين هذا الضغط وبين المخاوف المتعلقة بالإرهاب والاستقرار الإقليمي. وقال «ما أجده فعالا مع كل الدول الأخرى التي نعمل معها هو ممارسة ضغط متواصل ومتسق حتى ونحن نقوم بما ينبغي القيام به.» واستطرد «وفي أحيان كثيرة هذا يجعل حلفاءنا يشعرون بعدم الارتياح. هذا يشعرهم بالإحباط وعلينا في أحيان أن نوازن بين حاجتنا الى التحدث معهم عن قضايا حقوق الإنسان وبين مخاوف وشيكة لدينا متعلقة بمكافحة الإرهاب أو التعامل مع الاستقرار الإقليمي.» وانتقدت منظمات دولية لحقوق الإنسان السعودية لزجها بعدد من النشطاء البارزين في السجن ولقيامها هذا الشهر بجلد علني لمدون. ورغم التحالف القديم بين البلدين والذي كان حجر زاوية في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط فقد عبرت الرياض عن نفاد صبرها من عدم إقدام إدارة أوباما على بذل المزيد للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وقلقها من السعي الأمريكي لإبرام اتفاق نووي مع إيران. وزاد هذا من شعور بين الحكام السعوديين بأن أوباما يخذل حلفاءه العرب القدامى وكان أبرز واقعة تخلي الولاياتالمتحدة عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الذي أطاحت به انتفاضة شعبية عام 2011. وتحسنت العلاقات الأمريكية السعودية حين زار أوباما الرياض في مارس الماضي لرأب الصدع. مبايعة الملك سلمان عبر تويتر تدخل تقاليد انتقال الحكم إلى عصر الإعلام الحديث بايع الآلاف من السعوديين، الشباب منهم خصوصا، الملك الجديد سلمان عبر تويتر مدخلين تقاليد انتقال الحكم في المملكة إلى عصر الإعلام الحديث. وغرد عشرات الآلاف في المملكة مستخدمين الوسم (هاشتاغ) «أنا_أبايع_الملك_سلمان» ومؤكدين ولاءهم للملك الجديد منذ اللحظات الأولى لوفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وتحول تويتر خلال السنوات الأخيرة إلى المنبر الأول للرأي العام في الخليج، وخصوصا في السعودية التي اعتبرت عاصمتها الرياض في 2012 عاشر مدينة مغردة في العالم. وفي 2013 تجاوز عدد مستخدمي الموقع النشطين في المملكة خمسة ملايين شخص، ليسجل تويتر في هذا البلد أعلى نسبة انتشار له في العالم بالمقارنة مع عدد السكان. ويستخدم الموقع الجميع تقريبا في المملكة، من السلفيين المتشددين الى الليبراليين، ومن الأمراء والوزراء إلى أشخاص مجهولين أصبحوا نجوما. وكان خبر وفاة الملك شاع عبر تويتر قبل ساعات من إعلانه رسميا، لا سيما من خلال تغريدة للمغرد «الشبح» الأشهر مجتهد المعروف بنشره معلومات من داخل دوائر الحكم أصابت أحيانا ولم تصب أحيانا أخرى. وبعيد إعلان وفاة الملك، بدأ مغردون سعوديون بمبايعة ملكهم الجديد عبر تويتر، وأيضا من خلال نشر أفلام يعلنون فيها المبايعة عبر موقع يوتيوب. وقال الشاب سلمان العتيبي لوكالة فرانس برس «بايعت الملك عبر تويتر لأننا نتقدم تقنيا ولا نتخلى عن هويتنا وتقاليدنا». واعتبر أن «البيعة واجب على كل مسلم». وتتخذ البيعة أو المبايعة في السعودية بعدا دينيا وآخر قبليا. ومن الناحية الدينية، يرتكز نظام البيعة الى الحديث الشريف الذي يقول «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». وقد شدد مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ فور إعلان انتقال السلطة على كون البيعة واجب على مسلم في المملكة. ومن الناحية القبلية، فإن البيعة تعني موافقة مجموع القبائل والمجموعات وتسليمها بالأمر والطاعة لولي الأمر الجديد. وبعد ساعتين من دفن الملك عبد الله، توافد عشرات الآلاف من الأعيان والشخصيات وممثلي القبائل الى قصر الحكم لمبايعة الملك سلمان، بالسلام عليه وتقبيل كتفه أو يده. وبشكل مواز، بايعه الآلاف الآخرون بالتغريد. وكتب المغرد وليد السهلي «أبايع الملك سلمان بن عبد العزيز أل سعود ملكا للبلاد، ومقرن بن عبد العزيز آل سعود وليا للعهد. أما متعب السميري فغرد «على السمع والطاعة نبايعك يا سلمان، ونجدد لك الولاء». والملك سلمان نفسه لديه حساب على تويتر، وقد تغيرت تسميته من الأمير سلمان إلى الملك سلمان. وغرد الملك الجديد غداة تسلمه سدة الحكم «أسأل الله أن يوفقني لخدمة شعبنا العزيز وتحقيق آماله، وأن يحفظ لبلادنا وأمتنا الأمن والاستقرار، وأن يحميها من كل سوء ومكروه». وكسب الملك الجديد مئات آلاف المتابعين الجدد بعيد توليه الحكم، وبات اليوم يحظى ب1,6 مليون متابع. ومقابل غالبية ظاهرة مؤيدة للحكم، فتح الموقع بشعبيته المتزايدة الباب على مصراعيه لأصوات معارضة للأوضاع السياسية والاجتماعية في المملكة. ويتسبب تويتر بصداع للسلطات في دول الخليج التي تحكم السيطرة على الإعلام التقليدي، فيما صدرت أحكام بالسجن على عدد من الناشطين بسبب تغريدات اعتبرت مسيئة للدين أو للحاكم. وفي الخليج عموما، يستخدم المغردون تويتر للنقاش في أي موضوع سخيف أو مهم عبر «هاشتاغات» تنتشر بشكل واسع وسريع، وتتناول مواضيع تتراوح بين #ما الغذاء اليوم» وحملات مثيرة للجدل مثل تلك التي تدعو الى قيادة المرأة للسيارات في السعودية. وبعد موجة المبايعة عبر تويتر، انتشر وسم جديدة هو «المطالب_من_الملك_سلمان». وكتب أحد المغردين من خلال الوسم أن المطالب هي «مجلس شورى منتخب من الشعب ومحصن يسن القوانين والتشريعات وتكون نافذة ويحاسب مجلس الوزراء. هذا يحقق الإصلاح المزعوم». استمرارية في الدبلوماسية السعودية بعد انتقال الحكم إلى الملك سلمان ستتابع المملكة العربية السعودية بعد انتقال الحكم الى الملك سلمان سياساتها الإقليمية نفسها لاسيما لجهة الحزم إزاء تيارات الإسلام المتطرف والانفتاح على جيرانها في المنطقة التي تشهد تغيرات. وفي أول كلمة وجهها بعد اعتلائه سدة الحكم أكد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أنه سيستمر بالسير على النهج الذي سار عليه الملك المؤسس عبد العزيز وأبناؤه الملوك الخمسة من بعده. وقال الخبير الأمريكي المتخصص في الشؤون الخليجية فريديريك فيري «لا أتوقع تغيرات كبيرة». وأضاف فيري لوكالة فرانس برس أن آل سعود «يتشاركون النظرة ذاتها للعالم والاختلافات بينهم قد تكون بسيطة حول مسائل استراتيجية وتكتيكية». وتوقع الخبير خصوصا استمرار التعاون بين السعودية والولاياتالمتحدة في مجال مكافحة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر على أراض واسعة في العراقوسوريا. وقال فيري إن «المسار العام للعلاقات الأمريكية السعودية خصوصا في موضوع الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية يفترض أن يبقى صلبا الى حد كبير». ورأى فيري أن ولي العهد الأمير مقرن «قد يطلق برنامجا للإصلاحات لكن يجب الانتظار حتى يصبح ملكا لتقييم تجربته». من جانبه، قال المحلل الكويتي عايد المناع أن «السعودية هي حليف للغرب وهي في نفس الوقت بلد ذات توجه إسلامي ... ليس من المتوقع أن تتغير سياستها الخارجية في المضمون ولو أن الأسلوب يمكن أن يختلف بين قائد وآخر». وأضاف المناع أنه في الإجمال تقيم المملكة «علاقات براغماتية مع الغرب» حتى ولو أن العلاقات بين الرياضوواشنطن تمر باضطرابات منذ أن بدأت الأخيرة خطوات انفتاح على إيران. وتنظر السعودية بعين الريبة إلى تقارب الغرب مع إيران، غريمتها الشيعية الكبيرة في المنطقة, وهي ستبقى بحسب المناع «حازمة إزاء جارتها المتهمة بالتدخل بشؤون العراقوسوريا ولبنان والبحرين واليمن». وتابع المناع «حتى ولو أن سلمان معروف بأنه محافظ، إلا أنه سيكون من الصعب عليه أن يحيد عن السياسة التي خطها الملك عبد الله، خصوصا أنه سيسعى أيضا في نفس الوقت إلى التناغم مع ولي عهده الأمير مقرن المعروف بأنه إصلاحي». وبحسب المناع، فإن الأمير مقرن يمكن أن يدفع تجربة مجلس الشورى باتجاه حالة تكون أقرب إلى البرلمان مع منح الهيئة صلاحيات محدودة. ويفترض لهذا التوجه أن يترافق مع متابعة سياسة تقديم المساعدات الخارجية التي رسخها الملك عبد الله، لاسيما من خلال «تقديم المساعدات للشعوب الأقل حظا التي يجد التطرف أتباعا له في صفوفها» وهو مصدر قلق مهم بالنسبة لأسرة آل سعود. وبحسب المناع، فإن «السعودية بحاجة الى سلطة مركزية قوية قادرة على الرد السياسي والعسكري السريع إزاء أي تطور مفاجئ في المنطقة» مشيرا بشكل خاص الى المسألة السورية والوضع في البحرين واليمن. وذكرت مصادر سياسية لوكالة فرانس برس أن السعودية أوقفت مؤخرا مساعداتها إلى اليمن مع سيطرة المسلحين الحوثيين الشيعة على العاصمة صنعاء والتي أدت الى تقديم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي استقالته. وبحسب المناع، فإن «الضغوطات السعودية ستستمر حتى يبرهن الحوثيون بأنهم ليسوا رأس حربة لإيران في اليمن». وتواجه المملكة أيضا انهيار عائدات النفط التي تؤمن 90% من دخلها، ما قد يدفع بالمملكة الى تخفيض مساعداتها إلى مصر، بحسب فريديريك فيري. وقال الخبير الأمريكي «نحن بدأنا نشهد تخفيضا للمساعدات السعودية إلى مصر، لأن السعوديين ليس بوسعهم أن يستمروا بدفع المساعدات الى ما لا نهاية مع استمرار انخفاض أسعار النفط».